وليد دقة.. المفكّر المشتبك حتى “النخاع”
مايو 3, 2023 11:08 ص*منى العمري – صمود:
“أنا لستُ مناضلاً أو سياسياً مع سبق الإصرار والترصد، بل أنا ببساطة كان من الممكن أن أكمل حياتي كدهّان أو عامل محطة وقود كما فعلت حتى لحظة اعتقالي..”.
وليد دقة: “الزمن الموازي”
المفكّر المشتبك
اعتُقل الأسير وليد دقة (60 عاما) منذ 37 سنة، وتزوج من داخل السجن، وأنجب طفلته ميلاد عبر النطف المهربة، ويُعدّ من أبرز المعتقلين المفكرين والمثقفين.
ينحدر من بلدة باقة الغربية في المثلث الفلسطيني داخل الأراضي المحتلّة والتي تقع بين مدن جنين ونابلس وطولكرم بالضفة الغربية.
ينتمي سياسياً لـ”الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين”، ويُعدّ أحد أبرز الأسرى المفكّرين والمثقّفين، وصدرت له عدة مؤلفات أبرزها: “يوميات المقاومة في جنين”، “الزمن الموازي”، “صهر الوعي” ورواية “حكاية سرّ الزيت” لليافعين.
اعتُقل دقة في 25 آذار/مارس 1986، وحكمت عليه المحكمة العسكرية في مدينة اللد بالسجن المؤبد، بتهمة تنفيذ عملية خطف وقتل جندي صهيوني، حيث تمّ تحديد سنوات المؤبد في العام 2012 بـ37 سنة.
في 1999، تزوج دقة، في الأسر، من الإعلامية سناء سلامة، من مدينة اللد، واستطاع في 2020 إنجاب طفلته ميلاد عبر نطفة مهربة.
ويُعدّ الأسير دقة أحد أبرز الأسرى في سجون الاحتلال، وساهم في العديد من المسارات في حياة السجن للأسرى، وخلال مسيرته الطويلة في الاعتقال أنتج العديد من الكتب والدراسات والمقالات وساهم معرفياً في فهم تجربة السجن ومقاومتها. (1)
مع الأسر.. معاناة المرض
كان من المفترض أن يتمّ الإفراج عنه في آذار/مارس 2023، غير أنّ محكمة بئر السبع العسكرية أصدرت حكماً بحقّه في 2018، بزيادة سنتين إضافيتين على محكوميته، بادعاء ضلوعه في قضية إدخال هواتف نقالة للأسرى ليتواصلوا مع عائلاتهم.
في عام 2015، كُشف عن إصابته بسرطان الدم، وفي 2022 أظهرت الفحوصات إصابته بمرض التليّف النقوي وهو سرطان نادر يصيب نخاع العظم. (1)
ويعاني الأسير دقة من التهاب رئوي وقصور كلوي حادّين، وهبوط في نسبة الدم، إلى جانب جملة من أعراض صحية خطيرة يواجهها مؤخرا، وهو محتجز في غرفة خاصة نظراً لخطورة وضعه الصحي.
جريمة ممنهجة
وفي 23 شباط/ فبراير الماضي، صادق “الكنيست الإسرائيلي” بالقراءة التمهيدية، على مشروع قانون هدفه حرمان الأسرى الفلسطينيين من تلقّي العلاج وإجراء عمليات جراحية من شأنها تحسين جودة حياتهم.
وفي هذا السياق، أفاد نادي الأسير بأنّ تصديق الكنيست على قانون “تشريع الإهمال الطبي، الذي يُنفّذ فعلياً بحقّ الأسرى، وبأدوات ممنهجة على مدار عقود، هو تشريع لجريمة القتل البطيء”. (2)
وبذلك، حمّل رئيس المجلس الوطني روحي فتوح، إدارة السجون وحكومة الاحتلال اليمينية المتطرّفة، المسؤولية الكاملة عن حياة الأسير المفكّر وليد دقة المصاب بسرطان في النخاع الشوكي.
