النسر والغراب في حكاية “الأونروا ولجنة الحوار”
يوليو 26, 2023 6:53 ص*حمزة البشتاوي
وسط تخوف وانشغال اللاجئين الفلسطينيين، من ما يمكن تسميته باليوم التالي لما بعد إنهاء وتصفية وكالة غوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين (الأونروا)، جرى تبادل لإطلاق البيانات بين الفصائل الفلسطينية ولجنة الحوار اللبناني الفلسطيني. وترافق هذا التبادل مع تغريدة كتبها سفير دولة فلسطين في لبنان أشرف دبور قال فيها: “الغراب هو الطائر الوحيد الذي يمتلك الجرأة على إزعاج النسر، فيتمكن من الجلوس على ظهره، وينقر على رقبته دون أي ردة فعل من النسر، ويتركه يفعل ما يريد، ويستمر محلقاً في السماء إلى أعلى حيث يصعب على الغراب التنفس، ويكون سقوطه مدوياً دونما أي مجهود”.
ورُبطت هذه التغريدة عن النسر والغراب بتصريح رئيس لجنة الحوار اللبناني الفلسطيني الدكتور باسل الحسن، أثناء اجتماع مؤتمر المشرفين على شؤون الفلسطينيين في الدول المضيفة الذي عُقد في القاهرة حيث قال: “إنّ أزمة الأونروا ليست في وقف التمويل، بل في زيادة الاحتياجات للاجئين الفلسطينيين”، وأضاف الحسن: “الفلسطيني يسيء إلى الأونروا بالتوظيفات والخدمات العشوائية”، وقد أثار هذا التصريح ضجة في الأوساط الفلسطينية التي اعتبرت هذا الكلام مرفوضاً وجاء في غير موقعه، ولا يخدم الحوار اللبناني – الفلسطيني المطلوب لمعالجة قضايا اللاجئين الفلسطينيين في لبنان. واعتبرت أيضاً أنّ هذا الكلام يتعارض مع مهام لجنة الحوار التي تشكّلت عام 2005 كلجنة رسمية إستشارية تُنسّق وتُصدر التوصيات بما يخدم تحسين الأوضاع الإنسانية الصعبة والمأساوية في المخيمّات، وليس التعاطي مع قضايا الحوار اللبناني – الفلسطيني بصفته جمعية أهلية تتواصل مع الحراكات الشبابية والمجتمع المحلي على حساب الحوار الحقيقي المطلوب مع الفصائل والمرجعيات الفلسطينية.
وقد ضاق اللاجئون الفلسطينيون وعيشهم من التصريحات التي تُشبه غراب البين وتزيد من معاناتهم ومنها قول المفوض العام للوكالة فيليب لازاريني بأنّ “الأونروا” تواجه تهديداً وجوديا، ثم قوله بأنّ “الأونروا” لن يكون لديها تمويل أو موارد اعتباراً من شهر أيلول/ سبتمبر المقبل لمواصلة تشغيل مدارسها، وأنّ الموارد اللازمة للعمل في المراكز الصحية والخدمات الحيوية الأخرى آخذة بالنفاذ، وتأكيده في اجتماع بيروت والقاهرة على أنّ “الأونروا تواجه اليوم أسوء أزمة مالية في تاريخها”.
ويُضاف إلى هذا الكلام تصريحات الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريش التي قال فيها: “إنّ الأونروا ستدخل في عجز كبير بحال لم تدفع الدول المانحة، كما أنّها على وشك الإنهيار المالي”.
وتترافق هذه التصريحات مع تجاهل من قِبل المجتمع الدولي لنداءات الإستغاثة التي تُطلقها الوكالة، مع التقدير بأنّ هذا التجاهل سيؤدي إلى حصول نتائج كارثية لن تكون محصورة بالشأن الإنساني فقط، ولن يطال الضرر مصير ومستقبل اللاجئين الفلسطينيين وحدهم، بل إنّ الجميع سوف يتحمل مسؤولية هذا الضرر وانعكاسته السلبية على حياة اللاجئين الفلسطينيين وقضيتهم التي نشأت بسبب الاحتلال والتهجير القسري من أرضهم وديارهم.
