البحيصي لـ”صمود”: “حماس” خارج محور المقاومة وشعبنا الفلسطيني غير منخرط بالعمل المقاوم بشكل يتناسب مع حجم وخطورة ما يجري (الجزء الأول)
مايو 29, 2023 11:22 ص*صمود – سنان حسن:
شكلت معركة ثأر الأحرار التي خاضتها المقاومة الفلسطينية في قطاع غزة نقلة جديدة في تاريخ الصراع مع العدو الإسرائيلي والتي تجلّت في الإرادات التي أظهرتها المقاومة في الوحدة والتماسك على الرغم من كل محاولات العدو بث الفتنة في صفوفها. ولتسليط الضوء على ما جرى في فلسطين إبان “ثأر الأحرار” وغيرها من القضايا الساخنة في الضفة الغربية والقدس أجرى موقع “صمود” حواراً شاملا، من جزئين، مع رئيس جمعية الصداقة الإيرانية – الفلسطينية الباحث والكاتب الدكتور محمد البحيصي.
“صمود”: بداية، كيف تنظر إلى ما جرى في معركة ثأر الأحرار التي خاضتها المقاومة في غزة، هل قدّمت شيئاً جديداً للمقاومة وما تأثيرها على النضال الفلسطيني ككل؟.
**البحيصي: “معركة ثأر الأحرار نضعها كحلقة في سلسلة حلقات المواجهة بين الشعب الفلسطيني والكيان الصهيوني والتي تمتد إلى عقود طويلة.. وإن كانت قد أتت في مرحلة أكثر حساسية إلا أنّها لا تعدو كونها أحد المعارك التي خاضها الشعب الفلسطيني ومقاومته في مواجهة المشروع الصهيوني الذي يرى في صراعه مع الحركة الوطنية الفلسطينية صراعاً وجوديا.
ولهذا نحن لا نتحدث عن حرب كبيرة ولا عن حرب شاملة ولكن نتحدث عن معركة تلعب فيها الإرادة الدور الأساس أكثر من كونها معركة معدات وقدرات حربية مجردة.. ذلك أنّ الاحتلال راهن على تحييد غزة في مرحلة من المراحل بعد أن انسحب منها عام 2005 وحاصرها، ووقعت غزة بين فكي كماشة “إسرائيل” والنظام المصري، وتمّت المراهنات على أنّ المقاومة فيها ممكن أن تغرق في مشاكلها الداخلية وعدم قدرتها على إدارة القطاع من جهة والضغط الشعبي الذي كان مطلوب منه أن ينفجر بوجه المقاومة نظراً للظروف الاقتصادية والظروف المعيشية للناس والتضييق عليهم في كل شيء.. وتبيّن بعد ذلك أنّ الرهان كان خاسراً واستطاعت المقاومة بدعم الإخوة الحلفاء في سوريا وإيران وحزب الله أن تجعل من غزة قاعدة ثورية للمقاومة إلى الحد الذي باتت تُسمّى فيه “الجبهة الجنوبية” في عقيدة الأمن القومي الإسرائيلي”.
تحييد الضفة على حساب غزة
وعن مسألة المقاومة المتصاعدة في الضفة المحتلة ومحاولات العدو تحييدها والتركيز على غزة، قال البحيصي: “راهن العدو على تحييد الضفة الغربية من جهة الاحتلال المباشر لها، ومن جهة ثانية وجود السلطة الفلسطينية التي تمارس دور القبضة الأمنية الثقيلة من خلال التنسيق الأمني ومن خلال إغراق الضفة الغربية في ما يمكن أن نسمّيه نسبياً ازدهاراً إقتصادياً من انفتاح العمالة على “إسرائيل” واستقبالها مليارات الدولارات من الدول المانحة وجمعيات الـ NGOS، وبالتالي يمكن لهذه المسائل مجتمعةً أن تباعد بين الضفة والمقاومة في غزة، دون أن نغفل العزل الجغرافي بين الضفة وغزة وهذا الرهان أيضاً قد خسر، فالمقاومة في الضفة الغربية ولا سيما منذ عام 2015 تشهد حراكاً يتمدد ويأخذ أشكالاً مختلفة بات من الصعب على العدو أن يضبطها ولا حتى السلطة قادرة على ضبطها، وبالتالي رأى الكيان الصهيوني أن يضرب هذه المرة في غزة بمقابل التصعيد الحاصل في الضفة الغربية، لأنّه يعتقد أنّ رأس المقاومة في غزة، أما الضفة فلا زالت في مرحلة نهوض ولم يُصلّب عودها.. لهذا اعتقد العدو من خلال ضرب القيادات العسكرية الميدانية المهمة التي تلعب دور الاستنهاض للعمل المسلح في الضفة يمكن أن يحقّق مكسباً في هذه الجولة، بدون أن يدخل حرباً واسعة بسبب أوضاعه الداخلية من جهة، ولأنّه لا يريد أن يدخل الكل الفلسطيني (غزة والضفة والقدس والـ48) في المعركة كما حدث في معركة سيف القدس، من جهة أخرى.
