البيانات الفلسطينية على المنصّات الرقمية.. كيف نحوّل المعلومة إلى قضية!
أكتوبر 27, 2022 5:18 ص*وسام عبد الله
نمتلك معلومات وبيانات عن فلسطين، على المنصات الرقمية وداخل بيوتنا، بعضها محفوظ على الورق وبعضها في الذاكرة الشفهية، ومجموعات كبيرة مخزّنة على الإنترنت، ويساعد امتلاك المعلومات في تحديد الطريقة التي نصل بها إلى هدفنا، ولكن هل نتمكن من استخدامها فعلا؟، وما مدى خطورتها؟، وهل هي مجرد أرقام أو مشاعر إنسانية؟.
فلسطين على المنصات.. ما هي الخوارزميات؟
حين نسأل عن سبب ظهور منشورات دعائية محددة لنا دون غيرها على مواقع التواصل الإجتماعي، يكون التبرير أنّها الخوارزميات، التي تعمل على تدوين اهتماماتنا لتشكّل بالنسبة لها ما نرغب برؤيته أكثر، فمثلاً مشاهدة مقطع موسيقى كلاسيكية سيبدأ يوتيوب فوراً باقتراح مقاطع فيديو لنفس النوع من الموسيقى. هل ما سبق هو عملية رياضيات؟.
وجهتا نظر حول الموضوع، الأولى تقول إنّ الحسابات الدقيقة هي من يتحكم بالمنصات وهامش الخطأ فيها منخفض، في ما تجد الثانية أنّ الأمر عشوائي والدليل أنّنا لا نملك تعريفاً واضحاً لآلية ظهور منشور ما وبشكل مستمر على الرغم من تنفيذ نفس التعليمات لمنشور سابق.
عامل آخر يتدخل في تحديد نوعية المنشورات هو سياسة المنصة، والأمر واضح بالنسبة لكلمات معينة مثل “مقاومة” أو “حركة حماس” وغيرهما من الكلمات التي يصنفّها “فيسبوك” بالخطيرة، وهو بحالة تجديد مستمر لهذه القوائم. وفي السياق، نجد أنّ التعامل مع المنصات على أساس الخوارزميات ومحاولة التأثير والتحكم بها لا يحقّق هدفه دائما، فالعامل الأساسي هو السياسة. وليس السياسة بمعناها التقليدي، وإنّما الأرباح والتسويق والشركات التجارية، كلها سياسة رقمية في العالم الإفتراضي، ونفهم أكثر سبب الخوف على خصوصية حسابات المتابعين، من بيعها لشركات وجِهات غير حكومية.
نقطة البداية، تنطلق من عدم الاعتقاد أنّ النشر عن فلسطين عديم الفائدة بسبب الوهم القائل بأنّ الخوازرميات لها القدرة على التحكم بكل شيء، هذا ليس دقيقا، فالبيانات الفلسطينية على المنصات من المهم نشرها بشكل مستمر، صور وفيديوهات ومعلومات وقصص حياة.
التنبّؤ بالأحداث
لو جعلنا من الخوارزميات أسلوب حياتنا العملية وليس الرقمية، لتُحقّق غايتها نحن بحاجة إلى طرفي معادلة: البيانات والهدف، الطرف الأول هو المعلومات التي نملكها عن أرشيفنا وذاكرتنا، ما يمكن توصيفه بالتجربة الفلسطينية في مختلف المجالات، والطرف الثاني هو المكان الذي نريد الوصول إليه، الصمود والتحرير والتنمية… إلخ.
