شهادات ناجين من “صبرا وشاتيلا”: الرواية الأصلية للإبادة الجامعية

التصنيفات : |
سبتمبر 16, 2023 6:00 ص

*وفيق هوّاري – صمود:

في الذكرى الـ41 على حدوث مجزرة صبرا وشاتيلا، ينفرد موقع صمود بعرض شهادات لعدد من الناجين من المجزرة المهولة، والتي تركت ندبات لا تزال حية في ذاكرة الفلسطينيين واللبنانيين على امتداد الزمن.

وقد ارتكبت مجموعات لبنانية مسلحة من جيش لبنان الجنوبي (سعد حداد) ومن القوات اللبنانية -بتخطيط وإشراف من قوات الاحتلال الاسرائيلي- في الفترة الممتدة ما بين بعد ظهر الخميس 15 أيلول/ سبتمبر 1982 وحتى مساء الأحد 18 أيلول/ سبتمبر 1982، راح ضحية المجزرة آلاف من الفلسطينيين واللبنانيين ومن جنسيات أخرى، لكنّ العدد الفعلي والدقيق للضحايا لم يُعرف حتى اليوم.
وفي العام 1993، أصدرت الدولة البلجيكية قانوناً تمّ تدعيمه عام 1999 بأنّه لا يوجد ما يمنع ملاحقة أشخاص ارتكبوا جرائم ضد الإنسانية، ولما كان أرييل شارون ضابطاً في جيش الاحتلال عام 1982، ولما كانت حصانته لا تدوم مدى الحياة، تقدّمت اللجنة المناهضة للإرهاب، ولمعاقبة “شارون” والتي كان يمثّلها آنذاك رمضان أبو جزر بدعوى ضد “شارون” من خلال المحامي البلجيكي مهدي عباس المقيم في بروكسل/ بلجيكا في 1060 ساحة موريس فان مينان 14، وذلك أمام المحكمة الجزائية ضد “شارون” وضد كل الأشخاص الذين يتبيّن تورطهم بارتكاب مجزرة صبرا وشاتيلا.
وقد استندت الدعوى التي أُقيمت أواخر عام 2001، إلى شهادات عدد من الناجيات والناجين من المجزرة، نحاول اليوم نشر بعض هذه الشهادات التي حصل عليها موقع صمود من خلال لقاءات طالت الأشخاص المعنيين.

نص الدعوى القضائية المقدمة من المحامي البلجيكي محمود عباس ضد شارون والأشخاص المتورطين بالمجزرة (صمود)


شهادة ناجية: قتلوا أبي أمامنا

تقول جميلة.خ وهي فلسطينية من مواليد عام 1966، وقد فقدت والدها محمد في المجزرة: “عند الرابعة من بعد ظهر الخميس 15 أيلول/ سبتمبر، كنّا في شاتيلا، وكان الجنود الإسرائيليون عند المدينة الرياضية، بعد قليل بدأ القصف، انتظرنا قليلاً علّه يتوقف، ذهبنا إلى بيت الجيران للاختباء، نظرت إلى الجانب الغربي عبر الشباك، ورأيت عدداً كبيراً من المسلحين يتجهون بسرعة نحونا، وبلحظات صاروا بالقرب من البناية حيث نختبئ، كنّا كثر، وصرنا نصرخ (هجموا اليهود علينا) وصاروا يشتموننا، أقفلنا المداخل وهربنا من الأبواب الخلفية إلى أحد الملاجىء، الذي كان يعج بالناس المدنيين، بعد قليل، صاروا ينادون بالمكبّر “سلموا، تسلموا” كانوا يتكلمون العربية وبلهجة لبنانية، علمنا أنّهم من القوات اللبنانية.
حملنا راية بيضاء وخرجنا من الملجأ، لكنّ والدي صرخ: لا تسلموا، سيقتلوننا. قلت له: لا تخاف تعال معنا.
جرّوا النساء والأولاد من جهة والرجال حاولوا جمعهم على حدة، حاول والدي الهرب، أطلقوا النار عليه وقتلوه أمام أمي وأختي الصغيرة. أجبرونا على السير باتجاه آخر، كانت معنا جارتنا وكانت مصابة وتنزف، هربنا سوية باتجاه داخل المخيّم، واتجهنا نحو مستشفى غزة، لحقوا بنا، لكن استطعنا الفرار باتجاه منطقة الطريق الجديدة، وبعد انتهاء المجزرة، رجعنا وشاهدنا الجثث، وبينها جثة ابن جيراننا سمير، وقيل لنا إنّهم وضعوا قنابل مفخخة داخل أكوام الجثث”.