من هنا كانت معركة ثأر الأحرار بمقدار ما هي إحدى جولات الصراع مع الاحتلال إلا أنّها كشفت أيضاً عن ضعف العدو من جهة وعن قدرة حركة الجهاد المتصاعدة من جهة أخرى”.
*”صمود”: أرست معركة ثأر الأحرار معادلة جديدة في الصراع مع العدو، كيف تقرأ نتائجها من بوابة الردع الإسرائيلي؟.
**البحيصي: “كشفت “ثأر الأحرار” عن ضعف قوة الردع لدى العدو الصهيوني، فجيشه كان مؤسَّساً ليخوض حرباً شاملة على كل الجبهات (المصرية السورية اللبنانية الأردنية والفلسطينية)، بل أبعد من هذا هو يهدد إيران، وكان يعتبر أنّ ذراعه الطويلة ممكن أن تصل إلي أي مكان حتى لو استدعى الأمر أن يخوض الحرب في كل الساحات دفعة واحدة وأن يحسم المعركة لصالحه كما حدث في حرب الـ67، ولكن منذ العام 2000 انكفأ هذا الجيش ولم يعد قادراً على خوض معركة على أكثر من جبهة في آن، وبات يتحدث عن فصل الجبهات بمعنى أنّه يخوض معركة في غزة ولكن ليس في غزة وجنوب لبنان معاً وهذا إن دلّ على شيء فإنّه يدل على تراجع قدرة الجيش الدفاعية وليست هذه السياسة برغبة العدو وإنّما مرغم عليها”.
*”صمود”: ما هدف العدو الصهيوني من تحييد حركة حماس والاستفراد بـ”الجهاد الإسلامي” في عدوانه الأخير على غزة؟.
وهنا، عندما نقول إنّ العدو ضَعُف فلا يتخيل أحدٌ أنّه بات هشّاً إلى درجة الانكسار ولكن بمقاييس ما كنّا نعرف عن “إسرائيل” في الـ48 والـ56 والـ67 وحتى الـ73.. تغيّر الوضع ويجب أن ندرك أنّ هناك إنجازاً كبيراً حقّقته المقاومة في الوقت الذي يعاني فيه الجيش الإسرائيلي بما يحمل من رمزية مهمة في تاريخ هذا الكيان، حيث أنّه وبخلاف كل جيوش العالم، هو الكيان وهو الشعب وهو المستوطنون”.
تعاظم قوة المقاومة
وعن تعاظم قوى فصائل المقاومة الفلسطينية ومآلات “ثأر الأحرار”، قال البحيصي: “كشفت معركة ثأر الأحرار عن قوة وقدرة المقاومة وعلى رأسها حركة الجهاد الإسلامي التي دخلت قبل عام معركة وحدة الساحات وما بعدها، وقبلها معركة سيف القدس واليوم “ثأر الأحرار”.. ثلاثة معارك خاضتها حركة الجهاد منفردة، هذا يعني أنّ الحركة قادرة على ترميم قدراتها، وهي أيضاً تكسب كل يوم جمهوراً جديداً وكل يوم تُثبت أنّها حركة عصية على الانكسار بما تحمله من معنى وطنياً كبيراً وبمرجعيتها الأخلاقية والإسلامية.
وبالتالي، أستطيع القول إنّ هذه المعركة هي معركة الشعب الفلسطيني الذي التف حول مقاومته وحركة الجهاد جزء منه وما جرى هو استفتاء على خيار المقاومة وانخراط الشعب الفلسطيني في مشروع المقاومة، ولو لم يكن الفلسطينيون في غزة والضفة مع هذه الحركة لما كان لها أن تصمد”.