لنُطبّق الأمر على المخيّمات، بحسب البيانات المخزّنة في الذاكرة الجماعية ولدى أجهزة الأمن، بأنّ المخيّمات تحوي مجرمين فارّين من العدالة، وحين تقع أي حادثة تعمل الخوازرمية البشرية، على إظهار المجرم بأنّه فلسطيني الجنسية، وبالتالي لتحقيق الهدف بإلقاء القبض عليه فهو متواجد داخل المخيّم. نحن إذاً نخلق العنصرية تجاه الفلسطيني اللاجئ في بلدنا، البشري والرقمي، نتيجة تراكم المعطيات لدينا إن كان عبر حديث الناس أو تقارير الأخبار. لذا، فإنّ أحد عوامل التغيير تبدأ بعملية تصحيح المعلومات، صورتي لدى الآخر والعكس، حتى أضمن أنّ النتائج يمكن أن تتغير.
بين الداخل الفلسطيني والمخيّمات واللاجئين في دول العالم، أكثر ما نحتاجه هو محاولة صياغة البيانات الفلسطينية، ليس فقط بمعناها الرسمي، سجلات النفوس والأحوال الشخصية ومكان السكن، بل أماكن العمل والتعليم والمهن والأنشطة أيضا، وما تفعله المؤسسات الثقافية في المهرجات بتسجيلها لأسماء الفنانين للتواصل معهم من أجل معارض جديدة، بنفس التقنية يتوجب تدوين المحتوى الفلسطيني البشري.
تساعد البيانات في مواجهة الاحتلال، وخاصة في ما يتعلق بجرائمه، ومنها الإستيطان. فحين يتم نشر معلومات عن الشركات العالمية الداعمة لبناء المستوطنات، غير الشرعية، يمكن حينها مساءلة المؤسسات عن انتهاكها للمعايير الدولية. قبل سنتين، نشرت موقع “هيومن رايتس ووتش ” تقريراً عن 112 كياناً تجارياً لشركات عاملة في “إسرائيل” وخارجها، تنتهك القوانين بدعمها لسلب الفلسطينيين أراضيهم وتسهيل عملية البناء، والعدد إلى ازدياد. ينظر الاحتلال للبيانات كونها أداة أمنية، يجب الحفاظ عليها، فوزارة الأمن الإسرائيلية أنشأت خازن للبيانات الحاسوبية بأكثر من مليار دولار أمريكي بالتعاون مع شركتي غوغل وأمازون، وهو واحد من عشرات المشاريع التي يسعى الاحتلال لجذبها باستمرار من خلال التسهيلات المقدمة لهم، وهدفها هو السيطرة على البيانات وتحليلها لضمان أمنها.
البيانات الفلسطينية
إن قسّمنا المعلومات المخزّنة بين البشرية والحاسوبية، فنحن بحاجة إلى ترتيبها وتوظيفها بشكل واضح، مع التأكيد على عدم تجاهل الحصار المفروض على الفلسطيني. يركز باحثون في مجال علم البيانات في دراساتهم ومحاضراتهم على ضرورة “أنسنة” المعلومات، والحفاظ على القيم والمبادئ بعيداً عن استغلالها، وهو أجد أساليب العمل على الاستثمار بالبيانات الفلسطينية، عن طريق جمعها ومحاولة تصنيفها، إن كنا نجمع من مخيّمات اللجوء ما تحتاج إليه من دواء وطعام بحسب المعلومات المسجلة، وتبعاً لها يمكن تصوّر نتائجها الإجتماعية، بإمكاننا جمع بيانات عن الأكاديميين والمهنيين والكتّاب والزراعيين وغيرهم من ذوي الاختصاصات ضمن “بنك معلومات”، يساعدنا على التواصل وخلق وظائف جديدة، كلما زاد امتلاكنا للمعلومات اتسعت الخيارات أمامنا، إن كانت مطروحة عن طريق الحاسوب الآلي أو من أصحاب الشأن.
*كاتب لبناني
وسوم :
الاحتلال الإسرائيلي, البيانات الفلسطينية, الخوارزميات, الذاكرة الجماعية, المخيّمات الفلسطينية, المنصات الرقمية, بنك المعلومات, حركة حماس, صمود, فلسطين المحتلة, فيسبوك, لبنان, هيومن رايتس ووتش, وسام عبد الله, يوتيوب