اللاجئ الفلسطيني بين إشكالية التعريف وأثر ذلك على حقوقه

التصنيفات : |
يونيو 28, 2022 6:48 ص

*وفيق هوّاري – صمود:

منذ استيلاء العصابات الصهيونية على أراض من فلسطين التاريخية، وطردها لآلاف الفلسطينيين من بيوتهم وممتلكاتهم، وهؤلاء اللاجئين الفلسطينين، الذين اضطروا للجوء إلى أراض فلسطينية أخرى أو بلدان محيطة بوطنهم، لم يحصلوا على تعريف محدد يؤمّن لهم عودة كريمة إلى الوطن، ولا على حقوق على المستويات كافة.

في مثل هذا اليوم من العام ١٩٥١، أقرّت الجمعية العامة للأمم المتحدة، إتفاقية عُرفت بـ“إتفاقية اللاجئين”، وعرّفت اللاجىء في مادتها الأولى بأنّه: “كل من وجد نفسه خارج البلد الذي يحمل جنسيته نتيجة لأحداث وقعت قبل الأول من كانون الثاني/يناير ١٩٥١، وبسبب خوف له ما يبرّره، من التعرّض للإضطهاد بسبب عرقه أو دينه أو جنسيته أو انتمائه إلى فئة إجتماعية معينة بسبب آرائه السياسية، ولا يستطيع أو لا يرغب في حماية ذلك البلد بسبب هذا الخوف، أو كل من لا جنسية له وهو خارج بلد إقامته السابق ولا يستطيع أو لا يرغب بسبب ذلك الخوف بالعودة إلى ذلك البلد”.

المُستثنى فلسطيني

وعلى الرغم من أنّ هذا التعريف ينطبق على اللاجىء الفلسطيني، إلا أنّ الأمم المتحدة استثنت الفلسطيني من خلال إضافة فقرة على المادة ١ من الإتفاقية، وتقول الفقرة: “لا تنطبق هذه الإتفاقية على الأشخاص الذين يتمتّعون حالياً بحماية أو مساعدة من هيئات أو وكالات تابعة للأمم المتحدة غير المفوضية السامية لشؤون اللاجئين”. وفي النظام الأساسي للمفوضية، تقول الفقرة ٧: “لا يمتد اختصاص المفوضية إلى شخص ما زال يتلقّى الحماية أو المساعدة من وكالات أو هيئات الأمم المتحدة الأخرى”. والمعروف أنّ الأونروا تقدّم المساعدة وليس الحماية للاجئين الفلسطينيين.

إستثنت الأونروا اللاجئين الفلسطينيين في العراق، مصر، دول الخليج، وحتى الذين نزحوا من بلداتهم الأم وانتقلوا إلى بلدات أخرى داخل الأراضي المحتلة.

وإذا كانت الأونروا تقدّم المساعدة للاجئين الفلسطينيين، فإنّ هذه المهمة هي انعكاس لتعريفها للاجىء الفلسطيني على أنّه “الشخص الذي كان يُقيم في فلسطين خلال الفترة ما بين الأول من حزيران/يونيو ١٩٤٦ وحتى ١٥ أيار/مايو ١٩٤٨، والذي فقد بيته ومورد رزقه معاً نتيجة حرب عام ١٩٤٨ ولجأ إلى إحدى الدول حيث تُقدّم الوكالة مساعداتها”.

ومن خلال هذا التعريف، استثنت الوكالة اللاجئين في العراق، مصر، دول الخليج، وحتى الذين نزحوا من بلداتهم الأم وانتقلوا إلى بلدات أخرى داخل الأراضي المحتلة.

ونذكر هنا ما حصل مع اللاجئين الفلسطينيين في العراق بعد الاحتلال الأمريكي عام ٢٠٠٣، وعدم تدخّل الأونروا لمساعدتهم، ما دفع المفوضية العامة للاجئين للتدخل ونقلهم من الحدود السورية – العراقية إلى دول أمريكا اللاتينية.