جذر واحد ولكن!
*”صمود”: هل كشفت معركة ثأر الأحرار عن انقسام بين فصائل المقاومة الفلسطينية (الجهاد وحماس) تحديدا؟.
**البحيصي: “الحقيقة أنّه بالبعد التاريخي ليس هناك انقسام في الجذر المعتقدي بين الحركتين (كلاهما من جذر إسلامي) ولكن هناك تباينات في الرؤية وتقدير الموقف وتحديد الأولويات، وتقييم الأمور وقراءة المشهد الفلسطيني، العربي، الإقليمي والعالمي، وهذا التباين قائم منذ أن نشأت حركة الجهاد وتبعتها حركة حماس، وكنّا نعتبر أنّه لا اختلاف بينهما ويجب أن يندمجا في فصيل واحد، لكن على صعيد معركة ثأر الأحرار حاول الكيان الإسرائيلي استبعاد “حماس” من المعركة والاستفراد بـ”الجهاد”.
وهنا أقول بكل تجرد وأمانة، إنّه ما كان يمكن لحركة الجهاد أن تخوض المعركة بدون موافقة “حماس” لأنّ “حماس” هي السلطة في غزة شئنا أم أبينا، وما كان لحركة حماس القدرة على أن ترغم حركة الجهاد على عدم خوض المعركة، المعادلة صعبة”.
معادلات “حماس” في الصراع
ويضيف البحيصي: “حركة حماس غير قادرة على منع “الجهاد” من خوض المعركة لأنّ ذلك فيه انعكاس سلبي على صورتها في الساحة الفلسطينية، وهي تعلم أنّ المزاج الفلسطيني مع المقاومة ومع الرد ومع الدخول في المعركة ولو لساعة واحدة ولكنّها أيضاً بحكم واقعها السلطوي وحكم تشابكها مع جملة من المشاريع في المنطقة ومن القوى والأنظمة وقراءتها للمستقبل ليست بصدد الدخول في المعركة.. حاولت “حماس” أن توازن فسمحت للجهاد دخول المعركة ومن جهة أخرى أرسلت رسائل إلى المحيط العربي وغير العربي بأنّها لم تدخل المعركة لطمأنة هذا الفريق أو ذاك سواء الفريق القطري أو التركي، وحتى الإسرائيلي”.
عين “حماس” على تعاظم قوة “الجهاد”
ويستطرد البحيصي: “بالتالي، حاولت “حماس” أن تكون، ولا تكون، لكنّ “عينها” بقيت على حصاد ما تزرعه “الجهاد” في المعركة وهي وإن كانت الغائب الحاضر إلا أنّه لا يسعدها كثيراً أن تكون حركة الجهاد هي الرقم الأول على صعيد المواجهة والمجابهة، ولا يسعدها هذا الالتفاف الجماهيري الكبير على حركة الجهاد.. وهذا من طبيعة حركة حماس ولذا لم تدخل في شراكة حقيقية مع أي فصيل في التاريخ، فالذي يحكم العلاقة بين “حماس” وباقي الفصائل الموجودة على الساحة هي القاعدة العددية بمعنى (المحاصصة)، فهي غالباً ما تؤكّد على أنّها الفصيل الأكبر وبالتالي إذا أرادت أن تدخل في المجلس الوطني الفلسطيني يجب أن يكون لها العدد كذا من الأعضاء، على سبيل المثال.. فهي ليست بذاك الفصيل الذي يمكن أن يتنازل لغيره حتى في قاعدة الشراكة، لذلك لم ينجحوا في بناء أي شراكة حقيقية حتى مع أقرب الفصائل وهي حركة الجهاد على اعتبار أن الخلفية واحدة (إسلامية). أيضاً في هذه المعركة، هي لا تسمح بسهولة تمرير أن تصبح “الجهاد” نجمة ساحة الموقف ولهذا كانت “حماس” الحاضر الغائب. في حين كان خطاب “الجهاد” واعياً في المعركة حيث أدرك اللعبة التي أرادها العدو وأدرك الضرورات التي تحكم حركة حماس وهي ضرورات أقرب إلى ضرورات السلطة لأنّها تمارس السلطة عمليا. لذا، كان خطاب “الجهاد” وحدوياً وحريصاً على وحدة الساحات وتماسك الجبهة الداخلية والتي راهن العدو على تفكّكها وتفسّخها وعلى نشوء الخلاف بين فصائلها”.
