العلاقة الملتبسة بين “إسرائيل” والفاتيكان يفجّرها أوتيل نوتردام
فبراير 17, 2023 7:54 ص*وسام عبد الله
أزمة جديدة تظهر بين الفاتيكان والكيان الإسرائيلي، بعد قيام بلدية الاحتلال في القدس المحتلة بالحجز على حسابات فندق “نوتردام”، المقابل للباب الجديد لأسوار البلدة القديمة في القدس، بحجة أنّه لم يسدّد لسنوات طويلة رسوم ضريبة الأملاك. وهو ما يعيد طرح التساؤلات حول العلاقة بين رأس الكنيسة الكاثوليكية في العالم والكيان الصهيوني.
تاريخ العلاقة
عمل مؤسسو الكيان الإسرائيلي على التواصل مع مختلف الجهات في مرحلة وعد بلفور والبدء بالهجرة إلى فلسطين. ففي عام 1904، التقى تيودر هيرتزل مع البابا آنذاك “بيوس العاشر”، وطلب منه المساعدة على إقامة وطن قومي لليهود على الأراضي الفلسطينية، ليأتيَ الجواب من البابا: “نحن لا نستطيع أن نساند هذه الحركة، ولا يمكننا منع اليهود من الذهاب إلى القدس، كما أنّنا لن نضع قيوداً عليها، إنّ أرض القدس، وإن لم تكن دائماً مكرسة لعبادة الله، قد قدّسها السيد المسيح بحياته فيها، وأنا بصفتي رئيساً للكنيسة لا أستطيع أن أجيبك خلاف ذلك. اليهود لم يعترفوا بالمسيح، لذلك لا يمكننا نحن الاعتراف بالشعب اليهودي، والقدس على هذا الأساس لا يمكن وضعها في أيدي اليهود”.
ولم يكن الاستيطان الصهيوني مرحّباً به في الفاتيكان خلال مرحلة النكبة، ففي سنة 1944، وخلال زيارة رئيس وزراء بريطانيا الأسبق ونستون تشرشـل إلى الفاتيكان، تسلّم من رئـيس لجنـة الشـؤون الاسـتثنائية في وزارة الخارجية، مجموعة من الملاحظات للبابا جـاء من ضمنها النص التالي: “إنّ الفاتيكان لم يزل يعارض السـيطرة اليهوديـة علـى فلسـطين وقـد أفلـح البابـا بنــديكتوس الخــامس عشــر في مــا عملــه للحــؤول دون أن تصــبح فلســطين دولــة يهوديــة”. ويعود القلق الفاتيكاني في تلك المرحلة بالدرجة الأولى، إلى الخوف على مصير المسيحيين العرب المقيمين في الأراضي الفلسطينية، والبلاد العربية والإسلامية أيضا، وهو ما يفسر اندفاع الفاتيكان بالدعوة إلى تدويل قضية “القدس”.
ففي عام 1948، أصدر البابا بيوس الثاني عشر رسالة دعا فيها إلى تأمين الوصول والـدخول إلى الأمـاكن المقدسـة المتنـاثرة في فلسـطين وحريـة العبـادة واحتـرام الأعـراف والتقاليـد الدينيـة. وهذه الرغبة بالتدويل، في سنة النكبة وإعلان ما سُمّي “دولة اسرائيل”، هو لخشية الفاتيكان من وقـوع المعابد والمزارات المسـيحية في قبضـة الإسـرائيليين، وهو ما سيؤدي مع الزمن إلى إلغاء كل الوجود المسيحي من القدس وفلسطين.
ويصف الأستاذ في القانون الكنسي سيليفيو فيراري، في كتابه “الفاتيكان وإسرائيل: من الحرب العالمية الثانية إلى حرب الخليج”، بأنّ رغبة البابا في تلك الفترة بالتدويل لارتباطها بعودة اللاجئين، فالرأي الفاتيكاني حينها، أن تكون القدس مدينة “دولية” تؤمن للاجئ الفلسطيني ملاذاً آمناً للعودة.
