إستبعاد اللاجئ الفلسطيني عن الرعاية الصحية.. من يضمن الحياة في غياب الإستشفاء؟!
يونيو 14, 2022 9:13 ص*وسام عبد الله
الرعاية الصحية لا تكون بتأمين الدواء بعد الإصابة بالمرض، وإنّما في الوقاية منه وتأمين بيئة سليمة يمتلك فيها الإنسان الحقّ بأن ينموَ بشكل صحي. لا تؤمّن المخيّمات الفلسطينية، في بنيتها التحتية وتردّي الأوضاع الإقتصادية، المحيط الصحي، ولو بأدنى مستوياته، ويشكّل هذا الإستبعاد للاجئ الفلسطيني وأسرته فعلاً عنصرياً بامتياز، وهو ما يتناقض مع مفهوم الطب كونه عِلما، والعلم يتناقض مع السلوك والتبريرات الإقصائية.
لا مال لا دواء
يُعتبر قطاع الرعاية الصحية مجالاً هاماً في تأمين فرص العمل للاجئين، وخاصة مع الأزمة المالية التي يمرّ بها لبنان والتي دفعت أعداداً كبيرة من الأطباء والممرضين للتوجه إلى الدول الخليجية، ما أحدث فراغاً داخل الجسم التمريضي في المستشفيات انعكس على جودة وحجم الخدمات الصحية المقدَّمة، بشرياً وطبيا. إنّ تسليط الضوء على زاوية معينة في سوق العمل التمريضي بعيدة عن المتعارف عليها مثل التوظيف في المستشفيات، تشكّل مساحة واسعة لتأمين فرص العمل. ومن المجالات الحيوية أيضا، تقديم الرعاية للمسنين، مع ارتفاع نسبة هجرة العائلات والشباب وبقاء الآباء والأجداد المتقدِّمين في السن، مما يتطلب جهوداً لتلبية احتياجاتهم الأساسية من الرعاية، وكثيرون لا تسمح ظروفهم المادية بالتغطية الصحية الشاملة.
لا يقتصر قطاع الإستشفاءعلى الإمكانيات الطبية فقط، بل يشمل الوظائف المرتبطة بالمؤسسات الصحية، مثل عمال الصيانة والتنظيفات وغيرها من المهن، التي تحتاج إلى تنظيم وحماية من استغلال العاملين من قِبل أصحاب المؤسسات الصحية. والإضاءة على العوامل المساعدة لا يغيّب الأدوار الأساسية كمثل الطبيب الفلسطيني، ولكن يبقى الأمر معقداً في هذا المجال، لارتباطه بقانون العمل لغير اللبناني الذي لا يسمح للاجئ الفلسطيني الذي يتخرّج من الجامعة بإختصاص طبيب أن يعمل رسمياً في المستشفيات، ونشهد على العديد منهم الذي يقعون ضحية استغلال الطبيب اللبناني الذي يوظّف طبيباً فلسطينياً كفوءاً يقوم بمهام التطبيب والرعاية للمرضى في عيادة اللبناني ويتلقّى أجراً يعادل أجر عامل نظافة.
القوانين تحرّض على العنف
لكل قانون نتائج تترتب على إمكانية اللاجئ تأمين متطلبات حياته اليومية، ومع انحسار الخيارات أمامه، ينعكس تدنّي مستوى الدخل على قدرته تلبية حاجات عائلته الأساسية. يتوازى الوضع العملي مع تدهور الوضع الإقتصادي في لبنان، فأصبحت العائلات في حالة عجز شبه تام، من مستلزمات الأطفال كالحليب والكسوة، إلى تأمين الضروري من الغذاء واللباس ناهيك عن عدم القدرة على تحمّل تكاليف المستشفيات والعلاج والدواء وخاصة للأمراض المستعصية بسبب ارتفاع سعر صرف الدولار.
