تقدير استخباري إسرائيلي: خطر الحرب يتزايد في السنة المقبلة
احتمالية أن تجد “إسرائيل” نفسها في السنة القريبة القادمة في حرب حقيقية، ازدادت بدرجة كبيرة في الأشهر الاخيرة، هذا هو استنتاج شعبة الاستخبارات في هيئة الأركان العامة، وهو استنتاج معروف لدى كبار ضباط الجيش وصناع القرار في المستوى السياسي، الاستخبارات العسكرية لا تتحدث عن احتمالية عالية لحدوث حرب.
وحتى الآن تعتقد الاستخبارات أنّ إيران وحزب الله وحماس غير معنيين بالضرورة بمواجهة مباشرة وشاملة.
ولكن يبدو من الواضح أنّهم مستعدون للمخاطرة والمقامرة بنشاطات عدائية أكثر جرأة، أيضاً بسبب اعتقادهم أنّ “إسرائيل” ضعفت في أعقاب الأزمة الداخلية الشديدة التي قلّصت من مجال مناورتها الاستراتيجية.
وبحسب صحيفة هآرتس، على هذه الخلفية تقدّر الاستخبارات العسكرية بأنّه قد تعززت احتمالية اشتعال سلسلة مواجهات في ساحات مختلفة من شأنها، وبدون قصد أو نية مبيّتة أن تصل إلى حرب واسعة متعددة الجبهات، هذه هي نفس “العاصفة الكاملة” التي يتحدث عنها رجال الاستخبارات منذ بضعة أشهر، هي تتفق مع تداعيات الخلافات حول محاولة حكومة نتنياهو تنفيذ التعديلات القضائية.
في الخلفية يتحقق جزء كبير من التقديرات بخصوص شهر رمضان الذي سينتهي بعد عشرة أيام، خلال هذا الشهر كان هناك صدامان عنيفان بين الشرطة والمصلّين المسلمين في المسجد الأقصى (الصاعق الرئيسي الذي أشعل النار)، وعمليات سقط فيها قتلى في غور الأردن وفي “تل أبيب” وإطلاق صواريخ من لبنان وسوريا وقطاع غزة.
سيبقى المسجد الأقصى في مركز الاهتمام أيضا قبل انتهاء شهر رمضان، على خلفية تقاطع أعياد الديانات الثلاثة، التصعيد في شهر رمضان اندمج مع ثلاث خطوات رئيسية أدت الى تغيير المحيط الاستراتيجي لـ“إسرائيل”، وهي تقليص الاهتمام الأمريكي بما يحدث في الشرق الأوسط، ازدياد ثقة إيران بنفسها والذي انعكس أيضاً في محاولات تحدي “إسرائيل” بصورة مباشرة وانعدام استقرار متزايد في الساحة الفلسطينية.
التغيير في مفهوم الولايات المتحدة يظهر على طول السنوات الأخيرة، وتحول اهتمام واشنطن ما يحدث هنا لصالح ساحات أكثر أهمية، أولها المنافسة على النفوذ مع الصين والرغبة في وقف مغامرة روسيا العسكرية في الحرب في أوكرانيا.
أفكار كان يتردد صداها في فترة ولاية باراك أوباما في بداية العقد السابق، تحولت الآن إلى أمور أكثر فعلية، الدلائل على ذلك كثيرة، منها عدم المبالاة الأمريكية الواضحة إزاء الهجمات الجوية التي قامت بها إيران قبل سنة ضد السعودية والإمارات العربية المتحدة، ونقل طائرات قتالية متطورة من الشرق الأوسط إلى ساحة المحيط الهادئ والحذر الذي ترد فيه الولايات المتحدة على هجمات المنظمات الشيعية الموجهة من إيران ضد قواتها في سوريا.
