سوق صبرا والمناداة بأسماء البلاد
أبريل 25, 2023 7:53 ص*حمزة البشتاوي
يعتمد عدد كبير من اللاجئين الفلسطينيين في صبرا وشاتيلا للحصول على رزقهم بالعمل في سوق صبرا الشعبي الذي يُعتبر شرياناً إقتصادياً حيويا، لسكان العاصمة بيروت والضاحية الجنوبية.
وقد تأسس شارع صبرا التابع إدارياً لبلدية الغبيري، في محافظة جبل لبنان عام 1929.
وأما السوق في شارع صبرا فقد أنشئ في العام 1972، ومعظم التجار والعاملين فيه هم من اللاجئين الفلسطينيين الذين يعتبرونه بوابة رزقهم وعيشهم البسيط، ويمتد شارع صبرا بشكل شبه مستقيم من محطة الدنا وصولاً إلى الرحاب، وكان البيع في السوق محصوراً ببيع الخضار والفاكهة وبعض الدكاكين، وفي ما بعد العام 1975 توسع السوق لبيع اللحوم بالجملة والمفرق وتصل شهرته الواسعة إلى كل اللبنانين من كافة المناطق القريبة والبعيدة، حيث يأتون إليه دون دليل أو مساعدة من محرك البحث غوغل لأنّ معالمه شديدة الوضوح من الإزدحام والبسطات والمحلات والعربات التي تجعل قدميك وعينيك تسرحان بما هو معروض من فاكهة وخضار وأسماك ولحوم وبهارات ومخللات وأدوات منزلية وألبسة وسجاد وغيرها من البضائع من كافة الأشكال والألوان يعرضها في السوق تجار وباعة لبنانيون وفلسطينيون وسوريون ومن جنسيات متعددة أبرزها البنغلادشية والسريلانكية والسودانية.
وتأتي إلى السوق يومياً أعداد كبيرة من الطبقات الفقيرة والمتوسطة والغنية حيث يقصدونه بسبب توفر كل شيء يريدونه فيه إضافة لتدني الأسعار مقارنة بالأسواق والأماكن الأخرى.
ويعتمد التجار والباعة في سوق صبرا نظرية (بيع كتير واربح قليل) وهي نظرية نجحت في جذب الزبائن مع اعتماد رئيسي في عملية البيع على الكثافة السكانية الكبيرة الموجودة في صبرا وشاتيلا والمحيط.
وتميّز الفلسطينيون في سوق صبرا بقدرتهم على العمل والتجارة والإنتاج على الصعيد الفردي بعد أن انتهت تجربتهم على الصعيد المؤسساتي كتجربة معامل صامد قبل العام 1982، وهم يعتبرون العمل فيه جسراً للعبور والخلاص من نكد برامج المساعدات التي أصبحت شحيحة رغم تردّي الأوضاع الإقتصادية والمعيشية بشكل عام وحاد.
ومن معالم سوق صبرا يبرز جامع الدنا الذي ترفض الأوقاف الإسلامية ضمّه وإدارته من قبلها كونه مبني على عقار مسجّل بإسم السيدة سعاد الظريف ولا يمكن للأوقاف أن تستفيد مادياً منه أو من المحلات الموجودة ضمن نطاقه، ولذلك تتمّ إدارته من قِبل المصلّين وفاعلي الخير.
ويعتبر كل من سعدو حسنين وأبو داوود المنسي وفوزي الفرا ومحمد البللي وإبراهيم أبو شلبح وعلي أبو حوسة وفول سلامة وعيسى وغيرهم من أبرز وجوه السوق والشارع الذي فيه زواريب صغيرة كزاروب أبو حطب وزواريب تأخذك إلى حارات ومنها زاروب الجزّار والديك والباشا والعاصي والشعبوني والدوخي.
ويلاحظ في السوق وجود الكثير من الألفة والإحترام بين التجار أنفسهم ويتفقون تقريباً على كل شيء، ومن الأشياء التي يتفقون عليها هي محاسبة أي شخص يتمّ كشفه وهو يسرق من السوق والعقوبة على الشكل التالي: إذا سرق علبة فول أو سمنة أو زيت يتمّ إعطاؤه علبة ثانية هدية والقليل من البطاطا والبندورة لأنّه كان يسرق ليأكل.
وتسيطر على جلساتهم أحاديث الذكريات حيث يتذكرون أحاديث آبائهم عن فلسطين وخيراتها قبل النكبة ويتذكرون كيف كانوا يعودون إلى رزقهم وعملهم في السوق بعد كل حرب، ويتذكرون أيضاً زيارة الوزراء اللبنانيين إلى المخيّم وكيف تمّ إستقبالهم بترحاب كبير وألقى أحد الوزراء خطاباً رائعاً عن معنى النضال والبطولة والصمود ثم غادر وزملاؤه المكان دون أن يتغير شيء.
وهم ما زالوا في السوق ينادون بصوتهم العالي على بضاعتهم وكأنّهم يستعيدون أسماء البلاد بقولهم “يافاوي يا ليمون، ريحاوي يا موز، خليلي يا عنب”، ويتذكرون بعد التعب كلمات الشاعر محمود درويش المكتوبة على أكثر من جدار حين قال عن صبرا وشاتيلا المجزرة والشارع والسوق والمخيّم:
“صبرا تقاطع شارعين على جسد
صبرا لا أحد
صبرا هوية عصرنا للأبد”.
*كاتب وإعلامي
وسوم :
الأزمة الإقتصادية, الأسواق التجارية, الأوقاف الإسلامية, الاحتلال الإسرائيلي, الشاعر محمود درويش, الشتات الفلسطيني, اللاجئون الفلسطينيون, بيروت, جامع الدنا, جنسيات متعددة, حمزة البشتاوي, سوق صبرا, صبرا وشاتيلا, صمود, فلسطين المحتلة, كثافة سكانية, لبنان, مخيّمات الشتات, نكبة فلسطين