كما أنّ الأونروا وعند بداية عملها لم تُقدّم المساعدات لمن كانت أحواله ميسورة ومقيماً خارج المخيّمات تحت حجة أنّهم غير محتاجين.

آلاف اللبنانيين الذين كانوا يعملون ويُقيمون في فلسطين قبل ١٩٤٨ وعادوا إلى لبنان، جرى تسجيلهم في الأونروا واستفادوا من خدماتها إعتماداً على تعريفها

ولم تشمل خدمات الأونروا، حسب التعريف، من كان مقيماً خارج فلسطين قبل احتلالها، أو من كانت سلطات الإنتداب قد رحّلتهم خارج وطنهم بعد ثورة ١٩٣٦.

وفي لبنان، يوجد آلاف الفلسطينيين الذين لا يستفيدون من خدمات الأونروا نتيجة وضعهم المتغيّر كفاقدي الأوراق الثبوتية.

لا يعبّر تعريف الأونروا عن مفهوم شامل للاجىء الفلسطيني، لأنّها تحصر عملها بتقديم المساعدة لمن فقد منزله ورزقه معا.

وهذا التعريف لم يُشر إلى فلسطينية اللاجىء، بل أشار إلى الشخص الذي كان يسكن في مخيّمات في فلسطين، ونشير هنا إلى آلاف اللبنانيين الذين كانوا يعملون ويُقيمون في فلسطين قبل ١٩٤٨ وعادوا إلى لبنان، وجرى تسجيلهم في الأونروا واستفادوا من خدماتها إعتماداً على تعريفها، الذي اعتمد بدوره على الإقامة وليس على الجنسية.

وقد نصّ نظام الأونروا على أنّ آخر تسجيل هو عام ١٩٥٢، وبالتالي من لجأ بعد ذلك لم يخضع لنظام خدمات الوكالة.

اللاجئ في المنظمات الدولية

أما اللجنة الدولية للصليب الأحمر، فقد عرّفت اللاجىء الفلسطيني بـ”أي شخص كان مقيماً في فلسطين إقامة دائمة وكان له فيها شغل أساسي، حُرم منه نتيجة الصراع بشأن فلسطين، وليس لديه موارد كافية لضرورة الحياة الأساسية، يُعتبر لاجىء وأهلٌ لإغاثة الأمم المتحدة”.

يقتصر هذا التعريف على تقديم المساعدات لجزء ممن تضرّر بسبب نشوء الكيان الصهيوني، ولا يتحدث عن الحماية أيضا.

من جهة أخرى، كانت هناك تعريفات للاجىء الفلسطيني تقوم على أسس غير تقديم المساعدات المادية، بل لها أبعاد تتعلّق بحقوقه والحل النهائي لوضعه، ومن هذه التعريفات، تعريف دائرة شؤون اللاجئين في منظمة التحرير الفلسطينية: “اللاجىء الفلسطيني هو: أي شخص كان في التاسع والعشرين من تشرين الثاني/نوفمبر ١٩٤٧ أو بعد هذا التاريخ، مواطناً فلسطينيا، وفقاً لقانون المواطنة الفلسطينية الصادر في ٢٤ تموز/يوليو ١٩٢٥، والذي مكان إقامته الطبيعية في فلسطين، في مناطق أصبحت لاحقاً تحت سيطرة “إسرائيل” بين ١٥ أيار/مايو ١٩٤٨ و٢٠ تموز/يوليو ١٩٤٩، وأُجبر على ترك مكان إقامته بسبب الحرب ولم يستطع العودة إليه جرّاء ممارسات السلطات الإسرائيلية، والذي كان خارج مكان إقامته في ٢٩ تشرين الثاني/نوفمبر ١٩٤٧ ولم يتمكن من الرجوع إليه بسبب الحرب”.

ولاحقا، أُضيف إليه هذا التعريف: “كل من وُلد لأب عربي فلسطيني، بعد تاريخ التوقيع على إتفاقية رودس للهدنة (بين الدول العربية والكيان الصهيوني عام 1949)، داخل فلسطين أو خارجها فهو لاجىء ومن حقّه العودة ألى أرض آبائه وأجداده”.

