عن العابرين من مستنقع الشرق إلى الضفة الأوروبية.. ما مصير الناجين من رحلة الموت؟

التصنيفات : |
سبتمبر 28, 2022 7:33 ص

*وسام عبد الله

ما بين الهروب من الواقع والتهريب إلى المجهول، حالة عبور بين ضفتي البحر المتوسط، الأولى واضحة بأسبابها الإقتصادية والإجتماعية، أما الثانية فهي ضبابية إن كان من جهة المهرِّبين والداعمين لهم، أو لجهة بلدان اللجوء التي قد تشكّل لدى البعض خطوة نحو تحقيق أحلامهم بعيش أقل بؤسا، ولدى آخرين وهماً قد ينتهي بمأساة.

دول الوصول.. والإستقرار

يشير الصحافي نعمان طرشة من إيطاليا، المتخصص في شؤون الهجرة واللاجئين، بأنّ عقدة الهجرة والمهاجرين إلى أوروبا صعبة الحل، والسبب برأيه أنّ “المصالح المتناقضة للدول الأوروبية ومحاولة البعض التنصّل من  مسؤولياتهم وذلك لأسباب عدة، أبرزها البعد الجغرافي، فدول أوروبا الجنوبية المطلة على المتوسط (اليونان، إيطاليا وإسبانيا) والتي تُسمّى (دول الوصول) تتحمل أعباء كبيرة باضطرارها لاستقبال الواصلين بحسب إتفاقية دبلن التي تجبر الدول على استضافة المهاجرين وذلك كونها وجهة المهاجرين غير الشرعيين عبر البحر”.

ويوضح طرشة بأنّ “الدولة المطلة على البحر تتفرّد بحماية حدودها الخارجية بحسب قدراتها بواسطة حرس الحدود رغم الإنتقادات المستمرة والصدامات مع المنظمات الإنسانية التي غالباً ما تتدخل لإنقاذ العالقين في البحر وإيصال اللاجئين عملياً إلى البر، ووسط انتقاد الإتحاد الأوروبي لهذه الإجراءات الفردية”، ويضيف: “وفي نفس الوقت تقوم القوة البحرية الأوروبية بنفس المهمة بإيقاف تدفق اللاجئين ومكافحة تهريب البشر وتمّ رفع مخصصاتها مؤخراً إلى الضعف وتعزيز عملياتها في تناقض كبير بين المبادئ والتصرفات “.

وبحسب الإحصائيات الصادرة عن مفوضية الأمم المتحدة لشؤون اللاجئين، سُجّل وصول أكثر من 94 ألف مهاجر إلى السواحل الأوروبية الجنوبية، منذ بداية العام الجاري 2022 حتى 18 من أيلول/ سبتمبر الجاري. ويعتبر طرشة أنّ نسبة المهاجرين ارتفعت بوتيرة متصاعدة خلال السنوات الثلاث الماضية، للواصلين عبر البحر بحسب مصادر وزارة الداخلية الإيطالية، ففي شهر آب/ أغسطس سنة 2020 سُجّل وصول حوالي 5 آلاف مهاجر، بينما سَجّل الشهر ذاته للسنة الحالية قرابة 16 ألف مهاجر.

الصدام الأول مع المجتمع الأوروبي

يقول الصحافي نعمان طرشة: “نتيجة اختلاف الهوية والقيم التي ترسم طبيعة المجتمعات المستقبلة للمهاجرين، يجعل تأقلمهم مرتبطاً بقدرتهم على التخلي عن موروثهم الثقافي وتقبّل الآخر والذي غالباً ما يشكّل صدمة عند البعض وخاصة من ليس لديهم اطلاع مسبق على هذه الاختلافات مما يدفعهم ليعيشوا حالة من الصراع”، ويوضح بأنّ الأمر “يتفاقم مع اندماج أبنائهم في المدارس والمجتمعات واضطرارهم للخروج من البيئة المنزلية والتي غالباً ما تكون صورة مصغرة عن البلد الأصلي والاحتكاك بالآخر المختلف في ديانته وعاداته وتقاليده، الجيل الثاني والثالث يملك الأدوات للتأثر والتأثير بسبب تمكنهم من اللغة وقدرتهم على الاستيعاب والتأقلم وهذه المرحلة تضع الإندماج على المحك، فإما البقاء في قوقعة الماضي وإما فتح قنوات تواصل بين المجتمع الجديد”.    

