أمريكا لـ”إسرائيل”: هذه حدودك

التصنيفات : |
أبريل 11, 2023 6:14 ص

*سنان حسن

للمرة الثانية، ولو بفاصل زمني ليس بالبعيد، حدثان عبّرا وبوضوح عن كون الولايات المتحدة الأمريكية هي المتحكم الأول بالقرار الإسرائيلي، وليس العكس كما يصوره بعض الإعلام، الحدث الأول كان في حرب الـ2006 حين رفضت واشنطن وقف إطلاق النار قبل تنفيذ أهداف الحرب رغم الطلب الإسرائيلي بإيقافها، والثاني ظهر في ضوء الاحتجاجات الرافضة للتعديلات القضائية التي تريدها حكومة نتنياهو اليمينية الصهيونية.

إذا، وإن كان هناك بعض الهامش الذي تتركه واشنطن لحليفها القوي في المنطقة في العديد من القضايا، لكن الكلمة العليا، عندما تصل الأمور إلى مرحلة تعطيل المشاريع والخطط الأمريكية، تبقى لساكن البيت الأبيض سواء أكان جمهورياً أو ديمقراطياً واللوبيات اليهودية المسيطرة هناك. هذا أمر معروف لكن لماذا أصرّت واشنطن وللمرة الثانية على إظهار ذلك علنا؟، هل السبب الوحيد هو الخوف من التهديد الكبير الذي يلحق بالكيان من جراء هذه التعديلات القضائية بالفعل؟، أم بسبب العلاقة المتوترة بين الديمقراطيين بقيادة بايدن في مواجهة نتنياهو؟.

خُيّل للكثيرين في العالم العربي أنّ “إسرائيل” هي من تقود السياسة الأمريكية وتوجهها

لا ينكر أحد أنّ العلاقة بين الولايات المتحدة الأمريكية و”إسرائيل” علاقة عضوية خاصة جداً وقوية ومتينة، وقد تجلى ذلك على مدى العقود الماضية التي انتهجت واشنطن خلالها سياسات داعمة وراعية لـ”تل أبيب” لمساعدتها وحمايتها والدفاع عنها بمواجهة كل من يحاول النيل منها، فهي قاعدتها المتقدمة في المنطقة والمنفّذ الأمين لكل مشاريعها ومخططاتها، وغالباً ما كانت هذه العلاقة بعيدة عن الخلاف المباشر أو الصدام في أي ملف من الملفات، حتى خُيّل للكثيرين في العالم العربي أنّ “إسرائيل” هي من تقود السياسة الأمريكية وتوجهها، وإذا كانت حرب تموز/يوليو 2006 هي نقطة الإعلان عن الوضع الحقيقي للعلاقة بين الطرفين، فإنّ ما نشهده اليوم من تصعيد أمريكي كبير بسبب التعديلات القضائية التي تنوي حكومة اليمين الصهيوني المتطرف تمريرها هو نقطة تأكيد هذا الأمر، حيث استدعى ذلك كلاماً مباشراً من الرئيس الأمريكي جون بايدن عبّر فيه عن خشيته من هذه التعديلات إن لم تحظَ بدعم واسع من الإسرائيليين، قائلا: “إنّ تغييراً جوهرياً في جهاز القضاء يجب تنفيذه من خلال الاستناد إلى دعم الجمهور الواسع بقدر الإمكان”، وهذا يحدث للمرة الأولى بتاريخ العلاقات الأمريكية – الإسرائيلية، وتبع ذلك إظهار مدى التأثير الكبير الذي تملكه واشنطن في الداخل الإسرائيلي على كافة المستويات السياسية والاقتصادية والعسكرية، والنتيجة كانت شلل تام في “إسرائيل” ومشاهد لم تحدث من قبل والأهم انصياع  حكومة نتنياهو إلى إيقاف التعديلات القضائية مؤقتاً حتى يتمّ التوافق عليها.