وستبقى حكاية “النسر والغراب” مستمرة، وكذلك المحاولات الأمريكية والإسرائيلية التي تستهدف “الأونروا” ودورها وخدماتها، وبصفتها الشاهد الأممي الوحيد على نكبة الشعب الفلسطيني منذ العام 1948.
و يتخوف اللاجئون الفلسطينيون في لبنان من تصاعد سلبي في حكاية (الأونروا ولجنة الحوار)، وهذا ما قد تستفيد منه أطراف عدة لنقل وتحويل صلاحيات ودور الوكالة إلى منظمات دولية أخرى، لشطب حقّ العودة وتصفية القضية الفلسطينية، وهذا ما سعت إليه وفشلت في تحقيقه إدارة الرئيس الأمريكي السابق دونالد ترامب.
كما أنّ الفلسطينيين يخافون على “الأونروا” ومسألة بقائها من قيود وشروط التمويل التي وافقت عليها “الأونروا” نفسها في اتفاق الإطار الموقَّع مع الولايات المتحدة، ويخافون عليها أيضاً من الخذلان الذي تتعرّض له من قِبل المانحين، ومن سياسة الهدر والإرتهان للراغبين بالتضييق على الفلسطينيين والإستثمار في ظروفهم وأوضاعهم المأساوية الصعبة.
لذلك، لا بد من إيجاد موازنة ثابتة لـ”الأونروا” كي تستطيع تلبية إحتياجات اللاجئين الفلسطينيين لحين إنجاز العودة، وهذه الموازنة الثابتة وإنهاء العجز المالي، يمنع أو يحد من المحاولات المنهجية المستمرة التي باتت اليوم تستهدف نزع الشرعية عن الوكالة ودورها ومسؤولياتها تجاه قضية اللاجئين الفلسطينيين.
و يتخوفون أيضاً من محاولات تفكيك “الأونروا” ومحاصرة اللاجئ الفلسطيني إقتصادياً وإجتماعياً وصحياً وتربويا.. وهذا يخدم مقولة آرييل شارون المشرف والمنفّذ لأكثر من مجزرة ارتُكبت بحقّ الشعب الفلسطيني وهي: “إنّ الفلسطيني الجيد هو الفلسطيني الميت”.
ومن أجل كسر هذا الخوف من “الأونروا” وعليها، يجب أن تخصص الأمم المتحدة موازنة ثابتة من الصندوق الإقتصادي والإجتماعي التابع لها، أو أن تعلن -وهذا إقتراح يمكن تطبيقه- عن أنّ اليوم العالمي للتضامن مع الشعب الفلسطيني الذي تُحييه الأمم المتحدة في التاسع والعشرين من شهر تشرين الثاني/ نوفمبر، يوماً عالمياً لجمع التبرعات من الدول والمنظمات والأفراد لتوفير الميزانية الكافية والضرورية لعمل “الأونروا”، وهذا إن تحقّق، كفيل بأن يساهم بإنهاء العجز والخوف والقلق، ولكن ما يريده الكثيرون، هو أن يبقى الفلسطينيون على قلق وكأنّ الريح تحتهم.
*كاتب وإعلامي
وسوم :
أزمة التمويل, الأمم المتحدة, الأونروا, الاحتلال الإسرائيلي, الشتات الفلسطيني, الفلسطيني الجيد, اللاجئون الفلسطينيون, حقّ العودة, حكاية النسر والغراب, حمزة البشتاوي, خدمات الأونروا, صمود, فلسطين المحتلة, فيليب لازاريني, لبنان, لجنة الحوار الفلسطيني - اللبناني