*”صمود”: هل ثمة تمييز في توزيع الدعم من دول محور المقاومة (إيران مثلا) لحركتي الجهاد وحماس، وغيرهما من فصائل المقاومة؟.
**البحيصي: “معيار إيران في توزيع الدعم لفصائل المقاومة الفلسطينية هو المقاومة بذاتها وهو ما أعلن عنه السيد علي الخامنئي، ولهذا فإنّ التمييز يقع على حجم مسؤولية هذا الفريق أو ذاك. وينبغي أن نعترف بأنّ “حماس” هي الفريق الأكبر في جسم المقاومة الفلسطينية تأتي بعد ذلك حركة الجهاد الأكثر انسجاماً مع نفسها ومع إيران ومحور المقاومة وقدميها أوضح في تموضعها في محور المقاومة”.
“حماس” ليست في محور المقاومة
ويعقّب البحيصي: “في حين أنّ حركة حماس تجد حساسية في الحديث عن محور المقاومة وتتجنّب أحياناً كثيرة التحدّث عن هذا المحور بسبب كونها، في ذات الوقت، شريكاً في محاور أخرى، لذلك لا يمكن أن تُحسب على محور المقاومة، وهي أيضاً صادقة في هذا عندما لا تضع نفسها في المحور فهي تضع قدماً هنا وقدماً هناك، وهي تتكلم عن مشروع مقاومة وليس عن محور، لأنّ مشروع المقاومة يعوّم مفهوم المحور وله دلالة أخرى مختلفة. فعندما نتكلم عن محور يجب أن تتحدث عن مكونات المحور وبرنامج مشترك واحد، وعندما نتكلم عن مشروع فليس هناك من ضابط لكلمة مشروع.. المحور قريب من مصطلح جبهة، ولهذا نجد “حماس” حريصة في حديثها عن محور المقاومة، وبمقدار ما هي قريبة من إيران هي قريبة من تركيا ومن قطر ولديها استعداد لتكون قريبة من كلٍّ من السعودية ومصر والبحرين والإمارات، ولهذا لا نستطيع القول إنّ “حماس” في محور المقاومة. بخلاف “الجهاد” التي هي منخرطة في محور المقاومة ومنسجمة مع نفسها في التعبير عن ذلك”.
سوريا داعم رئيسي للمقاومة
وعن موضوع الدعم السوري للمقاومة، يرى البحيصي أنّ “حركة حماس اعتقدت في لحظة من اللحظات أنّها هي المقاومة، وبأنّ المقاومة بدون فلسطين تظل ناقصة إن لم يكن أكثر من ذلك. على كلٍّ الإخوة في إيران يقدّمون أشكالاً من الدعم للجميع، والإخوة في سوريا يقدّمون أشكالاً مختلفة من الدعم للجميع أيضا، وهي تحتضن كل فصائل المقاومة، وتعطي غطاءً سياسياً لكل المقاومين، سوريا فتحت أرضها للتدريب فكل الذين يخرجون من الأرض المحتلة يمرون على سوريا، بمعنى أنّ سوريا شريك حقيقي في دعم قدرات المقاومة وبالتالي أشكال العطاء تختلف: حزب الله له شكل، إيران لها شكل، وسوريا لها شكل. أما الدعم المالي المباشر، فلا شك أنّ لـ”حماس” (وهذا باعتراف قادتها وباعتراف الأخ زياد النخالة) نصيب الأسد من المساعدات الإيرانية لأنّ لديها مسؤوليات أكبر على الساحة الفلسطينية بحكم حجمها الكبير”.