في الجيش “الإسرائيلي” يكثرون من التفاخر بتعزيز العلاقات الواضح مع قيادة المنطقة الوسطى للجيش الأمريكي في السنتين الأخيرتين. ولكن هنا وهناك تولّد الانطباع بأنّ الأمريكيين متحمسون أقل من مشاركة المعلومات الاستخبارية والخطط العملياتية مع “إسرائيل”.
أيضا، الزيارات الكثيرة لشخصيات رفيعة في إدارة بايدن وضباط في القيادة الوسطى في البلاد يمكن رؤيتها بشكل مختلف، في جزء منها هذه لم تكن تصريحات صداقة ومحبة فحسب، بل تعبير عن رغبة براغماتية لاستيضاح أنّ “إسرائيل” لا تقوم بأمور تافهة ولن تشعل للأمريكيين الشرق الأوسط.
من الأفضل عدم إخفاء ذلك: هناك برود معين في النظرة إلى “إسرائيل”، حتى لدى المستويات المهنية في واشنطن، الرئيس الأمريكي جو بايدن عبر في الشهر الماضي بشدة عن قلقه على الديمقراطية “الإسرائيلية” بعد يومين على قرار رئيس الحكومة بنيامين نتنياهو إقالة وزير الجيش يوآف غالانت، وهو القرار الذي تمّ تجميده في الوقت الحالي، ولكنّ الأمريكيين قلقون أيضاً من احتمالية أن تتصرف “إسرائيل” بعدم مسؤولية في الأراضي الفلسطينية أو أن تجرّهم إلى تبادل الضربات مع إيران، فالكشف عن الخطط الإيرانية للمس بشخصيات في المؤسسة الأمنية الأمريكية أثار القلق في واشنطن.
تغيير النظرة الأمريكية إلى المنطقة يسرع خطوات المصالحة بين إيران وبين الدول العربية السنية، المثال الأكثر وضوحاً على ذلك يكمن في اتفاق المصالحة بين إيران والسعودية، ولكن المنطقة تملكتها مؤخراً حمى الزيارات المتبادلة، في إطارها تبددت أيضا المقاطعة السنية الطويلة لسوريا بسبب الأعمال الفظيعة التي قام بها النظام هناك أثناء الحرب الأهلية.
في الوقت نفسه، في المنظومة الأمنية يلاحظون تغييرا تدريجيا في نظرة طهران تجاه “إسرائيل”، إيران انتقلت إلى وضع عداء استراتيجي تجاه الكيان، والرغبة في الحاق الضرر به تحتل اليوم مكاناً أكثر أهمية بكثير في سلم الاولويات الاستراتيجية لها.
الفرضية في المنظومة الأمنية هي أنّه قبل بضع سنوات أعطي توجيه مباشر من الزعيم الروحي علي خامنئي لزيادة الجهود لمهاجمة أهداف في “إسرائيل” وتعزيز الدعم لتنظيمات المقاومة الفلسطينية.
“قوة القدس” التابعة لحرس الثورة الإيراني، والأجهزة الاستخبارية في إيران وحزب الله، جميعهم سرعوا الجهود لمهاجمة “إسرائيل” طبقاً لتوجيهات الزعيم، إيران تضع سياسة عامة وتحول الأموال، لكن على الأغلب لا تنزل إلى التفاصيل التكتيكية للهجمات نفسها.
تغيير موقف إيران هو رد مباشر على توجهات بعيدة المدى يعزوها النظام لـ“إسرائيل”، مثل ازدياد الهجمات على الأراضي الإيرانية نفسها (نشاطات تخريبية في منشآت نووية واغتيال علماء ذرة وضباط في حرس الثورة)، وهجمات جوية ضد قوافل السلاح وقواعد لإيران موجودة في سوريا.
