كيف نمتّن الخيط بين الجولان وجنين؟

التصنيفات : |
يونيو 24, 2023 9:49 ص

*أحمد حسن

للوهلة الأولى تبدو انتفاضة الجولان السوري المحتل أمراً معتاداً ومكرّراً يتعلق بشأن محلي -وتحديداً مصادرة أراضي الجولانيين لصالح مشروع “عنفات الرياح العملاقة”- وبالتالي ستنتهي مفاعيله بنهاية هذا الحدث، سلباً أم إيجابا، دون أن يترك أثراً ما في مستقبل الصراع الأزلي مع العدو الصهيوني.

والحق، فإنّ لهذا الاعتقاد مبررات عدّة أبرزها أنّ انتفاضة الجولان تكررت مرات عدة خلال المرحلة التي تلت احتلاله، وبغض النظر عن دوافعها المختلفة في كل مرة وعن البطولات الهائلة التي أبداها أهل الجولان إلا أنّ نتائجها لم تتعدّ تحقيق بعض المطالب المحلة المعيشية -دون أن نقلل من شأنها أو شأن استمرار الجولانيين في رفض “الهوية الإسرائيلية” وتمسكهم بهويتهم العربية السورية- وبالطبع فإنّ لهذا أسبابه المعروفة و”المفهومة” منها مثلاً ما يتعلق بعدد السكان القليل في مساحة جغرافية واسعة بتضاريسها الوعرة مما يخلق مصاعب عدة في طريق عمل أي مقاومة مسلحة، ومنها ما يتعلق بالبيئة الاستراتيجية، الإقليمية والدولية، التي لم تكن مؤاتية لأي “فعل” جولاني كبير.

فانتفاضة الجولان الأخيرة، وإن ارتبطت بشأن محلي، إلا أنّها تتميز بأمرين، أولهما أنّ هذا الشأن المحلي يأخذ -نظراً لطبيعة المشروع الإسرائيلي- أبعاداً أخرى تتعلق بوجود الجولانيين ذاتهم

بيد أنّ الواقع يبدو مختلفاً هذه المرة فانتفاضة الجولان الأخيرة، وإن ارتبطت بشأن محلي، إلا أنّها تتميز بأمرين، أولهما أنّ هذا الشأن المحلي يأخذ -نظراً لطبيعة المشروع الإسرائيلي- أبعاداً أخرى تتعلق بوجود الجولانيين ذاتهم، لأنّ مشروع “العنفات”، في جوهره، هو مشروع اقتلاع وتهجير بشري عبر الاستيلاء على الأراضي الزراعية وبالتالي تقويض مقومات الحياة العادية وفقاً لما جرى يجري في كل فلسطين، وثانيهما أنّ “الانتفاضة” تأتي هذه المرة في ظل بيئة دولية متغيّرة يبدو أنّها لا تحفل بحفظ مقعد ثابت لأحد، فكل المقاعد التي اعتدنا على ثباتها نتيجة الحرب العالمية الثانية أصبحت “متخلخلة”.

والجولان، الذي رأى مشهد نهوض فلسطين ومحور المقاومة ووحدة الساحات والجبهات، يبدو وكأنّه وجد فرصته اليوم لينخرط في هذه القضايا كلها

وبالطبع فقد كان لهذا “التخلخل” في البيئة الدولية انعكاساً طبيعياً في الإقليم وكان من أبرز هذه الانعكاسات ما تواجهه “إسرائيل” ذاتها، دوراً ومكانة أيضا، حيث بدأت “تل أبيب”، رغم الضجيج الكلامي العالي، تعي أنّها تخسر، بصورة أو بأخرى، معركة النووي والدور مع طهران، وأنّها تخسر أيضاً ما زرعته في “الاتفاقات الإبراهيمية” التي بدأت تفقد بريقها اللامع، بالتزامن مع ارتفاع حدة الصراع الداخلي بين نخبتها الحاكمة تعبيراً عن انشقاق مجتمعي خطير، وذلك كله ما يفسر لنا هذا السعار الإسرائيلي ضد الفلسطينيين بحثاً عن تعويض ما، لكنّ المصاعب برزت هنا أيضا، الأمر الذ جعل “إسرائيل” تنتقل من مأزق لآخر، ففي ما غزة تبدو أكثر منعة يوماً إثر آخر، وتترسّخ الخطوط الفلسطينية الحمراء في القدس، بدأت الضفة “تتلبنن” في أساليب المقاومة، وأصبحت جنين أكبر من أن تُبلع، والجولان الذي رأى مشهد نهوض فلسطين ومحور المقاومة ووحدة الساحات والجبهات، يبدو وكأنّه وجد فرصته اليوم لينخرط في هذه القضايا كلها، وذلك ما وضع العدو في مأزق مزدوج فهو لا يستطيع التقدم ولا التراجع حتى أنّه لم يعد يملك خيار الانسحاب، سواء في الجولان -وليس منه- لارتباط ذلك بالصراع مع سوريا، موقعاً ودورا، أو في الضفة الغربية التي تشكّل مع القدس مصدر شرعية الكيان عقائديا، وبالتالي لا أحد يجرؤ أصلاً على طرح فكرة التخلي الكامل عنهما.

بيد أنّ ذلك كله أصبح معروفاً ومفهوما، لكنّ النقاش الآن، وخاصة في ظل مفهوم وحدة الساحات والجبهات، يجب أن يجري -وتحديداً بين فواعل محور المقاومة- حول كيفية الاستثمار في انتفاضة الجولانيين ورفع وتيرتها لتحويلها إلى عمل متكامل مع جنين وبقية أنحاء فلسطين، فذلك له متطلباته الضرورية والملحة، وأولها أنّ لا نطلب منهم أكثر مما يقدرون عليه في ظل واقعهم المعروف بشرياً وجغرافيا، والثاني أن نؤمّن لهم الدعم اللوجستي الكامل، و”الحديقة الخلفية” المناسبة، لمدهم بكل أسباب الصمود والمقاومة، والثالث.. والرابع.. وحينها، حينها فقط، سيصبح الخيط الذي يربطهم بجنين حبلاً ثم جبلاً ثم أرض مترامية الأصقاع تاقت للحرية منذ عقود طويلة.

*كاتب سوري