في الذكرى الأربعين للاجتياح الإسرائيلي للبنان: عوْد على بدء
يونيو 10, 2022 8:33 ص*وفيق هوّاري – صمود:
في العام ٢٠١٩، وفي الذكرى ٣٧ للاجتياح الإسرائيلي للبنان كتب الفنان اللبناني خالد الهبر:
“كنّا قاعدين بمعسكر، أثناء الاجتياح (١٩٨٢)، وعلى أساس ما في حدا ببيروت إلّا المقاتلين، المعسكر كان في ملعب مدرسة رسمية، وحوالينا بنايات بتخيْلها مطفيّة، بيروت كانت مدينة أشباح، طلبوا منّي المقاتلين إنّي غنّيلهُم، شلت الغيتار وبلّشنا نغنّي… فجأة، نحنا وعم نغنّي صارت تضوي الشبابيك بهالبنايات، شبّاك ورا شبّاك، و تطلّ هالناس من الشبابيك، كنّا مفتكرين إنّنا وحدنا ببيروت… طلع في ناس باقية مخبّاية ببيوتها، ناس حلوة، قليلة، كانت خايفة تطلّ عالواقع، ناس مش عارفة إنّه في مقاتلين قلال مستعدّين يخسروا حياتُن كرامة بيروت… كتبت بوقتها:
“بيروت شويّة ناس و زواريب وشوارع،
وعيون ع شبابيك، وحلم من جرحها والع
وبيروت بواريد و أبطال و خنادق
وحريّة سهرانة ع حيطان البيوت… بيروت !
بيروت بكرا إن قالو: شو صار ببيروت؟
بترفع راسا الشوارع وبتبتسم البيوت”.
في تلك الأيام كنت أعمل في بيروت، وخلال فترة الحصار الإسرائيلي والذي استمر ٨٨ يوما، كنت أُنهي عملي وأتوجّه لقضاء بعض الوقت في منزل خالد الهبر.
وفي إحدى الليالي والقصف مستمر على بيروت، قال الهبر: “لولا الألم الذي أشعر به في ظهري، لحملت بندقية وشاركت في قتال العدو الإسرائيلي”.
سألته:”ماذا تعمل؟”
أجاب:”أغني”
أجبته:”اذهب إذاً وغنِّ للمقاتلين”.
وافق على ذلك بشرط أن لا أشاركه الغناء كي لا أزعج المقاتلين. وهكذا كانت له جولات غنائية خلال فترة الحصار.
في أحد تلك الأيام، حملت جريدة السفير مانشيت: “بيروت تحترق ولن ترفع الرايات البيضاء”.
وفي هذه الأيام تمرّ ذكرى مرور أربعين عاماً على الاجتياح الإسرائيلي عام ١٩٨٢. لم يكن ذلك الاجتياح ابن ساعته، بل جاء في سياق المخطط الإسرائيلي الذي يحمل أكثر من هدف. الهدف الأول، شطب البندقية الفلسطينية المستقلة، التي تسعى إلى تحرير فلسطين المحتلة. والهدف الثاني، إقامة كيانات محكومة من سلطات لا تنظر إلى الكيان الصهيوني نظرة عداء.
السيطرة على لبنان من خلال موارده
منذ أسابيع، نشرت وسائل إعلامية تصريحات لساسة أمريكيين وصهاينة، تقول بإنّ “إسرائيل” لم تخبر واشنطن بنيّتها إقامة حكم حليف لها في لبنان بعد القضاء على البندقية الفلسطينية. إنّه حديث “هراء”، الخطة واحدة، واشنطن وتل أبيب تسعيان للسيطرة الكاملة على المنطقة من خلال تفتيت الشعوب وردّها إلى مكوّناتها الأولية.
المشروع الصهيوني واضح منذ البداية، يريدون أراضٍ بدون شعوب، كي يسكنها المستوطنون، وإذا بقي عليها مجموعة ما، يجب أن تكون مفككة. “تل أبيب” تريد أيضاً السيطرة على الموارد الطبيعية المحيطة بها.
على الصعيد اللبناني، وحين بدأت المفاوضات بين فرنسا وبريطانيا كانت العصابات الصهيونية ترغب بالسيطرة على مياه الليطاني، ومن يعود إلى وثائق المفاوضات التي جرت حول مياه الوزاني والحاصباني عبر وسيط أمريكي يكتشف نوايا العدو بالسيطرة على المياه اللبنانية.
لم يكتفِ الكيان الإسرائيلي بالأرض الفلسطينية، بل يريد المزيد من الأراضي المحيطة بها.
لذلك لم يهدف عام ١٩٨٢ القضاء على البندقية الفلسطينية وتهجير اللاجئين الفلسطينيين من لبنان فحسب، بل القبض على القرار اللبناني أيضا.
في أوائل عام ١٩٨٢ كان يبدو أنّ “إسرائيل” بصدد القيام بعمل عسكري كبير، مستفيدة من حروب أهلية أنهكت الكيان اللبناني والشعوب المقيمة على أراضيه.
منذ نهاية ستينيات القرن الماضي، والعدو الصهيوني يعمل على تفكيك المجموعات الإجتماعية عبر النزاع الطائفي
وتوجيه الإتهام إلى الفلسطينيين بأنّهم يسعون إلى التوطين، مستغلة الخوف الديمغرافي عند بعض اللبنانيين.
لا يختلف اثنان بأنّ الكيان الصهيوني قوي جداً بتسلّحه ومعدّاته العسكرية، لكن كل هذه القوة لا تستطيع الإنتصار إذا ما ووجهت بوحدة الشعب.
