بين انحياز الغرب وانقسام العرب.. تتأرجح صورة “إسرائيل” في الإعلام المحلي والعالمي
يوليو 11, 2022 7:07 ص*منى العمري – صمود:
تتعمّد وسائل الإعلام العالمية التهوين من المأساة الفلسطينية في الداخل المحتل، وحجب صورة “إسرائيل”، “الوحش”، الذي يفترس ويقتل وينتهك دون رادع أو قيد. فتلجأ وسائل الإعلام الغربية، على وجه الخصوص، إلى استخدام عدد من الإستراتيجيات التي يتّبعها الاحتلال لتصدير الدعاية الصهيونية المتمثّلة في تصوير صورة “إسرائيل” بأبهى حُلّتها، بينما تُطمس الحقائق الموثوقة التي تجسّد معاناة الفلسطينيين، وكان ذلك واضحاً من خلال التمويه اللغوي والتهوين في السياق، وبالتالي فإنّ الرواية الفلسطينية لم تحظَ بنفس القيمة التي تستحقّها في الإعلام.
ولكن مؤخرا، بعد فضح إنتهاكات الاحتلال المتجسّدة في أعمال الهدم والقتل والتشريد والاعتقال الإداري وتعذيب الأسرى واضطهاد الفلسطينيين والإعتداء على المسنّين والأطفال وذوي الإعاقة، وغيرها من الأفعال الفاحشة بحقّ الشعب الفلسطيني، ظهرت تقارير حقوقية دولية وصفت هذا الكيان بأنّه نظام فصل عنصري يطبّق الأبارتهايد ضد الفلسطينيين الواقعين تحت الاحتلال.
رعب وإرباك يحاوط الكيان
في الآونة الأخيرة، إزدادت مخاوف الاحتلال من تطوّر الصورة السلبية المأخوذة عنها وامتدادها للرأي العام العالمي، فبين حينٍ وآخر يستدعي الاحتلال ماكنته الدبلوماسية والدعائية لمحاولة ترميم هذه الصورة، من خلال بعض الإعلانات والمقابلات والجهود، لكنّ المسار السائد أنّها “في تراجع حقيقي”، لا سيّما في ضوء إستطلاعات الرأي الأخيرة في المجتمعات الغربية، التي إتّهمت “إسرائيل” بأنّها سبب الإرهاب في العالم.
وفي هذا السياق، يقول الكاتب اليهودي والمحلل السياسي المُقيم في الولايات المتحدة، بين شابير: “إنّ “إسرائيل” حين تُنفق عشرات الملايين على صفحات “نيويورك تايمز” لمحاربة تقرير منظمة العفو الدولية الذي يصفها بدولة فصل عنصري، فإنّها تذهب نحو إستراتيجية خاطئة، لأنّها لم تختر الجمهور المستهدف المطلوب؛ لأنّ الجمهور الأمريكي بالعادة يؤيّدها، وليس لديه أي مصلحة بمعاداتها، الأمر الذي يتطلّب من “إسرائيل” أن يكون خطها الدعائي أكثر وضوحا؛ لأنّ كل نهجها الحالي في الدعاية خاطئ بشكلٍ أساسي، كونها تواجه تشكيكاً جدّياً بشرعية وجودها، ورغبة جليّة بتدميرها”.(١)
إزدواجية المعايير الفاضحة.. نماذج حيّة
يقول الفيلسوف الأمريكي كورنيل ويست: “على وسائل الإعلام الأمريكية أن تعتبر نفسها متواطئة في مقتل الصحافية الفلسطينية شيرين أبو عاقلة”.
ولفت ويست الإنتباه إلى أنّه “في حين قال العديد من الصحافيين الفلسطينيين وقت إطلاق النار إنّ شيرين قد أُطلقت النار عليها من قِبل قوات الاحتلال، فإنّ وسائل الإعلام الغربية مثل “نيويورك تايمز”، وكالة “أسوشيتد برس”، “غارديان” و”بي بي سي”، رددت المعلومات المضلّلة التي نشرتها حكومة الكيان”.