وكان لقرار الأونروا في السنوات الأخيرة أثره أيضاً على القطاع الصحي خاصة مع انتشار وباء كورونا، وإلغاء العقود المُبرمة مع أطباء إختصاصيين، وعدم استقبال العديد من مرضى الجائحة وغيرها في المستشفيات المتخصصة، هذه الأحوال شكّلت عبئاً إضافياً على اللاجئين. وهذه المسألة تستتبع طرح موضوع الضمان الإجتماعي للاجئين، الذي يساهم، لو تمّ تنفيذه بطريقة قانونية وإنسانية، في حماية العائلات من خطر الموت نتيجة عدم الإستشفاء وتلقّي العلاج الصحيح، لينعكس على الحالة الصحية في المخيّمات وعلى الإستقرار النفسي قبل الإجتماعي، لأنّ إهمال الرعاية الصحية وانعكاسات الأزمة الإقتصادية على تأمين الدواء، كل ذلك يولّد العنف والتوتر بين سكان المخيّم والبيئة المحيطة. لذلك يساهم الضمان الإجتماعي بتخفيض مرضى السرطان
كلفة الإستشفاء، على مرضى السرطان وغسيل الكِلى مثلا، ومع تفاقم الأزمة اللبنانية، بدأ صندوق الضمان يفقد القدرة على توفير الدعم للمرضى اللبنانيين فكيف بالنسبة للاجئين للفلسطينيين.. آخر سلم الأولويات على أجندة الحكومة والسياسيين؟!. غسيل الكلى
العمل والصحة
خطان متعاكسان في حياة اللاجئ الفلسطيني، ينتهيان إلى احترام كرامة الإنسان وحقوقه. فالمطلوب تشريعات تمنح اللاجئ خيارات أوسع من المهن، ومتابعة لإلزامية أصحاب العمل بالمساهمة في الصندوق الوطني للضمان الإجتماعي، وهذه المتابعة والتقييم ضروريان نتيجة رصد حالات تهرّب من تسجيل العمال في الضمان هرباً من دفع مستحقاتهم. هذه المتطلبات ليست خارجة عن القانون ولا استثناءً للاجئ، إنّما هي في صلب المعاهدات الدولية التي وقّع عليها لبنان في ما يتعلق بأنظمة العمل والرعاية الصحية، ونتيجة معاملته بطريقة غير شرعية للاجئين إنّما يخالف ما ألزمه القانون به.
أما الأونروا التي تُغطي بشكل جزئي الرعاية الصحية للفلسطيني، من خلال المستشفيات المتعاقدة معها، تراجعت خدماتها الصحية بشكل كبير خلال السنتين الماضيتين بسبب الأزمة الإقتصادية. دون أن ننسى، موضوع الأرقام والبيانات، وعدد المسجلّين من العائلات، من بقي في المخيّمات ومن هاجر منها، مكتومي القيد وغير المسجلّين، فبعضهم لا تشملهم التغطية الصحية كونهم غير موجودين على جداول البيانات الرسمية.
لم يعد بالإمكان الفصل بين الأزمة المعيشية في لبنان وأوضاع اللاجئين، فحين كانت الدولة اللبنانية بحالة استقرار نسبي في عملتها النقدية لم يكن اللاجئ الفلسطيني ضمن حساباتها، فكيف في ظروف صعبة على العائلات اللبنانية، فهل يكون الإنتظار لحل الوضع الإقتصادي اللبناني ليتبعه في مرحلة لاحقة، حل موضوع تأمين النفقات الصحية للاجئين وحمايتهم إجتماعيا؟.
*كاتب لبناني
وسوم :
أزمة الدواء, الأونروا, الاستشفاء, الرعاية الصحية, الشتات الفلسطيني, العائلات اللبنانية, العدو الصهيوني, اللاجئ الفلسطيني, المعاهدات الدولية, الهجرة, جائحة كورونا, صمود, صندوق الضمان الإجتماعي, عمّال النظافة, فلسطين المحتلة, قوانين العمل لغير اللبناني, مخيّمات لبنان, وسام عبد الله