البرازيل.. والقلب جهة فلسطين
ديسمبر 9, 2022 10:07 ص*وسام عبد الله
بين القضية الفلسطينية وأمريكا اللاتينية قواسم مشتركة، حين يتعلق الأمر بمواجهة السياسة الخارجية الأمريكية، والتدخل الصهيوني في الحياة السياسية في دول مثل البرازيل -وهي من أوائل البلاد التي استقبلت الهجرات العربية منذ نهاية القرن العشرين إلى عصرنا الحالي- فما هو أساس تعاطي الحكومة البرازيلية مع القضية الفلسطينية وهل يحتفظ أبناء اللاجئين بحلم العودة إلى فلسطين؟.
مواسم الهجرة
يشير الكاتب والناشط السياسي الفلسطيني في البرازيل جاد الله صفا، والذي هاجر منذ 43 سنة، إلى المراحل التي مرّت بها هِجرات الفلسطنيين، فيقول “المرحلة الأولى من الهجرة بدأت بين أعوام 1850 1890 نتيجة الاضطهاد العثماني للمسيحيين في المنطقة بما فيها لبنان وسوريا، تجد أناساً من بيت لحم وبير زيت، من المدن التي يتواجد فيها المسيحيون، وكانت الوجهة إلى البرازيل والبيرو وتشيلي، وأكثر المناطق البرازيلية تجمعاً في شمال شرق البلاد، للجالية الفلسطينية الذين هاجروا من بيت لحم وبيت ساحور وبيت جالا “.
ويتابع: “الهجرة الثانية بعد النكبة مباشرة عام 1950، والهجرة الثالثة بعد النكسة عام 1967 لكن بنسبة أقل، العائلات الفلسطينية التي هاجرت بعد النكبة، وبعضهم مع عوائلهم حيث استجلبوا زوجاتهم وأبنائهم بعد النكسة خوفاً من بطش الاحتلال، وأكبر هجرة فلسطينية إلى البرازيل بعد النكبة كانت من مدينة رام الله”.
ويشرح جاد الله عن دور وحضور الفلسطينيين في الحياة العامة البرازيلية: “من مارس السياسة في الوسط البرازيلي هم الجيل الثاني، من ولدوا هنا، بعضهم كان من أعضاء المجالس البلدية ورؤوساء بلديات، ومنهم مثل عمر عزيز من رام الله عضو مجلس شيوخ وحاكم ولاية، الجيل المشارك هم أبناء الجيل الثاني من مرحلة النكبة، وحالياً يشاركون في الانتخابات، ويعتبرون أنفسهم برازيليون من أصول فلسطينية”.
البرازيل مناصرة فلسطين
تحضر الأصوات المناصرة للقضية الفلسطينية في أمريكا اللاتينية، من خلال الشخصيات والمؤسسات والمؤتمرات، ويعتبر جاد الله أنّ الأمر مرتبط بالخلفية السياسية، فيقول: “في هذا الموضوع، نتحدث عن اليسار البرازيلي الذي هو جزء من يسار العالم المتضامن مع القضية الفلسطينية، أما اليمين البرازيلي المتمثل حالياّ بحكومة “بولسنارو” فهو يميل بطبيعة الحال إلى المحور الأمريكي، أما “دي لولا” الذي انتصر مؤخراً في الانتخابات، هو مناصر لجميع القضايا وليس فقط فلسطين، وهو في الجهة المقابلة للإمبريالية والصهيونية، من هنا يمكننا تقدير الموقف”.
