تهديد الاحتلال الأعظم: الطفل الفلسطيني.. كيف؟ ولماذا؟
سبتمبر 29, 2023 6:17 ص*منى العمري – صمود:
“يمكننا أن نسامح العرب على قتلهم لأطفالنا، ولكن لا يمكننا أن نصفح عنهم لإجبارهم إيانا على قتل أطفالهم”
(جولدا مائير)
بهذه العقلية الشرسة، يقوم الاحتلال الإسرائيلي منذ تأسيسه ككيان قائم على القتل والأسر وانتهاك الحقوق الإنسانية الشرعية كافة، بسرقة أكبر قدر ممكن من الأراضي الفلسطينية المحتلّة، عبر الإخضاع والذل وانتهاج كل الطرق والأساليب القمعية.
وفي هذه الدوامة، يدور في أذهان اليافعين العديد من الأسئلة: كيف؟ ولماذا؟.. والإجابات عليها موجودة وحاضرة بل مختصرة في عدة مشاهد رأيناها ونراها يوميا. ولعلّ أول ما يمكن تخيّله عندما نتلفّظ بإسم “فلسطين” يتخاطر لنا مشاهد القصف والدمار ومشاهد سلخ الأطفال عن أمهاتهم بالقوة أو أصوات بكائهم بعد كل فاجعة تلم بهم أو مشهد ارتجاف أجسادهم أمام سطوة الاحتلال أو الدفاع عن أنفسهم ولو بالحجارة أو تعابير وجوههم وهم واقفون أمام أسوأ “محكمة” في تاريخ البشرية.. فعقيدة الاحتلال تؤمن يقيناً بأهمية استهداف أطفال فلسطين، سواء بالأسر أو بالقتل، وسجون الاحتلال لم تخلُ يوماً من عشرات الأطفال دون سن الـ17 عاما.
جرائم الاحتلال بالأحداث والأرقام
وثَّقت المؤسسات الحقوقية للدفاع عن الأطفال في فلسطين، استشهاد 2270 طفلاً على يد جيش الاحتلال الإسرائيلي منذ عام 2000 أي مع بدء انتفاضة الأقصى وحتى الأول من أيار/مايو 2023، منهم 546 طفلاً فلسطينياً خلال عام 2014، معظمهم ارتقوا خلال العدوان الإسرائيلي على قطاع غزة.
بالإضافة إلى ذلك، جريمة إحراق وقتل الطفل المقدسي الشهيد محمد أبو خضير، بعد أن اختطفه المستوطنون، وجريمة إحراق عائلة دوابشة داخل منزلهم في قرية دوما جنوب مدينة نابلس، في ما كانت آخر هذه الجرائم، استشهاد الطفل محمد هيثم التميمي (عامان ونصف) من قرية النبي صالح، شمال غرب رام الله، بعد أن استهدفه قنّاص من جنود الاحتلال أثناء تواجده ووالده في باحة منزلهما، وأصابة والده برصاصة بالكتف في حزيران/يونيو 2023.
وتعجّ الذاكرة بآلاف الأطفال الذين قتلتهم قوات الاحتلال الإسرائيلي، مثل: قصف طائرة إسرائيلية دون طيار الأطفال الأربعة: خالد بسام ومحمود سعيد (13عاما)، عبد الحميد محمد عبد العزيز أبو ظاهر(13عاما)، محمد إبراهيم عبد الله السطري (13عاما)، بصاروخ شمال شرق مدينة خان يونس، ما أدى إلى استشهادهم، والرضيعة إيمان حجو في قصف دبابات الاحتلال لخان يونس عشوائياً سنة 2001، ومحمد الدرة الذي استهدفه جنود الاحتلال أمام أنظار العالم، وهو يحتمي بحضن والده في شارع صلاح الدين بغزة سنة 2000.
وخلال العدوان الإسرائيلي على قطاع غزة في أيار/مايو 2021 والذي استمر 11 يوما، كان أطفال فلسطين في رأس قائمة بنك الأهداف الإسرائيلية، حيث ارتقى نحو 72 طفلاً جراء قصف الطائرات الحربية الإسرائيلية منازلهم بكل وحشية، إلى حد أنّ بعض العائلات أُبيدت بكاملها رجالاً ونساءً وأطفالاً كعائلة أبو حطب وأبو عوف واشكنتنا، وعائلة القولق.
كما أنّ استهداف الأطفال الفلسطينيين بالقتل والجرح على أيدي جيش الاحتلال الإسرائيلي والمستوطنين الصهاينة، خلّف قائمة طويلة من الجرحى في صفوفهم، إذ تشير معطيات “مؤسسة الجريح الفلسطيني” إلى أنّ عدد جرحى الإنتفاضة الأولى خلال الفترة (1987- 1993) يزيد عن 70 ألف جريح، معظمهم من الأطفال، ويعاني نحو 40% منهم من إعاقات دائمة، و65% يعانون من شلل دماغي أو نصفي أو علوي أو شلل في أحد الأطراف، بما في ذلك بتر أو قطع أطراف مهمة)، في ما بلغ عدد جرحى إنتفاضة الأقصى من 29 أيلول/سبتمبر 2000 وحتى نهاية كانون الأول/ديسمبر 2007، بحسب “الجهاز المركزي للإحصاء الفلسطيني”، 31,873 جريحا، وكانت معظم الإصابات ناجمة عن تحركات جيش الكيان الصهيوني أثناء ممارسة الأطفال أنشطتهم اليومية الطبيعية. (1)
نهج الاحتلال: القضاء على البذور
تنتهج حكومة الاحتلال الصهيوني سياسة التمييز العنصري ضد الأطفال الفلسطينيين، فهي تتعامل مع الأطفال اليهود من خلال نظام قضائي خاص بالأحداث، وتتوفر فيه ضمانات المحاكمة العادلة. وفي ذات الوقت، تعتبر الطفل “الإسرائيلي” هو كل شخص لم يتجاوز سن الـ18 عاما، في حين تتعامل مع الطفل الفلسطيني بأنّه كل شخص لم يتجاوز سن الـ16 عاما.