وأضاف: “عندما يتعلّق الأمر بقضايا الكرامة والحقوق الفلسطينية فإنّنا نحصل على أكاذيب تُخفي الجرائم”.(٢)
ومع كل تصعيد وانتهاك من جانب الاحتلال تجاه الفلسطينيين إما في القدس أو في قطاع غزة، يختار الإعلام الغربي الإنحياز دائماً إلى الرواية الصهيونية من دون النظر بعينٍ أخرى إلى الأحداث.
ففي الوقت الذي كانت فيه الخيّالة “الإسرائيلية” تدهس المصلّين في المسجد الأقصى، غابت المشاهد عن وكالة “رويترز” البريطانية التي سلّطت الضوء على ما يتعرّض له المستوطنون الصهاينة في القدس المحتلّة خلال مناوشاتهم مع الفلسطينيين الغاضبين.
في حين، وصّفت قناة “DW” الألمانية القصف الصهيوني الأخير على قطاع غزة بمصطلح “معارك” وهي تشير إلى مقتل 20 شخصاً في القطاع على الرغم من إشارتها إلى أنّ ضمن الضحايا 9 أطفال.
بدورها، اعتبرت “نيويورك تايمز” أنّ التصعيد في قطاع غزة والقدس جاء نتيحة للصواريخ التي أطلقتها المقاومة الفلسطينية، وليس بسبب الإنتهاكات الصهيونية المستمرة والتي خرقت “إسرائيل” خلالها كل المواثيق الدولية.(٣)
أما في قضية حيّ الشيخ جرّاح، كثير من وسائل الإعلام الغربية الكبرى لم تتناولها إلا قبل يوم أو يومين، وبصياغة مضلّلة واضحة؛ فصحيفة “نيويورك تايمز” نشرت تقريراً صحفياً تُصوّر فيه قرار سلطات الاحتلال الإسرائيلي بطرد الفلسطينيين من بيوتهم باعتباره قرار “إخلاء قضائي”، وكأنّ الأزمة هي صراع بين “مُلّاك” و”مستأجرين” وليست عملية تطهير عرقي مُمنهج للأحياء الفلسطينية في القدس المحتلّة.
وفي سياقٍ آخر، إنّ استخدام عدة مصطلحات غير موضوعية في التقرير من قبيل مصطلح “Captured” بمعنى إستحواذ، بدلاً من مصطلح احتلال “Occupied” في وصف الاحتلال الإسرائيلي لشرق القدس عام 1967، على الرغم من أنّ كافة القوانين الدولية تُصنّف ما حدث بأنّه “احتلال”، إلا أنّ “نيويورك تايمز” قررت عدم إستخدام هذا المصطلح وأطّرت ما حدث بمصطلح فضفاض.
لذا، فإنّ هذه المصطلحات تؤطّر الأحداث بشكلٍ غير موضوعي، وتزيّف حقيقة ما يحدث على الأرض بشكلٍ يخدم فقط الرواية الصهيونية، كما أنّ استخدام هذه المصطلحات يؤدّي إلى المساواة بين الضحية والجلاد وتضعهم في كفّتين متوازيتين من القوة العسكرية.(٤)
وعند النظر إلى كيفية التعامل مع المصادر الفلسطينية، سنرى أنّهم عادةً ما تؤجّل إفاداتهم إلى حين الإنتهاء من تقديم الرواية الصهيونية على لسان المتحدثين بها.
أما في المقابلات التلفزيونية المباشرة، فكان يُطلب من المصادر الفلسطينية باستمرار، تقديم إدانة مطلقة لحركة “حماس” أو ضد “عنف المتظاهرين”، قبل أن يشرعوا بالحديث عن الأحداث وسياقها، أو حتى التعبير عن ذلك من منظورهم الشخصي.(٥)
الإعلام العربي على موجة أخرى: فتورٌ وانقسام
ينقسم الإعلام العربي في تعاطيه مع القضية الفلسطينية، بين إعلام متفاعل من منطلقات وطنية أو قومية أو إسلامية، وإعلام فاتر لا تتمايز تغطيته عن أي إعلام في دولة خارج السياق العربي أو الإسلامي.
