مخيّم مار الياس: مساحة صغيرة وأحلام كبيرة
أبريل 23, 2022 9:41 ص*وسام عبد الله
لا شيء يدلّ على وجود مخيمّ للاجئين الفلسطينيين بين منطقتي الأونيسكو والجناح في بيروت، فمخيّم مار الياس يقبع على مساحة صغيرة مع عدد قليل من السكان، ويختلف من حيث الشكل الخارجي عن باقي مخيّمات العاصمة، لكنّ هموم الناس ومشاكل اللجوء تتشابه أينما حلّ الفلسطيني على شتات.
أول الظلم
تأخذك البيوت المتلاصقة داخل الأزقة الضيقة نحو مركز التنمية الإنسانية لحقوق الإنسان، تشرح المحامية الفلسطينية والباحثة القانونية في المركز لمياء السعد عن نشاط المركز: “يعمل مع الفئات المهمشة واللاجئين الفلسطينيين، عدد سكان المخيم، يُقدّر بحوالي 400 عائلة. يضم المخيّم، إضافة للفلسطينيين، سوريين ولبنانيين، من عائلات مسيحية ومسلمة، وهو يشبه تنوع المجتمع في المنطقة المتواجد فيها”، وتضيف: “لا يوجد مظاهر مسلحة واضحة كما باقي المخيّمات، وهو على تنسيق أمني مع الحكومة اللبنانية”.
يعمل المركز على عدة مجالات قانونية مثل الدراسات وحقوق اللاجئين والفئات المهمشة، وحقّ العمل والتملك، كذلك على دمج الشباب الفلسطيني واللبناني على الرغم من آثار الحرب المستمرة إلى وقتنا الحالي.
تُشير لمياء إلى التحديات التي تواجه الفلسطيني: “حقّهم في العمل هو المشكلة الرئيسية التي يعاني منها الفلسطينيون مع الدولة اللبنانية، يملكون شهادات عالية من الجامعات المرموقة مثل الجامعة الأمريكية في بيروت، ولا يتمّ الإستفادة من طاقاتهم العلمية وشهاداتهم، ونتيجة لقرارات الحكومة اللبنانية، ينعكس ذلك على وضعهم الإقتصادي من خلال تضييق فرص العمل، لتنحصر بمهنٍ بسيطة مثل خدمة التوصيل (Delivery)”.
أطفال اللجوء
“نعاني من فصل التلامذة الفلسطينيين عن اللبنانيين خلال الدوام الصباحي والمسائي في الصفوف الإبتدائية، مما يُشكّل تمييزاً في هذه المرحلة المبكرة”، تتحدث لمياء عن التحديات التي تواجه الأطفال، وتضيف واصفةً أحد التحديات التي قد تواجه اللاجئ السوري: “بالنهاية، سيعود اللاجئ إلى بلده، إضافة إلى ما سيكتسبه هنا من عادات، سنعاني مع الفئة العمرية التي نشأت في الحرب ولم تتعلم، على الرغم من تسجيلهم في مدارس التعليم اللبنانية، لكن، وأنا مسؤولة عن كلامي، أكثر من نصف التلاميذ لا يستفيد من التعليم، بسبب الأساتذة بشكل أساسي، تراجع التعليم، التمييز والعادات التي ينقلونها إليهم، التمييز من خلال التفريق بسؤال كل شخص: من أين أنت؟، هذه الفئة قد تعاني من الإندماج في المجتمع السوري لاحقا”.
مع انعدام المساحات المخصّصة للأطفال في المخيّمات، تُشكّل المراكز ملتقى ومساحة للتعبير للفئات العمرية الصغرية، وفي مركز التنمية الإنسانية تُعتبر مسألة “محو الأميّة” إحدى الهموم الأساسية التي يعملون عليها كونها مشكلة كبيرة يعاني منها مجتمع اللجوء وخاصة شريحة الأطفال، والتعليم يتمّ عبر جلسات أسبوعية ومتابعة مستمرة من المشرفين. يظهر انتماء الأطفال للمركز من خلال زياراتهم خارج أوقات اللقاءات الرسمية، وهو نتيجة لما يجري العمل عليه، عبر النشاطات والألعاب والتواصل المباشر. تتنوّع برامج المركز بين قضايا حماية الطفل من الإستغلال وأنشطة الدعم النفسي، يُعبّر عنها الأطفال عن طريق المسرح من خلال مشاهد مسرحية عن حقوق الطفل وعمالة الأطفال.