دعم ساحة الخارج ضرورة ملحة
وعن فلسطينيي الشتات وأشكال المقاومة وضرورة دعمها، يقول البحيصي: “تحتاج الساحة الفلسطينية إلى دعم أكثر، وأنا من الذين يقولون بأنّ حركة الجهاد تحديداً -كحركة أكثر وضوحاً في تبنّيها لمحور المقاومة- تحتاج إلى دعم أكبر، وأن لا يقتصر الدعم على شعبنا في الداخل، فشعبنا في الخارج يحتاج إلى دعم كبير، لأنّنا حين نتحدث عن وحدة الساحات، فإنّ الساحة الفلسطينية في الخارج هي الضلع الرابع في الساحات الفلسطينية، (بعد غزة والضفة والقدس والـ48) والضلع الرابع هو الخارج الفلسطيني الذي يجب الالتفات إليه لأنّه جزء أصيل في المعركة، وهنا أسجل ملاحظة وهي أنّ مجمل الفصائل لا تعطي لهذا البعد الرابع ما يستحق ولا يطلبون حتى من الأصدقاء أن يعطوا هذا الضلع ما يستحق، وبرأيي هذه ثغرة يجب أن تُسد”.
المرأة الفلسطينية رمز لا يمكن إسقاطه
“صمود”: كيف ترى تعاظم العمل المقاوم في الضفة الغربية، هل يجوز القول إنّنا في مرحلة تستطيع المقاومة تغيير المعادلات؟.
**البحيصي: “إنّ العمل المقاوم في الضفة له أشكال ثلاث:
الشكل الأول هو العمليات الفردية، الشكل الثاني هو الكتائب العسكرية والشكل الثالث هو المقاومة المجتمعية التي تتمظهر في هذا الصمود الأسطوري لمدن ومخيّمات الضفة والقدس والتي تمثّل المرأة الفلسطينية رمزه ومثله الأعلى. ونحن نتكلم عن الفدائي أو الشهيد أو الأسير يجب أن لا نغفل عن تلك الوالدة التي ربّت هذا الفدائي وذاك البيت الذي احتضنه.. وبعد استشهاده قدّم نموذجاً لم يُحيي به الشعب الفلسطيني فقط، وإنّما أحيا الأمة جمعاء”.
العمليات الفردية الخيار الأمثل
وعن العمليات الفردية، يضيف البحيصي: “أنا أميل للعمل الفردي ولا أحبّذ العمل من خلال أطر يمكن أن تمثّل أهدافاً كبيرة للعدو لا سيما وأنّ المقاومون يعيش تحت الاحتلال المباشر والقدرات الاستخباراتية الخارقة للأجهزة الأمنية الصهيونية من خلال متابعة الاتصالات عبر العملاء والرصد والملاحقة والتنسيق الأمني مع السلطة الفلسطينية سواء داخل فلسطين أو خارجها.. يضع أمام العمل بأطره الواسعة -خارج حدود الفرد الواحد- ألف معوق، لهذا أقول: يا إخوان، أيها القائمون على هذا الأمر بعد سنتين أو أكثر من الإعلان عن تشكيل هذه الكتائب بهذا الحجم سواء في جنين أو نابلس، تعالوا نعمل جردة حساب لنرَ أي الطريقتين أمثل وأنكى للعدو والأكثر تأثيراً على أمن الاستيطان الذي يستشري في الضفة، والأكثر إثارة لروح الشعب، وبكل تجرد إذا تبيّن لنا أنّ الكتائب تلعب هذا الدور فلتتوسع، وإذا تبيّن أنّ العمليات الفردية تقوم بهذا الدور فلندعمها أكثر”.
الشهداء رأس مال الشعب الفلسطيني
يقول د. محمد البحيصي: “لا يكفي أن نكون فرحين أنّ لدينا كتائب، فهذه الكتائب تقدّم شهداء كل يوم. نحن نعتز بالشهداء وهم روح الشعب وروح الأمة، ولكن أيضاً هؤلاء الشهداء أغلى ما عندنا ورأس مال الشعب الفلسطيني، ويجب أن نضعه في المكان الصحيح، وبالتالي ما نفتخر به هو أنّ مقاومتنا في الضفة باتت أكبر، بالمقابل، أرى أنّه ليس عيباً أن نغيّر أو نطوّر أشكال المقاومة”.
مقولة معادلات المعركة خدمة للعدو
وعن المصطلحات المتداولة المتعلقة بمعادلات الصراع وقواعد الاشتباك، يشرح البحيصي: “أنا لست خبيراً عسكرياً للحديث عن قواعد الاشتباك المتفق عليها ضمناً مع العدو الإسرائيلي والتي نسمّيها معادلة أو أي تسمية أخرى.. هذه الأمور تخدم العدو ولا تخدمنا كمقاومة، أنا لا أوافق عليها أبدا، لماذا؟، لأنّنا نرسم حدوداً للصراع بيننا وبين العدو، وفي ظل الإمكانيات المجردة نحن لا نمثّل شيئاً أمام هذا العدو، وبمقدار تعاطي العدو أو مناورته للبقاء في هذه المعادلات، هو يخدم نفسه أما المقاومة فلا تخدم نفسها”.