ويذكر الأستاذ الجامعي، عن صراع بين الدول الكاثوليكيـة، مثل فرنسا وأمريكا اللاتينية، والـدول ذات الأكثريـة البروتسـتانتية وفي مقدمتهم الولايات المتحدة الأمريكية، حيث ووجه إصـرار الفاتيكـان علـى تـدويل مدينـة القـدس، بحملة بروتستانتية شديدة أشرفت الحكومة الإسرائيلية عليها في سنة 1950.
الاعتراف
لم يعترف الفاتيكان بالكيان الإسرائيلي حتى سنة 1993 مع البابا يوحنا بولس الثاني، وتبادل معها التمثيل الدبلوماسي، ويُرجع البعض القرار بفتح العلاقة مع “تل أبيب”، إلى البيئة الاجتماعية التي أتى منها البابا حينها، فهو كان أسقف كنيسة في منطقة كراكوف البولندية، وبالقرب منها يقع معسكر أوشفيتز لللنازيين، وهو ما دفعه ليعتبر أنّ الكنيسة لم تأخذ خطوة جادة في وقف الاضطهاد الذي تعرّض له اليهود حينها، وهو ما يُعرف “بالمحرقة اليهودية”. والهولوكوست هو المعبر الدائم للتعاطي مع الدول الأوروبية بشكل أساسي، وحتى مع الفاتيكان، فحين أعلن البابا بنديكتوس السادس عشر التحضير لإعلان تطويب البابا بيوس الثاني عشر قديسا، بدأت حملة إسرائيلية ضده، لكونه كان البابا في فترة الحكم النازي واتهامه بعدم أخذ مواقف واضحة في مناصرة اليهود في أوروبا، بحسب رأيهم، وهو ما رد عليه الفاتيكان بوثائق تُظهر محاولة البابا حماية اليهود لمرحلة نقل بعضهم سراً إلى روما. وحينها لم يكن المقصود فقط البابا المطوّب، وإنّما أيضا البابا بنديكتوس، الذي خدم في مرحلة الشباب ضمن الحركة الشبيبية الهتلرية، قبل أن ينسحب منها ويتجه إلى دراسة اللاهوت.
مع فلسطين
أما من ناحية العلاقة مع فلسطين فقد مرت بعدة مراحل، وخاصة مع تواجد حضور للكرسي الرسولي في الأراضي الفلسطينية وخاص من خلال الكنائس اللاتينية، وعلى المستوى الرسمي جرى التواصل، إن كان مع منظمة التحرير الفلسطينية، ومن ثم مع البابا فرنسيس، مع اعتراف الكرسي الرسولي بدولة فلسطين في أيار/مايو 2015. إضافة، وجود المطران الراحل هيلاريون كبوجي في الفاتيكان، منفياً من فلسطين سنة 1977، بعد اعتقاله من الاحتلال لمساهمته في دعم المقاومة الفلسطينية بالمواقف العلنية وبتأمين السلاح لهم.
تساؤلات يطرحها بعض الكهنة العرب بالمطالبة من الفاتيكان برفع الصوت ضد الاحتلال، وليس الاكتفاء بإصدار بيانات تحت شعار السلام والعدالة فقط، وخاصة أنّ الكنيسة في روما، هي أعلى سلطة كنسية لما يقارب المليار مسيحي كاثوليكي في العالم، وتتوزع الكنائس والأديرة والمؤسسات في معظم الدول وخاصة صاحبة القرار، وهو ما يتطلب منها الضغط، وليس الدخول في تفاصيل تشبه الأزمة الحالية في النقاش حول بعض الأموال في حين أنّ المسألة هي قضية شعب بأكمله.
*كاتب لبناني
وسوم :
الاستيطان الصهيوني, البلدة القديمة, الحركة الشبيبية الهتلرية, السلام والعدالة, الفاتيكان, القدس, الكرسي الرسولي, الكنيسة الكاثوليكية, الكيان الإسرائيلي, اللاهوت, المحرقة اليهودية, المطران هيلاريون كبوجي, المقاومة الفلسطينية, النكبة, بلدية الاحتلال, تدويل, صمود, عودة اللاجئين, فلسطين المحتلة, وسام عبد الله, يهود أوروبا