اللبناني وعنصريته المقيتة تجاه الفلسطيني!
أغسطس 22, 2022 8:04 ص*وسام عبد الله
ينعكس السلوك العنصري بشكل مباشر على الإنسان الذي يتلقّى التمييز والتعسّف عبر القوانين، كونها تمنع عنه حقوقه الإنسانية، فتكون النتائج واضحة وظاهرة بشكل يمكن تحديده. ولكن للعنصرية وجه آخر، ينعكس على صاحبها، فتكون الآثار السلبية تنمو داخله رويداً رويداً حتى يتملّكه الحقد وتتآكله الكراهية، ولهذا آثار بعيدة المدى ومتجذّرة في التكوين السيكولوجي للمجتمعات العنصرية.
في البعدين العلمي والسياسي
تَعتبر بعض النظريات العلمية، وخاصة علم النفس التطوري، أنّ من أسباب ظهور العنصرية لدى البشر، غريزة البقاء والدفاع عن الوجود، فهي تشكّل إطاراً لمنع مجموعة ثانية من مشاركتها الموارد، مما يستدعي سلوكاً عدائياً تجاه الإنسان الآخر. وهذا الإنحياز لمجموعة ورفض أخرى، ليس مرتبطاً فقط بعوامل نفسية داخلية تتعلق بالإنسان كفرد، بل إنّ لـ”الثقافة المجتمعية” دوراً وتأثيراً كبيرين في توجيه السلوك وتنميطه.
لو حاولنا إسقاط النظرية على الواقع اللبناني، نجد أنّ العنصرية قد تطورت نتيجة تراكمات تاريخية، البعض يُرجعها إلى ما قبل تأسيس دولة لبنان الكبير، بسبب الحروب الداخلية في منطقة جبل لبنان، وخوف الأقليات نتيجة الصراعات الدائرة في محيطها. وتمّ استغلال هذا الخوف، لبناء هرم ثقافي مجتمعي، يعتمد على فئة متعلمة وتملك المال والأرض، وللحفاظ على هذه المكتسبات تمّ صوغ النظريات، مثل النظرية “الفينيقية”، البعيدة عن أي أساس علمي، بهدف الإنفصال عن كامل المحيط العربي، منطلقين من فكرة أنّ سكان هذه المنطقة جذورهم فينيقية وليس لهم علاقة بمحيطهم. ومع الوقت كان يحصل تعديل على النظرية بما يتناسب مع المصالح السياسية، كالتحدّث باللغة الفرنسية واعتمادها وسيلة للتواصل بين أفراد العائلات المسيحية، لا بهدف الغنى الثقافي، إنّما لخلق حيّز لغوي بعيد عن اللغة العربية. وكان للطائفة دورها، بتشكيل هوية دينية ضيقة، تنفصل حتى عن جذورها الأساسية، مثل الطائفة المارونية التي ابتعدت عن المنشأ الأساسي للرهبنة في حلب، شمال سوريا، وحصرت وجودها في قسم من جبل لبنان. واستطاعت الأحزاب السياسية استغلال وتبرير عنصريتها عبر استخدام الأحداث التاريخية بين الرهبان الموارنة والمماليك والعثمانيين، لتبرير الخوف من الآخر. فبدل البناء على نظرية أنّ الحقبة العثمانية أسقطت سلبياتها على معظم المجتمعات العربية وليس فقط على الأقليات، وأنّ ما حدث في تلك المرحلة مرتبط بذاك الزمن وليس له امتداد إلى يومنا هذا.. جرى العكس، دون أن ننسى الأخطاء العديدة التي ارتُكبت في مختلف المراحل وأعطت مبرراً لهذه الجهات لتثبتَ عنصريتها بشكل أعمق.
