“الطوفان” يغرق المطبّعين وحاجزهم النفسي
أكتوبر 10, 2023 5:49 ص*أحمد حسن
بغض النظر عن صورة مآلات عملية “طوفان الأقصى” ونتائجها إلاّ أن أكبر ما حقّقته حتى الآن كان “عبورها” النهائي، بالفلسطينيين تحديدا، للحاجز النفسي الذي عمل الكثير من أعراب وأغراب في عملية بنائه، فذات يوم أغبر من سبعينيات القرن الماضي تذرّع الرئيس المصري أنور السادات، وهو أول المطبّعين العلنيين -سبقه الكثير سرا- بقصة أنّ جوهر حلّ الصراع مع “إسرائيل”، نفسي، وأنّ كسر هذا الحاجز يحتاج لخطوة كبيرة -وذلك ما أسماه حينها بالمبادرة- ستتكفل بحلّ كل المشكلة.
وكان الرجل على ما شهدنا مخطئا، فالجانب النفسي كان، وبلغة الفلاسفة، عرضاً وليس جوهراً للقضية، وقد صُرف، سراً وعلنا، مال وافر وبُذل جهد كبير، بعضه لأقلام مرموقة اختارت جنة البترودولار مبكرا، في سبيل جعله “القضية” بأل التعريف، والنتيجة ترسيخ صورة “الموساد الخارق” وأسطورة “الجيش الذي لا يُقهر” وأكذوبة “المجتمع الديمقراطي الوحيد في المنطقة”، وما إلى ذلك، لكنّ حرب تشرين 73 هزّت، في إحدى نتائجها، هذا المدماك النفسي ولو بمفاجأة التنسيق والعبور، ثم جاءت حرب تموز 2006 لتهزّه أكثر ولو بأسطورة الصمود لفصيل واحد، ثم ها هو “طوفان الأقصى” يأخذ، بمفاجأة العبور الثاني، ما تبقى منه ليحيله إلى مجرد زبد ستبتلعه رمال شاطئ غزة كما ابتلعت سواه عبر تاريخها الطويل.
بهذا المعنى، فإنّ إطلاق اسم “اليوم الأسود”، كما سمّته وسائل إعلام إسرائيلية، على يوم “الطوفان” واعتباره “شاهداً على فشل استخباراتي عسكري ثانٍ بعد 50 عاماً من حرب أكتوبر (تشرين الأول) 1973″، كان أمراً صائبا، لكنّ حديث محللين ومعلقين إسرائيليين عن حقيقة أنّ التنظيمات الفلسطينية تمكنت “من مفاجأة أفضل المخابرات وأكثرها خبرة في العالم، والاستهزاء بأقوى نظام أمني في الشرق الأوسط”، هو الجزء الذي يُقال عنه كلمة حقّ يُراد بها باطل، فالحقّ أنّ المفاجأة حصلت وحتى للمخابرات الأمريكية أيضا، وهذا ما اعترف به الكونغرس الأمريكي ودعا لتشكيل لجان لفهم ما حدث، لكنّ تعابير مثل “أفضل المخابرات” و”أقوى نظام أمني في الشرق الأوسط” هي ما يحتاج إلى تصحيح لأنّها تنتمي إلى عصر التضليل النفسي “الساداتي” ذاته.
ما يؤكد ذلك حالياً أنّ “الطوفان” الذي فُوجئت به استخبارات “إسرائيل” وأمريكا، جاء “في وقت كانت تقول فيه إسرائيل إنّ قواتها في أعلى درجات التأهب خشية عمليات فلسطينية في الضفة أو هجوم من قطاع غزة” أي أنّها كانت مستعدة، وما يؤكد ذلك سابقاً الوقائع المتتالية -ومنها عملياتها في أوروبا مثلاً ضد قادة فلسطينيين- التي أثبتت، ومنذ مدة طويلة، أنّ ما ساعد “إسرائيل” على بناء أسطورتها الاستخبارية كان أمران اثنان، أولهما، دعمها، بالقدرات والمعلومات والتسهيلات اللوجستية، من قِبل أكبر وأهم أنظمة الاستخبارات في العالم، والثاني، بعض التهاون والتخاذل العربي -وقل التعامل أحيانا- من حولها.
بهذا المعنى، مرة ثانية، يمكن القول إنّ “الطوفان” الحالي أخذ في طريقه، ولمرة أخيرة، النتيجة التي استخلصها السادات -بشخصه وكممثّل لفئة المطبّعين- من اعتباره أنّ جوهر الصراع نفسي، أي ضرورة التطبيع كطريق وحيد لكسر هذا الجوهر، فقبل يوم واحد من “الطوفان” كان الأمين العام لحركة الجهاد الإسلامي زياد النخالة يقول: “إنّ المطبّعين يدوسون على دماء الفلسطينيين وقضيتهم وهويتهم”، وبعد يوم واحد كان “الطوفان” يأخذ التطبيع والمطبّعين إلى الهاوية، لكنّهم، وكي لا نخطئ التحليل، لن يستسلموا، فقضية وجودهم، كحكام فرديين أو سلالات حاكمة، على كراسيهم المذهّبة، هي طرف ثان من معادلة طردية يقتضي طرفها الأول وجود “إسرائيل” الفعلي ذاته، لذلك سيحاربون بكل الأسلحة -ومنها النفسية- وهم يملكون الكثير، إلى جانب العدو، والحلّ الوحيد في مواجهة ذلك، هو ما قاله القائد الفلسطيني محمد الضيف: “بدءاً من اليوم ينتهي التنسيق الأمني، وكل من عنده بندقية فليخرجها فقد آن أوانها”.
*كاتب سوري
وسوم :
أحمد حسن, إعلام العدو, الأنظمة العربية, الاحتلال الإسرائيلي, التنسيق الأمني, العدوان على غزة, الفصائل الفلسطينية, القضية الفلسطينية, الكونغرس الأمريكي, اليوم الأسود, تطبيع, حرب تشرين 73, شاطئ غزة, صمود, طوفان الأقصى, فلسطين المحتلة