في متاهة العيش، اللاجئ الفلسطيني خارج الزمن!
يوليو 4, 2022 6:49 ص*وسام عبد الله
منذ بداية القرن العشرين، تأسّست دول بعد إتفاقيات التقسيم، سايكس بيكو ولوزان، فكانت دول لبنان وسوريا والمملكة الأردنية وفلسطين، وترافق معها وعد بلفور وإنشاء الكيان الإسرائيلي، فكان زمن تهجير شعب من أرضه وتوجّهه نحو الدول المولودة حديثا، ليكون جزءاً من قيامها، فهل كان اللاجئ الفلسطيني داخل سيرورة هذه الكيانات أم خارجها؟.
الزمن والقوانين
لو وضعنا خطاً بيانياً لحياة اللاجئ في كل مرحلة عمرية، نجد أنفسنا أمام أجزاء متباعدة ومتفاوتة، فالمرحلة الدراسية ليس لها إستمرارية في مرحلة العمل، لأنّ الوقت الذي يستهلكه في التعليم لن يتمكن من استثمار نتائجه في سوق العمل، بحكم القوانين التي تمنعه من ممارسة العديد من المهن. فالإنسان في بلد ما، ينضج في المهنة من خلال تراكم التجربة، ليصبحَ الخط البياني تصاعدياً نحو الإحتراف، لكنّ اللاجئ الفلسطيني -نتيجة قانون العمل اللبناني المجحِف- تمّت محاصرته ضمن زمن معين من التطور والتدريب، لا يمكن التوسّع من خلاله لأنّ المهنة بحد ذاتها محدودة.
لا يملك اللاجئ الفلسطيني القدرة على إدارة الوقت، فالوقت ملك الحكومة والمنظمات، وحين يدور في دوامة من القرارات الخاصة بحياته المهنية والتعليمية والسياسية، يضع وقته في مواجهتها ومحاولة التأقلم معها، وحتى التأقلم هو “حرق” للوقت، فبدل أن يكون التكيّف مع المتغيرات هو نتيجة طبيعية لمرور الزمن، يستحيل همّ الفلسطيني بالبقاء على قيد الأنفاس، بيوميات الخبز والكهرباء والنقل، فيضيع وقته خلال اليوم على حاجاته اليومية الأساسية، والتي من حقّه كإنسان أن تتوفّر له بشكل طبيعي.
داخل الزمن وخارجه
يدخل اللاجئ الفلسطيني التاريخ بحسب الحاجة إليه، فهو حاضر في زمن الحرب، وفي زمن السلم يتمّ استبعاده والتغاضي عن الإشارة إليه وكأنّه غير موجود. وهذا التحكم ليس صدفة، فأن تعترفَ باللاجئ على أنّه جزء أساسي من تكوين بلدك، فهو اعتراف ضمني بحقّه في الحياة، لتصبحَ كل النظريات الحزبية والطائفية العنصرية عن اللاجئين بلا قيمة، أما حين تضعه في زمن محدد فأنت تسبغ عليه صفات يتمّ التعامل معه على أساسها، كأن تقول “إنّ دور اللاجئ الفلسطيني انحصر في الحرب الأهلية فقط، وكل ما تلاها من زمنٍ حاضر يكون التعامل معه على أساس تلك المرحلة من التاريخ اللبناني”.
إنّ نمط الحياة داخل المخيّمات، والتي تُفرض من قِبل الدولة والمنظمات الدولية، تشكّل بحد ذاتها إطاراً من العيش “خارج الزمن”، فالكهرباء والماء والتقنيات والخدمات غير متوفرة، والوقت الذي تمضيه في المخيّم يختلف تماماً عن ما يحدث في محيطك الذي قد يبعد عنك مسافة قصيرة. نمط قائم على فلسفة الإنتظار، إنتظار المساعدات والمعونات، يمر الزمن من خلاله دون فائدة، ولا خيارات تُذكر أمام اللاجئ الفلسطيني بل حياوات فُرضت عليه وكلنا يعرف أصل الحكاية.
يمنح اندماج اللاجئ مع محيطه فوائد إقتصادية وإجتماعية، له وللآخر، ومع بناء جدران وهمية وقانونية لمنع التواصل البشري والعملي، يتحوّل هذا الإندماج إلى عائق مع مرور الوقت، فأنت الذي لم تتعرّف على الإنسان الذي يعيش في المخيّم، بهمومه ومشاكله وأحلامه، هذا الإنسان “المعزول” لا يستطيع التواصل بشكل طبيعي مع المحيط، يكون زمن الفلسطيني عبارة عن تراكم من الأحكام المسبقة والصورة غير الحقيقية، فالتعارف والتآلف بين البشر يُبنى مع الوقت وليس نتيجة لقاءات وندوات لأيام محدودة، هذا التشابك الإنساني قبل الإجتماعي، يحتاج إلى تواصل مستمر لزمن طويل ولأجيال متعددة، حتى تزداد الثقة نتيجة التجارب المتتالية، وليس وفقاً لشعارات، حتى لو كانت هذه الشعارات إيجابية فهي تنهار إن لم تستند على واقع ملموس.
عن زمن اللاجئ الفلسطيني
يرغب اللاجئ الفلسطيني باستثمار وقته بالعمل، فتتحكم القوانين بوقته، هو يطمح ليكون جزءاً من بناء مجتمعه الفلسطيني في النسيج اللبناني، لكن الواقع أنّه يتمّ تصنيفه في أزمنة الحروب وليس السِّلم، ليدفعَ به إلى سلوكيات لا تنسجم مع أخلاقه وأدبياته وتاريخه النضالي. نحن أمام إدارة للوقت والحياة لجماعة بشرية، لأجيال من الفئات العمرية المختلفة، إدارة لها القدرة على التحكّم بتحديد زمنك كيف سوف يمضي، تعيش وتموت بهذه الطريقة. فاللاجئ الفلسطيني عدوه ليس الاحتلال فقط، وإنّما الوقت، فكل مبادرة ومشروع يُنتجهما اللاجئ يكون يتحدّى الزمن ليؤمّن استمراره وصموده وتطوّره، أما محاصرته بالوقت، فهو يشبه ما أراد الاحتلال فعله، ومع الزمن سوف ينسى الفلسيطينيون أرضهم، لكن الحقيقة أنّ الفلسطيني يقاوم الزمن بالتمسّك بأرضه أكثر.
*كاتب لبناني
وسوم :
الخط البياني, الطائفية السياسية, العدو الصهيوني, العنصرية, اللاجئ الفلسطيني, المخيّمات الفلسطينية, زمن الحروب, صمود, فلسطين المحتلة, قانون العمل اللبناني, وسام عبد الله