الرموز الفلسطينية: دلالة المعنى وقرصنة الاحتلال لثقافة البلاد
يونيو 4, 2022 9:44 ص*وسام عبد الله
تعبّر المجتمعات عن هويتها من خلال الأنماط والعادات والموروثات، ومنها اللباس والموسيقى وبعض المصطلحات، وهذه الأدوات هي رموز تختصر في مضمونها المعنى والانتماء، وتكون هي الإشارات التي يُستدلّ بها على شخص ما، فحين نطلب من طفل أن يعبّر بالرسم عن الإنسان الفلسطيني، نجد الكوفية والحجارة أولى الصور التي ترد على ذهنه، كونها الأكثر تداولاً في محيطه. ففي مجتمعات تصنّف اللاجئين بحسب رموزهم، هل يمكن أن تكون هذه الرموز مساحة لقاء وتعارف؟.
الرمز وتعريف اللاجئ
يساعد الرمز على اختصار تعريف اللاجئ، والأمر من السهولة بحيث يمكننا تسجيل ما يصنّف به الفلسطيني، فمن المقاوم إلى المظلوم، وصولاً إلى إطلاق الصفات العنصرية عليه، هذه التوصيفات يرددها الناس كون تحديد تعريف واضح للاجئ قد يكون غير ممكن بالنسبة لهم. فكل إنسان عاش مع اللاجئ بحسب مجاله الخاص، فمن تواجَه معه بالسلاح، لا يشبه من تعاون معه في المساعدات الإنسانية، كل منه يعطي تعريفه بحسب نظرته هو وليس بحسب ما يعرّف اللاجئ عن نفسه.
وتخضع الرموز في كثير من الأحيان لعملية التعميم، فكل فلسطيني في ذهن بعض اللبنانيين يعبّر عنه، بمقاتل يحمل سلاحا، وهذا في جزء منه صحيح، على اعتبار أنّ هناك مقاتلين مع الفصائل الفلسطينية يحملون السلاح، ولكن ليس كل الفلسطينيين هم مع الفصائل. وحين يحاول الفلسطيني التعبير خارج عن الرموز المتعارف عليها، التغريد خارج السرب، محاولاً خلق رمزية خاصة به، يصبح منبوذاً أو مرفوضا، فالأسهل على الجماعات أن تصنّفه نسبة إلى رمز معين حتى يسهل التعامل معه كما تعامِل باقي الجماعة التي ينتمي إليها.
الرمز والهوية
الرمز هو محاولة للتعبير عن العمق الحضاري والإنساني، والرمزية لا تُمارس بشكل منفرد، إنّما من خلال العلاقة مع الآخر واحترام الإختلاف معه. يملك الفلسطيني تاريخيا ومن خلال الهوية، مروحة واسعة من الرموز، التي تتنوع من الملموس على غرار اللباس إلى المعنوي مثل الموسيقى، وفي كل منهما نجد الاحتلال يحاول سلب الفلسطيني لرمزيته التي تعبّر عن شخصيته الحضارية ووجه الثقافي، وليست المعركة على اللباس التراثي إلا صورة واضحة، فليس الهدف هو شكل الثوب وطريقة تطريزه، إنّما ما وراء المعنى الذي يحمله اللباس من تعبير عن التراث الفلسطيني وعمقه المتجذر، والرغبة الإسرائيلية باحتلال الرمز ليكون هو المعبَّر عنه في الخارج، ومضيفات الطيران على الخطوط الجوية الإسرائيلية يعبّرن عن الهدف من سرقة الرمز، حتى تصبح الدلالة والإشارة في الخارج، أنّ هذا الثوب “إسرائيلي”.
ما وراء الرمز
تختبئ العنصرية وراء الرموز، والوطنية أيضا، والمعيار يكون الجهة التي يصدر عنها، وهو يدل على أنّ الرمز كرمز بحد ذاته ليس له معنى، إنّما بما يحمله من أبعاد لدى الطرف الذي يشير إليه. فمثلا، تُصنّف الكوفية لدى فئة من اللبنانيين على أنّها من رموز الحرب الأهلية وترتبط مباشرة بالمقاتل الفلسطيني، حتى إذا رغب شاب أو فتاة بارتدائها بهدف الزينة ليس أكثر، يُقال له “كأنّك فلسطيني!”، وإن كان مطلِق الصفة من الداعمين للقضية الفلسطينية، فتكون الكوفية بمثابة رمز يفتخر به.
ما نحتاج إليه، هو إعادة قراءة لذاكرتنا الجماعية، وما تحمله من رموز، واتخاذ خطوة جريئة للاعتراف بأنّ ثمة تصنيفات للآخرين تكون مبنية على اعتبارات خاطئة، فحين يصنَّف كل لبناني من الطائفة المارونية، على أنّه تابع حزب القوات اللبنانية مثلا، فهذا ليس حقيقياً بالضرورة، لأنّ الكثير من الموارنة في جبل لبنان هم مع الحزب السوري القومي الإجتماعي والحزب الشيوعي على سبيل المثال لا الحصر، وربما هم لا ينتمون لأي حزب أساسا، ولكنّ المارونية السياسية، برموزها، فرضت تصنيفاً على كل لبناني ماروني. ومن الجهة الفلسطينية كذلك الأمر، فأن تكون لاجئاً وترتدي كوفية، ليس معناه أنّك تنتمي لحركة فتح كون الرئيس الراحل ياسر عرفات كان يرتدي الكوفية، فقد يكون هذا اللاجئ خارج جميع المنظمات والفصائل الفلسطينية.
الإتجاه نحو جعل الرمز هو مكان لقاء وتعارف، هو مواجهة الإرث العميق للفصل الذي نستخدمه لهذه الرموز، ومحاولة تفكيكيها وجعلها أكثر قدرة للتقبل بين مختلف الأطراف، فأن يتمّ تحويل الكوفية إلى لباس يرتديه كل إنسان، هو إخراج الرمز من خصوصيته الفلسطينية إلى مجتمعات أخرى، مع الحفاظ على أصالته.
*كاتب لبناني
وسوم :
الاحتلال الصهيوني, الثوب الفلسطيني, الذاكرة الجماعية, الرموز الفلسطينية, الفصائل الفلسطينية, الكوفية, اللاجئ الفلسطيني, اللباس التراثي, المقاتل الفلسطيني, الموسيقى, صمود, وسام عبد الله, ياسر عرفات