العنصرية “تقتل” صاحبها
أن تحيا متلازماً مع الخوف، سيمنع عنك التقدم والتطور، فكيف إذا كان هذا الرُّهاب مبني على رفض البيئة المحيطة بشكل مستمر، وتقديم سرديات طائفية وسياسية تقول: “بين لحظة وأخرى سوف ينتهي وجودك”. وفي لمحة تاريخية سريعة على مرحلة الحرب الأهلية اللبنانية، وعلى الخطاب العنصري لليمين اللبناني، الذي استخدمه تجاه الفلسطيني، نجد أنّ البيئة المجتمعية التي سيطرت عليها هذه الأحزاب هي الأكثر تعرّضاً للهجرة نتيجة الشحن الطائفي المستمر، الذي وصل إلى مرحلة ضمن البيئة الطائفية نفسها، مثال التمييز الجغرافي بين الجبل وبيروت، بين العائلات والإقطاع السياسي والطامعين بإلغاء الآخرين للسيطرة على المكاسب، فهذه العنصرية، التي تمثّلت إنشاء حيّز مكاني، كما فعلت القوات اللبنانية خلال الحرب الأهلية، بخلق “تخيّل” جغرافي لحدود المناطق المسيحية، جعلها في ما بعد تقتل نفسها لمنع أي اختلاف بالرأي ضمن هذا الفضاء المتطرّف.
التربية المستدامة
أجرى عالم النفس الأمريكي كينيث كلارك تجربة على مجموعة من الأطفال من البشرة السمراء، عرض عليهم دميتين، واحدة بيضاء والأخرى سوداء، وطلب منهما تحديد من برأيهم الأكثر لطفاً من الثانية، فكانت النتيجة أنّ 63% اختاروا الدمية البيضاء على الرغم من أنّها عكس لون بشرتهم، فتوصّل العالِم إلى نتيجة تشير أنّ الأطفال لا يولودن عنصريين، وإنّما يكتسبونها من البيئة المحيطة بهم.
لو أخذنا مقومات التجربة، ووضعنا طفلاً لبنانياً أمام ذات الإختيار ولكن بين دميتين، إحداها ترتدي كوفية فلسطينية، فكيف تكون النتيجة؟، الفرضية يمكن وضعها بناءً على ما سبق ذكره عن تأثير البيئة، فالطفل الذي عاش في مجتمع ينظر بسلبية تجاه اللاجئ الفلسطيني، فسيختار دمية الكوفية كونها الأكثر “شرا” بالنسبة له، بخلاف الطفل المولود في عائلة متضامنة مع القضية.
تقول عالمة النفس الإجتماعي جينيفر ريتشون: “يتعلّم الناس أن يكونوا مثلما تُملي عليهم ثقافتهم ومجتمعهم، فالأطفال سيصبحون عنصريين طالما آباءهم لم يبذلوا جهداً فعالاً للنأي بأبنائهم عن العنصرية”.
التطبيع والعنصرية
تُعالَج إتفاقيات التطبيع من الناحية الإقتصادية بالدرجة الأولى، لكن ماذا عن تأثيرها على العنصرية من خلال التربية؟، فما عجز عنه الاحتلال هو تطويع المجتمع الفلسطيني بحسب رغبات الكيان، ويظن أنّه عبر التطبيع يمكن السيطرة على المجتمعات العربية التي طبّعت حكوماتها مع العدو الصهيوني، كما يعتقد المدافعون عن هذه الإتفاقيات بأنّها تساهم في ترسيخ “السلام” في المنطقة من بوابة الإقتصاد، لكنّ المناهج التربوية الإسرائيلية لا تسير كما تشتهي رياح بعض الحكام العرب. فهي تواظب على “تحقير” الإنسان العربي ووصفه بأبشع الصفات، والدعوة بشكل مستمر إلى تفوّق العنصر “اليهودي” على باقي المجتمعات المحيطة، أي أنّ الطفل الذي يتعلّم في مؤسسات الاحتلال على القيم الرافضة للآخر، والرفض إلى حد تبرير القتل، لن تكون على سلام ومودة مع الدول المطبّعة وشعوبها المقاومة.
*كاتب لبناني
وسوم :
إتفاقيات التطبيع, الإقطاع السياسي, التربية المستدامة, الثقافة المجتمعية, الحرب الأهلية, الطوائف الدينية, العنصرية, القضية الفلسطينية, القوات اللبنانية, الكوفية الفلسطينية, اللاجئ الفلسطيني, اليمين اللبناني, جبل لبنان, دولة لبنان الكبير, صمود, علم النفس التطوري, وسام عبد الله