شهادة وفاة والد جميلة (صمود)


شهادة ناجية ثانية: ذبحوا الأطفال بالبلطات

تقول الناجية سمر أ. ح: “أنا فلسطينية من مواليد شاتيلا عام 1965، عندما حصل الاجتياح كان عمري 17 عاما، كنّا نسكن في حارة الناعمة، لكنّ شدة القصف دفعتنا للعودة إلى منزلنا في مخيّم شاتيلا، وكان لوالدي محلات هناك. وخلال فترة الحصار فقدنا شقيق لي وقُتل آخر.
يوم الخميس، كنت أساعد والدي بترتيب البضاعة في المحلات بعد أن علمنا أنّ المحلات تعرّضت للسرقة.
رأيت آليات إسرائيلية في محيط السفارة الكويتية، ومسلحين يمرون في حي عرسال باتجاه المخيّم.
بدأ المسلحون بإطلاق النار علينا بكثافة، طلب والدي أن نعود الى المنزل، كان هناك عدد من الشباب قرب المنزل، أخبرناهم بما يحصل، وبأنّ الاسرائيليين في طريقهم لاجتياح المخيّم، أطلقوا النار على خالي الذي قُتل أمامي. هربنا إلى داخل المنزل، بقينا هناك إلى صباح الجمعة، كان منزل جدي خلفنا، كنّا نتحدث معهم من الشباك.

نادى المسلحون على أخوالي بالأسماء وكأنّهم يعرفونهم، دخلوا عليهم وربطوا أياديهم، أشار لي أحد أخوالي بالهرب، انتبهوا له، اتجهوا نحو منزلنا، خلعوا الباب، وامسكوا بأخي الصغير، حاول والدي التدخل أخبرهم أنّه تاجر ولا علاقة له بالسلاح، وأنّه يحمل الجنسيتين الفلسطينية واللبنانية، سلبوه شنطة “سامسونايت” تحوي أموالا، وأوراقاً تجارية، وسلبوا سلسال ذهب من عنق شقيقي الرضيع البالغ من العمر ثلاثة أشهر، وأخذوا مني الأساور التي ألبسها مع الحلق، كانوا يحملون بلطات، وسكاكين طويلة، ويتحدثون بلهجة لبنانية، علمنا أنّهم لبنانيون، كانوا يتشاجرون حول الأموال والذهب التي سرقوها من الناس.

كنّا نجري في شوارع المخيّم ونرى الشباب والأطفال مذبوحين بالبلطات، وكانت النساء تضم أطفالها وتبكي

كانوا يجمعون الشباب تحت حجة أنّهم سيأخذونهم إلى التحقيق، وهذا ما حصل مع شقيقي حسن وكان عمره 14 عاما. وكانوا يفصلون النساء عن الرجال، كنّا نجري في شوارع المخيّم ونرى الشباب والأطفال مذبوحين بالبلطات، وكانت النساء تضم أطفالها وتبكي.

كانوا يضربوننا بالبواريد من الخلف، يدفعون بنا إلى زاروب، ثم إلى آخر، التقينا بأحد المسلحين، الذي كان يقول للآخرين: لا تقتلوهم هنا، خذوهم إلى الحي الغربي واقتلوهم هناك، هرب بعض الأطفال إلى زاروب من المخيّم فلحقت بهم، كان أحد المسلحين جالساً على حجر، وآخر إلى جانبه، أمسكوا بي، لحقت بي أمي وصارت تصرخ وتشدني إلى الجانب الآخر، حصل هرج ومرج بينهم، ما دفعنا إلى الهرب باتجاه المدينة الرياضية، كانت القوات الإسرائيلية هناك، صار الجنود يقولون لنا اذهبوا إلى المدينة الرياضية، وعندما وصلنا، رأينا حفراً عميقة فيها جثث لشباب يرمون التراب فوقهم، قلت لوالدتي: لم يقتلونا هناك سيقتلوننا هنا، ركضنا باتجاه الكولا وكانوا يطلقون النار فوق رؤوسنا، وكنّا نقول لمن نلتقي به، لا تذهب باتجاه المدينة الرياضية، إنّهم هناك سيقتلونك.
من الكولا توجهنا إلى ساقية الجنزير، ويوم السبت، أخبرنا أحدهم أنّهم تركوا أبي وشقيقي بعد أن أخذوا منهم الأموال ولكن اكتشفنا لاحقاً أنّ والدي وشقيقي قُتلا، وجدي اختفى وخسرنا أربعة من أخوالي”.

شهادة ناجية ثالثة: أخرجوا الجنين من بطن أمه

تقول شهيرة أبو ردينة، وهي فلسطينية، وكانت تبلغ من العمر 58 عاماً يوم تمّ اللقاء بها عام 2001: “خسرت ستة أشخاص من أقاربي: والدي محمد، وشقيقي كايد، وأختي عايدة، وزوجي محمود، وابن عمي شوكت وابنة عمي آمال التي كانت حاملا، ويُقال إنّهم أخرجو الجنين من بطنها”.
توضح شهيرة في شهادتها، أنّه “بعد مغرب الخميس 15 أيلول/ سبتمبر، تعرّض الحي الغربي حيث أسكن للقصف، هربت مع عائلتي إلى منزل أهلي في أول المخيّم، اشتد القصف عند السابعة ليلا، خرجت أختي لتشاهد ما يحصل، لكنّهم أطلقوا النار عليها، وبدأت تصرخ: بابا، بابا.