في كل مرة تنكث حكومة نتنياهو اليمينية بوعودها وتصعّد من ممارساتها ضد الفلسطينيين، في مشهد عدّه المحللون أنّه مناكفة من القيادة الإسرائيلية لواشنطن وتقديم مصالحها على المصالح الأمريكية المباشرة وهذا قد يؤثر في المستقبل على العلاقة بينهما

مع التطورات الحاصلة في العالم ولا سيما في ضوء الحرب الروسية – الأوكرانية والتقدم الصيني المستمر في الكثير من الملفات، ومع إنشغال إدارة بايدن في هذين الملفين الكبيرين، عملت على تبريد الأجواء بين الاحتلال والسلطة الفلسطينية بعد القطيعة الكبيرة بينهما، لمنع الوضع من الانفجار بعد تزايد عمليات المقاومة في الداخل الفلسطيني المحتل، من خلال عقد اجتماعين في العقبة الأردنية وشرم الشيخ المصرية للاتفاق على زيادة التنسيق الأمني بين الطرفين والقيام بخطوات من شأنها تحسين الظروف بين الطرفين للمضي في حل الدولتين، ولكن في كل مرة تنكث حكومة نتنياهو اليمينية بوعودها وتصعّد من ممارساتها ضد الفلسطينيين، في مشهد عدّه المحللون أنّه مناكفة من القيادة الإسرائيلية لواشنطن وتقديم لمصالحها على المصالح الأمريكية المباشرة وهذا قد يؤثر في المستقبل على العلاقة بينهما وهذا ما أكده الكاتبان الإسرائيليان الداد شبيط وتشيك فرايلخ في تقدير موقف بعنوان “علاقات “إسرائيل” – الولايات المتحدة لن تكون في أي وقت محصنة” حتى ولو كان “يجب على “إسرائيل” الدفاع عن ما تعتبره مهماً لأمنها القومي، فإنّه في الفترة القريبة القادمة يجب إعطاء أهمية عليا ومنح أولوية للحفاظ على العلاقات مع الولايات المتحدة”، ولكن هل تعنّت نتنياهو وائتلافه في الملف الفلسطيني هو السبب الوحيد في كل ذلك؟.

للمرة الأولى هناك أكثر من 49% من المستطلعين المحسوبين على الحزب الديمقراطي يتماهون مع الفلسطينيين أكثر مما يتماهون مع العدو الإسرائيلي (38%)،

خلال الفترة الماضية وبالتحديد خلال حكم الديمقراطيين، بدأت الأصوات تتعالى وتطالب بمواقف أكثر حزماً من واشنطن تجاه “تل أبيب” ولعل ما طالب به السيناتور الديمقراطي كريس ميرفي، الذي يشغل منصب رئيس اللجنة الفرعية لشؤون الشرق الأوسط والمعروف بمواقفه المؤيدة للكيان الصهيوني، بأنّه على “الإدارة الأمريكية أن تزيد الضغط على حكومة “إسرائيل”. سواء كان الأمر يتعلق بوضع شروط لمساعدة “إسرائيل” أو أن تكون شروط للزيارة في الولايات المتحدة”، دليل على ذلك، كما أظهر استطلاع للرأي أجراه معهد “غالوب” أنّه للمرة الأولى هناك أكثر من 49% من المستطلعين المحسوبين على الحزب الديمقراطي يتماهون مع الفلسطينيين أكثر مما يتماهون مع العدو الإسرائيلي (38%)، وأشارت النتائج إلى ارتفاع يبلغ 11% في تأييد الفلسطينيين فقط في السنة الأخيرة”، ما يعني أنّ الدعم الأمريكي التقليدي لـ”إسرائيل” بدأ يتآكل تدريجيا. وهذا ما أشار إليه رئيس معهد بحوث الأمن القومي البروفيسور مناويل تريختنبرغ بالقول: “إنّ تعزز التيار التقدمي في الحزب الديمقراطي الأمريكي من جهة، والتحدي في اليمين تجاه النخب التي ينتمي إليها جزء كبير من يهود شرق الولايات المتحدة من جهة أخرى، ضعضع قواعد الدعم لـ”إسرائيل” وكذلك مكانة الجاليات اليهودية”.

بالمحصلة يبدو أنّ الاهتمام المتضائل للولايات المتحدة بالشرق الأوسط ومشاكله واتجاهها نحو بكين وجوارها وقضية روسيا، إلى جانب تشكيل حكومة يمينية واضحة في “إسرائيل” في الوقت الذي تتصدر فيه الأجندة الليبرالية اهتمامات الإدارة الأمريكية الحالية، تزيد خطوات الابتعاد، وتهدد بقضم الدعم التقليدي الأمريكي للاحتلال الصهيوني، ويبدو أن المستقبل سيكون مختلفاً عن المرحلة الماضية في العلاقة بينهما، وتلك فرصة لنا لا يجب أن لا نهدرها.

*كاتب سوري