وفي هذا السياق، يستخدم جيش الاحتلال سياسة إطلاق النار والقوة المفرطة بهدف القتل وإيقاع الإصابات خلال عمليات الإقتحام والتوغل المتكررة التي ينفّذها في المدن الفلسطينية بالضفة الغربية والقدس الشرقية المحتلّتين، في ما يستخدم القصف الجوي والمدفعي دون تمييز خلال هجماته على قطاع غزة.
فقد شكّلت عمليات استهداف الأطفال وقتلهم نهجاً ثابتاً اتّبعته القيادات السياسية والعسكرية الصهيونية واعتمدت على أعلى المستويات بهدف النيل من الأطفال الفلسطينيين وزرع الرعب والخوف في الأجيال الفلسطينية الناشئة وقتل الأمل بالمستقبل في نفوسهم. (2)
أين القانون الدولي من كل هذا؟
بموجب القانون الدولي الإنساني واتفاقيات جنيف الرابعة واتفاقية حقوق الطفل، فإنّ الأطفال محميون خلال فترات الحروب وأي جريمة تُرتكب بحقّهم يفترض فتح تحقيق جدي وحيادي بشأنها، وحتى لو كان هناك أي مخالفة قام بها الطفل فهو لا يعتبر مجرما، لأنّه غير كامل المسؤولية.
ولكن في الحالة الفلسطينية وعندما يتعلق الأمر بالكيان المحتل، يقول المدير العام للحركة العالمية للدفاع عن الأطفال خالد قزمار: “إنّ كل هذه القوانين يتمّ إهمالها بالكامل، ففلسطين انضمت لمحكمة الجنايات الدولية منذ عام 2014، وكانت التوقعات عالية لمتابعة كل الجرائم الصهيونية، ولكن منذ ذلك الحين لم تقم المحكمة بزيارة فلسطين، بينما كان وفدها في أوكرانيا منذ الأسبوع الأول من الحرب”. (3)
كيان يختبئ خلف إصبعه
إنّ الرأي الفكري والقانوني للكيان الصهيوني حول ما يتعلق بالأطفال الفلسطينيين سوداوي في جميع المواقف، لذا نجد مثلاً بأنّ الأمر العسكري الإسرائيلي رقم 132 ينتهك التعريف المقبول دولياً للطفل على أنّه “أي شخص دون سن 18 عاما”.
ويُعرّف القانون الإسرائيلي المحلي، الطفل بأنّه “أيّ شخص دون سن 18 عاما”، وهو ما يتوافق مع المعايير الدولية، كما أنّ الأمر العسكري رقم 132 هو التمييز ضد الأطفال الفلسطينيين.
كما يُعرّف هذا الأمر العسكري الطفل الفلسطيني على النحو التالي: “الطفل هو الشخص دون الـ12 عاما، المراهق هو الشخص الذي يزيد عمره عن 12 عاماً وأقل من 16 عاما، أما البالغ فهو من عمر الـ16 عاماً وما فوق، على عكس الأطفال الإسرائيليين الذين يُحاكمون في محاكم الأحداث، بينما يُحاكم الأطفال الفلسطينيون في نفس المحاكم العسكرية الإسرائيلية مثل البالغين”.
وفي هذا السياق، شخّص بنيامين نتنياهو في أحد خطاباته أمام الكونغرس الأمريكي، الوضع على الأرض بدقة، قائلا: “لم يكن صراعنا يوماً حول إقامة دولة فلسطينية، بل كان دائماً حول وجود الدولة اليهودية”. بالفعل، ما يجدر بالفلسطينيين فعله هو قبول المستعمرة الإستيطانية اليهودية، لضمان مستقبل الأطفال اليهود، وإنهاء مستقبل الأطفال الفلسطينيين. (4)
جرائم من دون أدنى مُساءلة
أفادت منظمة حقوق الإنسان “هيومن رايتس ووتش”، سابقا، بأنّ “الجيش وشرطة الحدود في إسرائيل يقتلون أطفالاً فلسطينيين دون أي سبيل للمساءلة”.
في حين، قال المدير المشارك لقسم حقوق الطفل في “هيومن رايتس ووتش” بيل فان إسفلد: “تقتل القوات الإسرائيلية الأطفال الفلسطينيين الذين يعيشون تحت الاحتلال بوتيرة متزايدة. ما لم يضغط حلفاء إسرائيل، لا سيما الولايات المتحدة، على إسرائيل لتغيير مسارها، فسيُقتل المزيد من الأطفال الفلسطينيين”.
وأضاف فان إسفلد: “يعيش الأطفال الفلسطينيون واقع الفصل العنصري والعنف الهيكلي، حيث يمكن أن تُطلق النار عليهم في أي وقت دون أي احتمال جدي للمساءلة. يتعيّن على حلفاء إسرائيل مواجهة هذا الواقع القبيح وممارسة ضغوط حقيقية من أجل المساءلة”. (5)
*المصادر المتعلّقة:
وسوم :
الاحتلال الإسرائيلي, الطفل الفلسطيني, جرائم الاحتلال, جولدا مائير, حقوق الطفل, صمود, فلسطين المحتلة, منى العمري