وعليه، إختلفت التغطية كمّاً ونوعاً وفقاً لهذا التقسيم، وقد مثّل وسائل الإعلام المتفاعل بعض وسائل الإعلام الرسمية القليلة، ووسائل الإعلام المعارضة سواء في المنافي أو في بعض الدول العربية التي تعطي هامشاً من الحرية في وسائل الإعلام، وهي بذلك تقاطعت مع وسائل إعلام فلسطينية محلّية في حماستها للتعاطي بإيجابية مع القضية الفلسطينية.
أما الإعلام الرسمي العربي وغير الرسمي المموَّل والذي يمثّل أنظمة تقليدية محافظة، أو إعلام الثورات المضادة والإنقلابات، فكانت تغطيته خاضعة لضوابط صارمة محكومة باعتبارات ذات أبعاد أمنية وسياسية، فهذه الأنظمة ترى في حركة “حماس” وقطاع غزة خصماً أو حتى عدوا، باعتبار الحركة إمتداداً لحركات الإسلام السياسي، وأيّ إنجاز لقطاع غزة حتى ولو في سياقه الوطني يبعث برسالة تشجيع وبارقة أمل للإسلام السياسي.(٦)
إرهاب وترهيب وردع!
يُشير سجلّ الخروقات وانتهاكات الاحتلال، الذي استهدف الصحافيين العاملين في الأراضي الفلسطينية المحتلّة خلال العقدين الماضيين، إلى الجمع بين أشكال مختلفة من الإعتداءات.
وعلى الرغم من التنافر الظاهر بين هذه الإنتهاكات، فإنّها تكشف خصوصية سياسة الاحتلال ومنظوراً ناظماً للتعامل مع وسائل الإعلام؛ حيث تُشير الشواهد والحالات التي توثّقها تقارير المراكز الفلسطينية والمنظمات الدولية، وكذلك الوقائع التي جرت في الحروب المتتالية على قطاع غزة بما في ذلك الحرب الأخيرة التي شنَّها الاحتلال على القطاع في أيار/مايو 2021، إلى ثلاثية المنظور الذي تنبني عليه هذه السياسة، وهو يشمل: الإرهاب، الترهيب والردع.
فهذه السياسات التي تستهدف التصفية الجسدية والإعدام المادي للآخرين ليست منهجاً مخصوصاً في التعامل مع وسائل الإعلام والمجتمع الصحافي، ولا هي نزعة شاذة في التعامل مع هذا القطاع المجتمعي، بل تُعدّ ركيزة أساسية وعنصر مكوِّن لجوهر سياسة الاحتلال الإسرائيلية في دعم ركائز الاحتلال وتوطين أساساته وأركانه.(٧)
المصادر المتعلّقة:
- https://arabi21.com/story/1418658/%D9%83%D8%A7
- https://www.aljazeera.net/news/politics/2022/5/29/%D9%81%D9%8
- https://www.trtarabi.com/now/%D8%A7%D9%86%D8%AD
- http://institute.aljazeera.net/en/node/1478
- http://institute.aljazeera.net/ar/ajr/article/1558
- https://www.alaraby.co.uk/specialpages/2019/3/23/%D8%
- http://studies.aljazeera.net/ar/article/5369
وسوم :
الأبارتهايد, الإرهاب, الإعلام الغربي, الاحتلال الصهيوني, الخيّالة الإسرائيلية, الدعاية الصهيونية, المأساة الفلسطينية, المقاومة الفلسطينية, بين شابير, حركة حماس, حيّ الشيخ جرّاح, شيرين أبو عاقلة, صمود, فلسطين المحتلة, قطاع غزة, كورنيل ويست, منى العمري, وسائل الإعلام المحلية