يعتبر طرشة أنّه ما دام وجود المهاجر لا يؤثر مباشرة على الأوروبي فهو مقبول ولا يسبب مشكلة، لكن حالياً وفي ظل الركود والأزمات الإقتصادية فتتحول القضية لحرب بين الفقراء، وهناك دعوات للتركيز على المواطنين الأصليين، فالإيطالي المحتاج أهم من المهاجر المحتاج، وليس غريباً صعود اليمين المتطرف في العديد من الدول الأوروبية آخرها فوز ائتلاف اليمين الإيطالي بقيادة حزب “أخوة إيطاليا” اليميني المعروف بأصوله الفاشية.

“مهما حدث معنا لن يكون أسوء من حالنا في بلادنا”

تحاول بعض الدول الأوروبية، إنطلاقاً من مبادرات فردية توقيع إتفاقيات مع دول حوض المتوسط وشمال إفريقيا، والهدف، بحسب طرشة، تنسيق ضبط الحدود ومكافحة شبكات التهريب والتنسيق الأمني والقضائي لإعادة وترحيل ممن لا يحقّ له اللجوء، ويرتبط هذا الأمر بالعلاقات الدبلوماسية الثنائية، ويضيف طرشة: “إنّ المفاوضات تواجه ضغوطاً وصعوبات كثيرة تتعلق بتثبيت مبدأ أنّ الحدود الخارجية هي حدود الإتحاد الأوروبي ومهمة حمايتها يجب أن توكل إلى الجميع وتكاليف هذه الحماية يجب أن تقع على عاتق الجميع، والمبدأ الثاني هو أنّ طالبي اللجوء بغض النظر عن مكان وصولهم، هم لاجئون أوروبيون ويتوجب إعادة توزيع اللاجئين على الدول بشكل متوازن، وتوحيد شكل وقواعد الوصول والإستقبال قد يُسهّل الأمر إضافة إلى تعزيز موضوع ضبط تمشيط الحدود البرية والبحرية الأوروبية “.

أحلام الفقراء

يصف نعمان طرشة أوروبا والغرب باليد التي تتسبب بالصراعات أو تؤثّر فيها، والعقوبات والحظر تقع ضمن المسببات، ويتابع: “لا أحد يمكنه إيقاف الهجرة فهي من طبيعة البشر، أما النزاعات والحروب فهي الأمور التي يمكن حلّها أو محاولة التقليل من نتائجها لذلك فالهجرة مرتبطة بهذين الأمرين، فالإستقرار والأمن الغذائي والإقتصادي يمكنهما الحدّ من الهجرة لكن للأسف لا أفق حالياً لأن تتحسن الأوضاع خصوصاً وسط استمرار هيمنة الغرب”.

معظم الفئات المهاجرة تلتقي عند هذه العبارة “مهما حدث معنا لن يكون أسوء من حالنا في بلادنا”، فالمهاجرون قد يشكّلون إضافات مضيئة في الدول الغربية، ونتيجة الأوضاع السيئة يطمحون للوصول إلى دولة يعيشون فيها بأمان واستقرار نفسي ومادي. لكنّ الأمر لا يحصل بالهجرة عن طريق البر والبحر خاصة مع مخاطر الموت غرقاً في المياه أو تجمداً في الغابات، والملاحقات من حرّاس الحدود.    

لو أخذنا اللاجئ الفلسطيني كمثال عن شعب في حالة نزوح مستمر، تتوزّع المسؤوليات، بين الحكومات العربية التي تتهرّب من التزاماتها والدول الغربية التي تخفّض دعمها المالي لوكالة “الأونروا”، يصبح، والحال هكذا تثبيت المهاجر في مكانه (التوطين) له فائدة سياسية بأبعاد كثيرة تُرجى، وهو الحل المطروح علناً ولكن في الحالة الفلسطينية، يصطدم هذا الحل بحقّ العودة، وهو الحقّ البديهي لشعب يعاني الاحتلال والتهجير على امتداد أجيال ولا حلّ إلا بعودته إلى بلده وليس بالعبور من لجوء إلى لجوء، موتا.. سعياً إلى حياة أفضل.

*كاتب لبناني


وسوم :
, , , , , , , , , , , ,