الغموض سيد الموقف
ويضيف: “الإسرائيلي لا يلتزم بأية معادلة مهما كانت، فمتى سنحت له فرصة يغير كل شيء وكأنّ شيئاً لم يكن، وهذا رأيناه في معركة ثأر الأحرار وعملية اغتيال القادة العسكريين وقتل الشيخ خضر عدنان، وبالتالي يصبح علينا أن نلتزم بهذه المعادلة. أنا أؤمن بأن يكون الغموض في العلاقة مع العدو هو السيد، لهذا نحن لا نفرح عندما نقول أنّنا استطعنا أن نُثبّت (معادلة الردع)، هذا كلام برأيي المتواضع يجعل ظهورنا مكشوفة للعدو وخطتنا الميدانية مكشوفة، كما أنّ معادلاتنا التي نتحرك فيها بالميدان باتت مدروسة بالنسبة للعدو. بينما أصل الأصول في كل المعارك هو المباغتة والمفاجئة والخداع وخاصة معركة الضعيف، فالضعيف يتسلح بالعتمة والتواري عن العدو ولا يظهر جسمه ولا بنيته ولا أفكاره، حتى الجيوش الكبيرة تمارس الخداع ولا تتحدث عن معادلات واضحة ومكشوفة.. لهذا أنا لست مع الشعارات التي يرفعها الناطقون الرسميون بعد كل جولة من الصراع، وقد أكدت ذلك بعد معركة ثأر الأحرار أن لا تحدثوننا عن شروط ولا معادلات فرضتها المقاومة، بل قولوا لي أمراً واحدا: خضنا معركة وأوقفنا إطلاق النار والآن استراحة المحارب للمعركة الثانية، لا نتكلم عن شروط ومعادلات، فنحن لسنا قادرين على أن نُلزم العدو بها ولا أية جهة، تدّعي أنّها وسيط، قادرة على إلزامه، هذه المعادلات يمكن أن تكون بين دولتين، بين جيشين، لكن بين حركة تحرّر تحت الاحتلال ومع الاحتلال، أنا أرى هذا خطأ ويجب أن نتجنّبه. في معركة وحدة الساحات دخل المصريون على خط الوساط،ة وكان الحديث عن إطلاق سراح الأسيرين: الشيخ بسّام السعدي وخليل العووادة، وبناء على ذلك توقفت المعركة، لكن لا الشيخ بسّام ولا العووادة خرجا من السجن. والأدهى أنّنا أمام حكومة إسرائيلية لا يمكن أن تقدّم تنازلاً واحداً للفلسطينيين وإلا تسقط فورا”.
الاحتلال الثالث للقدس
*”صمود”: في كل ما يجري على أرض فلسطين، تُعدّ المعركة في القدس هي معركة كسر عظم، لماذا كل هذا الصراع حولها؟.
**البحيصي: “هناك اتفاق بين الكتل والأحزاب الإسرائيلية على أنّ القدس عاصمة “إسرائيل” الأبدية، لكن مشكلتهم تكمن بالعقبة الديمغرافية أولا، وقدسية المدينة ثانيا، ولهذا يمكن التأكيد على أنّ حكومة الاحتلال الحالية هي حكومة استكمال احتلال القدس بعد الاحتلال الأول في الـ1948، والاحتلال الثاني في الـ1967، أما الاحتلال الثالث فيتمّ العمل عليه اليوم والمطلوب منه بسط السيادة الكاملة على القدس ومن يقرأ الأمور غير ذلك يكون مخطئا.
إنّ المتطرفون يقولون اليوم، كيف تدّعون أنّ القدس هي العاصمة الأبدية وأنتم لا تستطيعون أن تخرجوا بمسيرة فيها، وأن تسيروا بأمان في شوارعها، وأنتم لا تستطيعون أن تعقدوا جلسة للحكومة فيها.. لذلك، رأينا عند البحث في لإقرار الموازنة، عقدت الحكومة الإسرائيلية اجتماعها في الأنفاق التي تحت المسجد الأقصى، وربما في المرات القادمة تعقد الحكومة اجتماعاتها في الأقصى نفسه.