توجد لإيران أسباب أخرى لتكون راضية مؤخرا، فإلى جانب التراجع الأمريكي والمشكلات الداخلية التي تغرق فيها “إسرائيل”، يبدو أنّه بعد أشهر طويلة يظهر هناك تباطؤ في احتجاجات الحجاب، وحقّق النظام سيطرة أكبر في الجبهة الداخلية بفضل استخدامه لوسائل قمع عنيفة، التحالف مع روسيا يقوي إيران وهي تأمل بأن تحصل على منظومات دفاع جوي متقدمة وطائرات حربية مقابل الطائرات المسيرة الهجومية التي قدّمتها لروسيا لصالح الحرب في أوكرانيا.
في الخلفية إيران تترسخ كدولة عتبة على مسافة قريبة من اتخاذ قرار التقدم في إنتاج القنبلة، فهي تحتاج فقط 12 يوماً حسب تقدير الإدارة الأمريكية من أجل أن تحصل على اليورانيوم المخصب بمستوى 90% وبكمية تكفي لإنتاج قنبلة نووية واحدة، وبحاجة إلى سنتين أو أقل إلى أن يتم إنتاج سلاح نووي.
“إسرائيل” لم تقم بتبنّي التقدير الأمريكي الذي يقول بأنّ إيران ستدرس تقصير هذه الفترة عن طريق إنتاج سلاح نووي بمستوى مهني أقل.
التغيير الإيراني يتلاقى مع ساحة فلسطينية تغلي، حماس ما زالت تتجنب مواجهة عسكرية في غزة لكنّها أكثر طموحاً بكثير في مناطق أخرى، القدس والضفة الغربية في صلب الاهتمام من خلال تشجيع حماس الحثيث للقيام بعمليات، في الخلفية السلطة الفلسطينية ليست فقط ضعيفة وفاسدة وتتجنب القضاء على الإرهاب، بل هي غارقة في صراع وراثة متزايد، حيث تقوم جهات خارجية، من بينها الأمريكيون بتأجيجه.
إحباط الجيل الشاب الفلسطيني في الضفة الغربية إلى جانب زيادة قوة العمليات وتوفر الكثير من السلاح والاستعداد للقتال يحوّل كل عملية اعتقال للجيش “الإسرائيلي” في مدن شمال الضفة إلى اقتحام عنيف لمنطقة مأهولة ومكتظة بالسكان، ويزيد من عدد المصابين، ورغم أنّ معظم القتلى الفلسطينيين متورطون في محاولات تنفيذ عمليات أو استخدام السلاح الناري، فإن عددهم المتزايد يشعل النار الدائمة للمواجهة.
استفزاز..
إذا كان العنف الزائد في الضفة أصبح روتينا فإن التطورات الاستثنائية في الفترة الأخيرة جاءت من لبنان، إطلاق الصواريخ في 7 نيسان/أبريل، وقبل ذلك العملية في مجدو في 13 آذار/مارس، عندما اجتاز مسلح من لبنان ووضع عبوة ناسفة قرب مفترق مجدو، تقريبا 70 كم جنوب الحدود مع لبنان، وصل هو من هناك بتكليف من حزب الله.
إطلاق الصواريخ قصة مختلفة، رغم تقدير معظم الخبراء، على الفور بعد إطلاقها من جنوب لبنان بأنّ عملية كهذه لا يمكن أن تحدث بدون موافقة حزب الله، الاستخبارات تصمم على أنّ الأمور ليست هكذا.
وزراء الكابينت قيل لهم بأنّ الأمر يتعلق بعمل بادرت به حماس، يبدو أنّ كبار شخصيات التنظيم في الخارج، صالح العاروري وخالد مشعل، صدّقوا على هذه العملية، ويبدو أنّ أمين عام حزب الله، السيد حسن نصر الله، لم يكن في الصورة مسبقا، ومن المشكوك فيه أيضاً إذا كانت القيادة في غزة وعلى رأسها يحيى السنوار ومحمد ضيف كانت تعرف عن الخطة.