دمج الفلسطيني واللبناني
إنّ التواصل بين الشباب الفلسطيني واللبناني، له أولوية لدى المركز، وتوضح لمياء طريقة الدمج وهدفها: “التواصل مع الشباب اللبناني يكون إما مع الموجودين في المخيّم أو من خلال الشراكات مع المنظمات والندوات التي تُقام في الفنادق، حين تكون الدعوة عبر جمعيات لبنانية ودولية، مما ينسج شبكة علاقات معهم، ويفتح آفاق ويكسر الصورة النمطية عن الشعب الفلسطيني. فالمشكلة هي بتوريث الآباء لأبنائهم مواقف من زمن الحرب الأهلية، على الرغم أنّ الشاب اللبناني ليس لديه إحتكاك مباشر مع الفلسطيني”، وتكمل موضحة ردة فعل بعض المشاركين: ” تتشكّل حالة إستغراب في اللقاءات بين المشاركين، حين يُعرِّف المشارك عن نفسه أنّه فلسطيني، فالصورة في أذهانهم، الشاب الذي يرتدي كوفية ويحمل سلاحاً ومستعد لقتل الجميع، ليتعرفوا بعدها على مهندسين وأطبّاء وممرضين وحملة الشهادات العليا”.
“أخاف أن يقتلوني“
بعد ورشات العمل يتمّ إعداد زيارات متبادلة بين المشاركين، وتروي لمياء قصة أثّرت بها بشكل كبير: “شاركت معنا صبية من كسروان عمرها 18 سنة، ضمن ورشة عمل في منطقة برمانا، كان أول لقاء لها مع فلسطينيين، بعد انتهاء الورشة دعوناها لزيارة مخيّم مار الياس. حين وصلت الفتاة إلى مدخل المخيّم بدأت بالبكاء، كان لديها خوف، شعرنا بصدمة من ردة فعلها، فالصورة المكونة لديها أنّ هناك من سيقتلها”، وتتابع: “تحدثنا معها بهدوء، وأخبرناها أنّ اصدقاءها في الداخل، لتدخل وتتعرف على التنوّع الموجود وكيفية حياة الشباب الفلسطيني، فكان أول حاجز قد أُزيل.. من بيئة معادية للمخيّم إلى متصالحة مع وجوده، ولتبنيَ لاحقاً صداقات معهم”.
الدفاع عن حقوق اللاجئين
لمياء السعد خريجة كلية الحقوق في جامعة بيروت العربية، وخلال دراستها، قرأت مادة ضمن الدستور اللبناني تقول: “يُعامل الفلسطيني معاملة الأجنبي في لبنان”، الجملة كانت غريبة بالنسبة إليها، كونها كانت تعيش في دمشق، لم تشعر بما تعنيه الكلمة، إلا بعد أن انتقلت لاحقاً إلى لبنان، وعملت في المخيّمات ولمست النتائج القاسية لهذا الواقع البائس على حياة اللاجئين.
ومن المظاهر غير المفهومة أيضاً تقول لمياء: “الحواجز على مداخل المخيّمات، لم أستوعبها أبدا، حين أزور مخيّم عين الحلوة مثلاً أو الرشيدية يلزمني تصريح، مثل الجدار الفاصل داخل فلسطين، هل سيبقى الشباب الفلسطيني يدفع ثمن أخطاء غيره وهو وارث النكبة والحروب المتتالية، مورثات الحرب؟، هذا ما دفعني إلى العمل مع اللاجئين في المجال القانوني، وما يساعدني أنّني محامية مسجلة بالنقابة في سوريا ويمكنني توكيل محامٍ في لبنان”.
حقّ العمل، هو الهاجس المشترك بين كل الشباب الفلسطيني، وفي الأزمة اللبنانية، صار همّاً يتقاسمه الفلسطيني واللبناني على حد سواء، والضغط على اللاجئ وتضييق الخناق عليه، يدفعه نحو سلوك غير سليم على المستوى الشخصي والمجتمعي، أو إلى السفر إن لم يكن بطرق شرعية، فعبر البحر رغم مخاطر الغرق، فإلى أين يُدفع الشباب بإغلاق كل المنافذ أمامهم؟!”.
*كاتب لبناني
وسوم :
الحرب الأهلية, الشتات الفلسطيني, جيل النكبة, حقوق الطفل, حقوق اللاجئين, صمود, عمالة الأطفال, لمياء السعد, محو الأميّة, مخيّم مار الياس, مركز التنمية الإنسانية لحقوق الإنسان, وسام عبد الله