عند الساعة الخامسة من فجر الجمعة، نزلوا علينا من السطح، كانوا نحو 15 مسلحا. دخل أربعة منهم علينا، صار الأطفال يبكون ويصرخون، أخذوا الرجال، زوجي وابن عمي وأخي وقتلوهم أمامنا

لحق أبي بها لكنّهم قتلوه أيضاً وبقي جثة على الأرض، كانت القنابل المضيئة تنير المخيّم، لم نستطع التحرك. بقينا كلنا في غرفة واحدة، نسمع صوت القتل وصراخ الضحايا.
عند الساعة الخامسة من فجر الجمعة، نزلوا علينا من السطح، كانوا نحو 15 مسلحا. دخل أربعة منهم علينا، صار الأطفال يبكون ويصرخون، أخذوا الرجال، زوجي وابن عمي وأخي وقتلوهم أمامنا، أخرجونا من المنزل، أخذونا إلى المدينة الرياضية، وضعونا في غرفة مع نساء وأطفال، صاروا يسنون البلطات ويجهّزون المسدسات، وعند الساعة 12 ظهرا، أحضروا أناساً من مأوى العجزة في صبرا وآخرين من قرب المدينة الرياضية، وفجأة انفجر لغم قرب عدد من المسلحين وهو من بقايا ألغام الاجتياح، ما دفع المسلحين للهرب، وهربنا نحن أيضا، القتلة كانوا من الكتائب تحت إشراف من الإسرائيليين”.

شهادة وفاة زوج شهيرة (صمود)

شهادة ناجٍ سوري: قتلوا أربعة أشخاص بالبلطات أمامي

ولم تقتصر الضحايا على اللاجئين الفلسطينيين، بل طالت اللبنانيين أيضا، وتقول المعلومات إنّ آل المقداد فقدوا 36 ضحية في مجزرة صبرا وشاتيلا، إلى جانب عدد من أصحاب الجنسية السورية.
يقول السوري فريد علي .ح: “أسكن في بئر حسن، يومها كنت طفلاً صغيرا، ليل الخميس، كانت القنابل تنير المنطقة، صباح الجمعة، سمعنا المكبرات تدعو الناس لتسليم أنفسهم اذا أرادوا السلام، ظننت أنّهم من الجيش اللبناني، لكنّهم كانوا من جماعة سعد حداد والقوات اللبنانية. أخذونا إلى مفرق صبرا، عند محطة الرحاب، كان مع المسلحين ضابط إسرائيلي يقف إلى جانب سيارة عسكرية، وكان يعطي المسلحين التعليمات لتنفيذ ما يريد، كانوا يضعون الرجال في “بيك آب” أبيض ويأخذونهم باتجاه جسر المطار، وقتلوا أربعة أشخاص بالبلطات أمامي.

رأيت والدي وإخوتي الاثنين وخالي يركضون وضعوهم في “بيك آب” كبير أحمر وهم معصوبو الأعين، وتوجّهوا بهم إلى جسر المطار، ولم أرهم بعد ذلك


أوقفونا نحو ساعة، وأنا صغير وقفت أحتمي بالنساء، طلب الضابط الاسرائيلي أن ياخذونا إلى المدينة الرياضية، سرنا وكأنّنا في تظاهرة، وصلت إلى المدينة الرياضية لكنّني لم أجد أهلي، عدت ركضاً إلى السفارة، رأيت والدي وإخوتي الاثنين وخالي يركضون وضعوهم في “بيك آب” كبير أحمر وهم معصوبو الأعين، وتوجّهوا بهم إلى جسر المطار، ولم أرهم بعد ذلك.
عدت إلى المدينة الرياضية، التقيت بجارنا شهاب وهو من الجنوب، مشيت معه كي لا أضيع، بقيت 3 أيام مع جارنا في زقاق البلاط، وبعد انتهاء المجزرة عدت إلى المنزل، كانت والدتي تفتش عن والدي وإخوتي فأخبرتها بما رأيت، لم تصدقني وبقيتْ تفتش عنهم في كل مكان،
وتقول والدتي إنّها تواصلت مع الصليب الأحمر وإنّهم أخذوا صوراً للمفقودين، وبعد فترة أخبروها أنّهم موجودون في المعتقلات الإسرائيلية ولكن بدون جدوى.
في اليوم الثالث للمجزرة، عاد أخي حسين إلى المنزل وكان عند صديق له في حارة حريك، وحاول التفتيش عنّا، لكنّه اختفى ولم يظهر له أثر”.
لقد فقد فريد والده وثلاثة أشقاء وخال.
ربما تكون مجزرة صبرا وشاتيلا هي الأفظع في تاريخ الصراع العربي – الإسرائيلي، ولكن للأسف أنّ التنفيذ تمّ بأيادٍ عربية وبتخطيط وإشراف إسرائيلي.


وسوم :
, , , , , , , , , , , , , , ,