عام ١٩٨٢، هُزمت “إسرائيل” في مواجهتها مع أطفال “الآر بي جي” في مخيّم الرشيدية، والتاريخ يروي الكثير عن معارك قلعة الشقيف، ومعارك الدامور وخلدة وغيرها، لكنّ قوة العدو تبرز جلية في انقسام المجتمع في لبنان حول الموقف من العدو الإسرائيلي، قوّته في ضعفنا. واشنطن (وهي الأقوى في العالم) وقفت عاجزة أمام الشعب الفيتنامي الموحّد ضد العدو.
الإنقسام في خدمة الاحتلال
لكن في لبنان، هناك العديد من الذين اصطفّوا إلى جانب قوة الاحتلال الصهيوني وضد الكيان اللبناني تحت حجّة السيادة.
عندما تقدّم العدو الإسرائيلي عام ١٩٨٢، ظنّ البعض أنّه سيقف عند حدود الليطاني أو الأُوّلي في أبعد تقدير. في تلك الأيام، قاتل الفلسطينيون والوطنيون اللبنانيون في كل مكان، لكنّ القيادة الفلسطينية والحركة الوطنية اللبنانية حاولت سحب معظم القوى العسكرية إلى بيروت، إذ وُضحت الصورة لهما، بأنّ “إسرائيل” تريد القضاء على السلاح الفلسطيني المستقل. وفي المفاوضات مع المبعوث الأمريكي كان همّ القيادة الفلسطينية المحافظة على حياة اللاجئين بعد أن بات الخروج الفلسطيني المسلّح محسوما. لم يكن بمقدور “إسرائيل” تحقيق ما تريد بدون مساعدة لبنانية، إذا، فائض قوة الاحتلال سببه ضعف الكيانات العربية، وعدم النجاح ببناء دولة وطنية تضم كل منها شعباً موحّدا.
في الأردن، عمل العدو الإسرائيلي على تعميق الإنقسام بين العشائر الأردنية واللاجئين الفلسطينيين للتخلص من المقاومة الفلسطينية. في العراق، وبعد الاحتلال الأمريكي تحوّل العراقيون إلى سنّة العراق، وشيعة العراق وكُرد العراق. في سوريا، وبعد أحداث ٢٠١١ تبيّن أنّ الإنقسامات على أساس ديني ومذهبي هي الأساس. أما في لبنان، فإنّ الموقف من العدو الإسرائيلي لم يكن واحدا، في عام ١٩٣٦ كان قسم من اللبنانيين يقاوم العصابات الصهيونية، وقسم آخر يبيع أملاكه في فلسطين للعصابات الصهيونية. وعام ١٩٤٨، استُشهد الملازم محمد زغيب والمتطوّع ديب عكرة في قرية المالكية الملاصقة لبلدية عيترون اللبنانية، بعد تحريرها من العصابات الصهيونية، ثم ارتكب العدو “مجزرة حولا” في العام نفسه بسبب موقف أهلها من الصهاينة.
عام ١٩٨٢، شارك مسلّحو سعد حدّاد بالمجازر الإسرائيلية وخصوصاً في صبرا وشاتيلا، كما شاركت القوات اللبنانية القوى الإسرائيلية في حصار بيروت. وفي ١٦ أيلول/سبتمبر ١٩٨٢، حين أُعلن عن جبهة المقاومة الوطنية، لم يكن إعلاناً عن بدء المقاومة بل تأكيداً على استمرار مقاومة العدو الإسرائيلي الطامع بلبنان طمعه بالأراضي العربية الأخرى.
من لا يذكر “إتفاق ١٧ أيار” عام ١٩٨٣، إنّ عدم نجاح هذا الإتفاق يعود بشكل أساسي لعدم التزام الاحتلال الإسرائيلي به، لأنّه نصّ على انسحابه من لبنان، وهو في ذاك الوقت لم يُرد ذلك بل أراد الإمساك بالحكم اللبناني.
إنّ إطماع “إسرائيل” لا تقتصر على شطب الشعب الفلسطيني وحسب، بل السيطرة على الكيانات المحيطة بها.
واليوم، ماذا تريد “إسرائيل” من لبنان؟
تريد السيطرة على الغاز والنفط في بحره، وتستند بذلك على الضعف اللبناني وعدم توحّد الموقف اللبناني في الدفاع عن حقوقه بالنفط والغاز.
تستمر “إسرائيل” في مخطّطها الإستيطاني والإستعماري، وقوّتها الأساسية هي ضعفنا وانقساماتنا وعدم بناء دولتنا الوطنية وغياب المواطنة الفعالة. وفي غياب كل ذلك، سيستمر العدو الصهيوني في عربدته بأساليب مختلفة.
عام ١٩٨٢، رفعنا شعار “الوطن باقٍ والاحتلال إلى زوال” وفي الدروس العِبر، فإنّ الاحتلال لا يزول إلا إذا بقي الوطن، وما الوطن إلا أرض يسكنها شعب موحّد يستطيع حماية كيانه، فلا حلّ إذاً إلا ببناء وطن كي يزول الاحتلال.
وسوم :
إتفاق 17 أيار, الاجتياح الإسرائيلي, البندقية الفلسطينية, الحركة الوطنية, الحروب الأهلية, الحصار الإسرائيلي, الشعب الفيتنامي, العدو الصهيوني, العصابات الصهيونية, القوات اللبنانية, الكيان الصهيوني, اللاجئون الفلسطينيون, المستوطنون, بيروت, جريدة السفير, خالد الهبر, سعد حدّاد, صبرا وشاتيلا, صمود, فلسطين المحتلة