نصر الله التقى هذا الأسبوع في بيروت مع إسماعيل هنية، أحد رؤساء حماس، استمراراً للقاءات أجراها مع شخصيات إيرانية رفيعة وقادة تنظيمات مسلحة فلسطينية، ربما هو أراد أن يرسّخ بذلك تفاهمات مفصلة أكثر حول إدارة المواجهة مع “إسرائيل” ولكن من غير المستبعد أنّ نصر الله أيضاً وجد متعة بأن يغرس بذلك إصبعاً في عين “إسرائيل”، بالذات بعد تصعيد الهجمات.
على أي حال، القاسم المشترك بين الأحداث الأخيرة من لبنان هو الاستعداد للانحراف عن معادلات الرد السابقة والاستعداد للمخاطرة بخطوات جدية أكثر، رغم أنّ احتمالية ذلك ستؤدي الى رد شديد من قبل “إسرائيل”، لكن عمليا، ردود “إسرائيل” كانت محدودة.
بعد “مجدو”، نُشر في وسائل الإعلام العربية عن ازدياد الهجمات الجوية “الإسرائيلية” في سوريا والتي قُتل فيها اثنان من ضباط حرس الثورة الإيراني، بعد إطلاق الصواريخ تمّ عقد الكابينت للمرة الأولى منذ شهرين، وتمّت المصادقة بتوصية من الجيش على رد محدود، هجوم مقلص على أهداف لحماس في لبنان وهجوم أوسع قليلاً على أهداف لحماس في القطاع.
نتنياهو وافق على موقف الجيش الذي تمت صياغته بصورة ملونة: “من يعاني من النوبة القلبية لا يشارك في سباق الماراثون”، أي أنّه بالنظر إلى الوضع العام في المنطقة وخطورة الأزمة الداخلية، من الأفضل عدم البدء على الفور في مواجهة مع حزب الله، وأكثر من ذلك هو أن الاستخبارات تؤكد على أنّ حزب الله لم يكن متورطاً في إطلاق الصواريخ أبدا.
أيضا وزراء اليمين المتطرف في الكابينت، إيتمار بن غفير وبتسلئيل سموتريتش، صوّتا مع الخط المنضبط نسبياً الذي قاده نتنياهو، فهم مثل بعض وزراء الليكود الجدد بدأوا يعترفون بحدود القوة، لا يمكنك عمل كل ما تحب أن يحدث للعدو عندما تجلس في غرفة فيها يتمّ اتخاذ القرارات.
حتى لو كانت البيانات الدراماتيكية لاستطلاع المقاعد في الكنيست الذي نشرته القناة 13، هي بيانات غير متفق عليها، فإنّه يصعب تجاهل التوجه الواضح والمتواصل لانخفاض ثقة الجمهور بالحكومة إزاء الأداء المخيف لها، خيبة أمل أعضاء الائتلاف خرجت إلى الخارج بطرق أخرى، أهمها اتهام اليسار ووسائل الإعلام ورؤساء أجهزة الأمن بالمسؤولية عن الوضع.
أحد الوزراء المجهولين في قائمة بن غفير، ذهب بعيداً عندما قال في هذا الاسبوع بأنّ كبار مسؤولي الأجهزة الأمنية يقودون عصياناً ضد الحكومة، أعضاء كنيست في الائتلاف قالوا إنّ رئيس الأركان، هرتسي هليفي هو “موظف يمكن استبداله عند الحاجة”، أو أوضحوا بأنّ قصف سلاح الجو في غزة وفي سوريا وفي لبنان يثبت بأنّه “يمكن بدون الطيارين الرافضين”، عملياً رجال الاحتياط امتثلوا للخدمة وشاركوا، كالعادة في جميع الهجمات.
*المصدر: ترجمة الهدهد
وسوم :
إيران, الائتلاف الحكومي, الاستخبارات الإسرائيلية, الحرب الروسية - الأوكرانية, الشرق الأوسط, العتبة النووية, اليمين المتطرّف, حرب في "إسرائيل", حرب واسعة, حكومة نتنياهو, فلسطين المحتلة, لبنان, مواجهات