ويشير الكاتب الفلسطيني بأنّ معظم المؤسسات الداعمة في فلسطين هي من اليسار، ومنهم اتحاد النقابات، مع الأخذ بعين الاعتبار بوجود الحركة الصهيونية داخل النقابات وتأثيرها في تغيير هذه السياسة، ويوضح: “حتى حزب العمال لا يمكن القول إنّه معادٍ بشكل كامل للصهيونية، فهو عبارة عن تيارات وكل تيار له حرية تحديد سياسة تياره بالنسبة للقضايا الدولية، فمثلاً حزب الرئيس دي لولا، ليس عنده موقف واضح من القضية الفلسطينية، فحين يتمّ عقد اجتماعات دولية يتطرق للقضايا العالمية ولا يأتي على ذكر فلسطين مثل ما حدث في فنزويلا، فمسؤولة العلاقات الدولية لحزب العمال المشاركة في المؤتمر لم تتطرق للقضية الفلسطينية وكأنّها ليست موجودة. موقف “دي لولا” متقدّم على حزب العمال بغض النظر عن رؤيتك وفهمك لهذا الموقف”.
ويتابع: “هناك تيارات أخرى في الحزب لها موقف مشرّف من القضية ولكن كحزب عمال ونتيجة التغلغل الصهيوني لا يُسمح له بموقف متقدّم، فأي قرار يتخذه الحزب يكون نتيجة ما تتفق عليه ما تُسمى بالجالية اليهودية والجالية الفلسطينية، والحزب يدعم رسمياً عملية التطبيع بينهما، وهذا مؤسف بالفعل”.
اللاعودة
المقارنة بين اللاجئين في المخيّمات الفلسطينية يختلف عن الموجودين في دول أبعد بالمسافة مثل أوروبا، يعتبر جاد الله بأنّه حين ضرب اللجوء الفلسطيني في العراق وسوريا ولبنان لم تكن هجرتهم باتجاه فلسطين والدول العربية، التي لم تتقبل الفلسطينيين الذين تمّ تشريدهم، وهذا الكلام مدروس بحسب رأيه، فالفلسطيني الموجود في لبنان يركب القارب نحو اليونان وتركيا باتجاه أوروبا وأمريكا اللاتينية، لأنّه يجد سهولة في الحصول على الجنسية أو الإقامة في الغرب، ويرى أنّه “في البرازيل، يؤمنون له فرص العمل وفتح المحال التجارية ومنح جوازات السفر والإقامة، وهذا بحد ذاته أمان للفلسطيني الموجود هنا، فالذي خرج من لبنان أو سوريا في حال رغب بالعودة وهو يحمل الجنسية البرازيلية إنّما يعود كسائح وزائر لوقت محدد ويعامل معاملة السواّح.. ولكن، نتيجة لعدم الاستقرار الموجود في غالبية الدول العربية، يدفع اللاجئ للقول إنّ الأفق مسدود فلماذا العودة؟، وهذا مخطط مدروس من الولايات المتحدة والعدو الصهيوني وحلفائهما”.
وعن موقف الأجيال الجديدة يرى صفا أنّ الأمر يزداد صعوبة، فالإبن يعتبر أنّ والده فلسطيني صحيح، ولكن هو ينتمي لهذه البلاد، وهو إن تضامن مع القضية الفلسطينية فنتيجة ما أخذه من والديه وعائلته، ليستطيع نشرها في المجتمع البرازيلي.
قراءة حضور الفلسطينيين في خارج نطاق الدول العربية يستحق الاهتمام بشكل أكبر، كونهم ينشطون داخل حركات المقاطعة والمنظمات الداعمة للقضية، مما يساهم في فتح الباب أمام التوسع بعملية الصمود للاجئين كما فلسطينيي الداخل، وخاصة للأجيال الشابة التي تعرف فلسطين من خلال قصص الأجداد.
*كاتب لبناني
وسوم :
أمريكا اللاتينية, البرازيل, التطبيع, الجالية الفلسطينية, الجنسية البرازيلية, العدو الصهيوني, القضية الفلسطينية, اللاجئ الفلسطيني, اللاعودة, المخيّمات الفلسطينية, النكبة, اليسار البرازيلي, بطش الاحتلال, جاد الله صفا, حركات المقاطعة, حكومة بولسنارو, دول الشتات, دي لولا, صمود, فلسطين المحتلة, قصص الأجداد, وسام عبد الله