وعليه، يمكن القول إنّ هذه الحكومة هي الأكثر التصاقاً بالرؤية اليهودية التلمودية وأكثر انكشافاً على حقيقة المشروع الصهيوني، فهم لا يمارسون النفاق السياسي ولا الدبلوماسية ولا حتى مراعاة الداعم الأول والأساسي لـ”إسرائيل” وهي الولايات المتحدة الأمريكية وشعارات الديمقراطية والليبرالية، هم يؤمنون بأنّهم الشعب الذي خصّه الله بهذه الأرض وأنّ كل يوم يمر يؤجِّل الوعد الإلهي، وأنّ ظروف المنطقة العربية متاحة اليوم لتحقيق وإنجاز ما عجزت عنه الصهيونية العلمانية، والتي كانت مترددة في ذلك، والتي كانت مستعدة للتخلي عن جزءٍ من أرض فلسطين المحتلة عندما تنازلت في الـ1948 عن الأردن الذي كان يُعدّ جزءاً من “أرض إسرائيل” كما يدّعون. ولهذا رأينا وزير مالية الاحتلال “بتسلئيل سموتريتيش” في زيارته لباريس، تحدّث عن الأردن وخلفه خريطة جغرافية وقال “إنّها جزء من أرض إسرائيل”، وهذا من صلب الأيديولوجيا اليهودية الصهيونية”.
مقاومة نخبوية فقط
ويختتم البحيصي حديثه، في جزئه الأول، لموقع “صمود” بقوله: “إنّ معركة القدس هي المعركة الكبرى، والتي ستفتح الباب واسعا، وربما صحوة فلسطينية أكثر، وهذا ما نشهده اليوم من تطور في العمل المقاوم الفلسطيني لأنّه إلى الآن بعيداً عن كل ما يقال فإنّ شعبنا الفلسطيني غير منخرط بالعمل المقاوم بشكل يتناسب مع حجم وخطورة ما يجري. لا زالت المقاومة نخبوية، عندما نتكلم عن مقاومة فصائل فنحن نتكلم عن مقاومة “نخبة” لأنّ الفصائل تمثّل أقل من 10% من شعب فلسطين إذا بالغنا، ولذلك، نحن بحاجة كفلسطينيين أولا، ومن ثم نستدعي حلفاءنا وأصدقاءنا وشركاءنا إلى المعركة، أن نعيش جو المعركة الوجودية، وهنا لا أستطيع أن أفهم كيف تُجتاح مدينة في الضفة أو مخيّم تقتحمه قوات العدو الإسرائيلي.. ومدينة أخرى ساكنة لا تتحرك، وكأنّ الأمر لا يعنيها، وهذا إن دلّ على شيء فإنّما يدل على أنّ هناك خراب في البنية الفكرية الفلسطينية، وأنّنا لم نصل إلى النضج بعد 75 سنة من الصراع، وهذا لا شك بفضل ما قامت به بعض الفصائل الفلسطينية في الساحة.
وعليه، تُعتبر معركة القدس هي المعركة الأساس، وهي المركزية بالنسبة للإسرائيليين، هم بدأوا بهذه المعركة، ونحن حتى اللحظة لم ننتبه إلى كونها معركة وجودية، فبعد القدس لا وجود لفلسطين، وإذا نجح الإسرائيلي في تمرير مشروعه في القدس وسكت الفلسطينيون والآخرون، عندها فلسطين ستبتعد عنا أكثر وليس العكس، ولكن إذا تنبهنا لمعركة القدس تصبح فلسطين أقرب، لأنّ القدس هي كل فلسطين”.
وسوم :
إيران, التنسيق الأمني, الثورة الفلسطينية, الجبهة الجنوبية, الجهاد الإسلامي, الردع الإسرائيلي, السلطة الفلسطينية, الضفة الغربية, العدوان على غزة, القدس مركزية الصراع, الكيان الصهيوني, المسجد الأقصى, المقاومة الفلسطينية, ثأر الأحرار, جمعية الصداقة الإيرانية - الفلسطينية, حماس, د. محمد البحيصي, سنان حسن, سوريا, صمود, فلسطين المحتلة, محور المقاومة, مقابلة مع البحيصي