وخلال الجلسة الأولى لمجموعة العمل الخاصة باللاجئين في أوتاوا بكندا في ١٣ أيار/مايو ١٩٩٢، المنبثقة عن مؤتمر مدريد، قدّم رئيس الجانب الفلسطيني في الوفد الفلسطيني – الأردني، تعريفاً للاجئين الفلسطينيين: “كل الفلسطينيين وذريّاتهم الذين طُردوا أو أُجبروا على ترك بيوتهم، في الفترة الممتدة من تشرين الثاني/نوفمبر ١٩٤٧ وكانون الثاني/يناير ١٩٤٩، من الأراضي التي سيطرت عليها “إسرائيل في ذلك التاريخ”.

وكل هذه التعريفات بحاجة إلى تدقيق وإعادة بحث لتشملَ كل الفلسطينيين الذين أُجبروا على ترك أرضهم في تواريخ مختلفة بسبب الإنتداب البريطاني والعصابات الصهيونية، للوصول إلى تعريف يحفظ حقوقهم على جميع المستويات.

ماذا عن الجانب الإسرائيلي؟

تُطلق “إسرائيل” تعبير “الغائبون” على اللاجئين الفلسطينيين، وذلك لأهداف سياسية وإقتصادية.

يهدف التعريف الصهيوني إلى مصادرة أملاك اللاجئين، وتقليص أعداد الفلسطينيين داخل الكيان الصهيوني

إذ تقول سلطات الاحتلال: “يُعلن كل شخص غائبا، متى كان في تاريخ ٢٩ تشرين الثاني/نوفمبر ١٩٤٧ أو بعد هذا التاريخ مواطناً في دولة عربية أو من تابعيتها، لأي فترة زمنية في أي جزء من فلسطين خارج المساحة التي تشغلها “إسرائيل”، أو في أي مكان غير سكنه الإعتيادي حتى لو كان ذلك المكان، وأيضاً مكان إقامته الإعتيادي، واقعين داخل الأراضي التي تحملها “إسرائيل””.

وفي العام ١٩٥٠، عرّف “قانون أملاك الغائبين” الصادر عن الكنيست الإسرائيلي، الغائب بأنهّ “ذلك الشخص الذي كان في الفترة الممتدة ما بين ٢٩ تشرين الثاني/نوفمبر ١٩٤٧ و١٩ أيار/مايو ١٩٤٨ مالكاً قانونياً في أرض “إسرائيل” وكان خلال هذه الفترة مواطناً أو أحد رعايا لبنان، مصر، سوريا، السعودية، الأردن، العراق واليمن. وتواجد في أحد الدول المذكورة أو قسم آخر من “أرض إسرائيل” خارج حدود دولة “إسرائيل””.

يهدف هذا التعريف إلى مصادرة أملاك اللاجئين، وتقليص أعداد الفلسطينيين داخل الكيان الصهيوني، كما أنّه نزع صفة المواطَنة عن الغائب لوجوده خارج الأرض التي أُقيمت عليها “إسرائيل”.

كما أنّ إطلاق صفة الغائب تعني من كان غيابه عن أرضه فعلاً إرادياً وليس بسبب الاحتلال الإسرائيلي. وقد حوّل هذا التعريف الشعب الفلسطيني إلى افراد لكل واحد منهم مشكلة يمكن حلها إفراديا، وهنا يُشطب الحقّ السياسي والمواطنة ويصبح الأمر مجرد تعويض مادي عن ممتلكات غاب عنها.

إن تباين التعريفات للاجىء الفلسطيني ما بين الموقع الفلسطيني نفسه، والموقع الإسرائيلي، والموقع الدولي يفرض إعادة فتح النقاش حول حقوق اللاجىء على مختلف المستويات وفي مقدمتها حقّه بالعودة إلى وطنه.


وسوم :
, , , , , , , , , , , , ,