وناشد المؤسسات الدولية، خاصةً اللجنة الدولية للصليب الأحمر، بالتدخّل الفوري لانقاذ حياة الأسير دقة ونقله للعلاج في المستشفيات الفلسطينية. (3)
ومساء الأحد الواقع في 30 نيسان/أبريل المنصرم، نقلت سلطات الاحتلال الإسرائيلي الأسير الفلسطيني وليد دقة، بعد إجراء عملية استئصال لجزء من رئته اليمنى، من مستشفى برزيلاي في عسقلان، حيث مكث هناك 37 يوما، إلى مستشفى سجن الرملة.
تحدّي الأسر والسرطان
رغم حالة الوهن التي تعتري الأسير الفلسطيني وليد دقة، بسبب تفاقم وضعه الصحي، إلا أنّه يحتفظ بوعيه ويُدرك ما يجري حوله، بحسب زوجته سناء دقة.
وبعدما سُمح لها في 12 نيسان/أبريل الماضي بزيارة وليد واصطحابها طفلته ميلاد (3 أعوام)، في مستشفى “برزلاي” ، قالت زوجة دقة لوكالة “الأناضول”: “إنّ وليد، واهن جدا، غير أنّه مدرك وواع”.
وحول مدى معرفة ميلاد وضع والدها الصحي، تقول سلامة: “ميلاد تتحدث حول الموضوع، خلال زيارته قالت لوالدها إنّها ستحضر له حقيبة أدواتها الطبية التي تلعب بها، كي تقوم بعلاجه وإعطائه الإبرة، وقد ردّ عليها بالموافقة، وأنّه لن يسمح للمستشفى بعمل أي إجراء، وأنّه سيعتمد عليها فقط”.
وأضافت: “تعرف ميلاد أنّ والدها مريض، وقبل أي زيارة له، أقوم بتهيئتها نفسياً حول الموضوع”.
وأشارت سناء، إلى أنّ الزيارة التي سمحت بها سلطات الاحتلال الإسرائيلية قبيل عملية جراحية خضع لها دقة، “كانت هامة له ولعائلته”.
وأضافت: “غالبية الزيارة ركّز وليد على ميلاد، يحاول قدر المستطاع مضاحكتها، تحدث معنا رغم تعبه”.
وفي سياقٍ آخر، أطلقت العائلة حملة للمطالبة بالأفراج عن وليد من سجون الاحتلال الإسرائيلي، وعن ذلك تقول سناء: “من حقّ وليد، وكافة الأسرى العيش مع عائلاتهم”.
وأردفت أنّها تسعى لـ”تضافر الجهود العائلية والحقوقية والرسمية للإفراج عن وليد، وعن كافة الأسرى، خاصة المرضى منهم”.
وقالت: “من أبجديات أي شعب يحترم قيمة الإنسان والمناضلين العمل للإفراج عنهم من السجون.. من غير المعقول أن يبقى شبابنا في السجون، ويمرضون وحتى يستشهدون داخل الزنازين”.
وأشارت إلى أنّ زوجها تعرّض لإهمال طبي متعمّد من قِبل سلطات الاحتلال الإسرائيلي، خلال سنوات اعتقاله”.
يمكن القول إنّ وليد دقة، برفضه حياة الهوامش تحت شرطية الاحتلال الإسرائيلي، بميلاده النضالي تأثّراً بمجزرة صبرا وشاتيلا، بإنتاجه الأدبي المقاوم خلال 37 عاماً من الأسر، وصولاً إلى آخر المعارك التي يخوضها الآن، ببقية ما ترك له السرطان، بحثاً عن لحظة يقضيها بين عائلته غير مقيّد.. هو السيرة المضادّة للدور الوظيفي الذي أراد الاحتلال تنميطه، بشعار “اقتل العربي من الداخل”، في أولئك الذين لم تستطع قتلهم أو تهجيرهم خلال النكبة. (٥)
*المصادر المتعلقة
وسوم :
الأسرى الفلسطينيون, الأسير وليد دقة, الاحتلال الإسرائيلي, الاعتقال الإداري, الزمن الموازي, المفكّر المشتبك, المفكّر وليد دقة, النضال الفلسطيني, جرائم الاحتلال, سجون الاحتلال, صمود, فلسطين المحتلة, منى العمري, نادي الأسير الفلسطيني, نكبة فلسطين