المقاومة تنشد التحرر الوطني.. قراءة في رواية حماس “لماذا طوفان الأقصى؟”

التصنيفات : |
يناير 29, 2024 7:50 ص

*موسى جرادات

أصدرت حركة المقاومة الإسلامية (حماس) قبل أيام وثيقة تتعلق بمعركة طوفان الأقصى، تحت عنوان: “هذه روايتنا… لماذا طوفان الأقصى؟”، وفي وصف ما جرى اعتبرت “حماس” في قراءة تاريخية للقضية الفلسطينية عن حقّ الشعب الفلسطيني في مقاومة المحتل، وأنّ تلك الحقوق مستمدة من كل الشرائع والقوانين السماوية والدولية، وقدّمت نفسها بوصفها حركة تحرر وطني تستمد مشروعية وجودها انطلاقاً من تلك الحقوق.

وقد يتسائل البعض عن تأخر “حماس” في إصدار رؤيتها لما جرى بعد مرور أكثر من 100 يوم على معركة طوفان الأقصى، بحيث قام كيان الاحتلال ومنذ اليوم الأول بنسج روايته وتقديمها للعالم بوصفها حقائق لا تقبل الإنكار ولا التأويل على الرغم من زيف وبطلان تلك الرواية، وخاصة بما يتعلق بسلوك مقاومي القسام في اليوم الأول لـ”طوفان الأقصى”، والحقيقة أنّ تأخر الرواية الحمساوية كل هذا الوقت لا يمنع من القول إنّ تلك الرواية لكل ما حدث تُعدّ رواية حقيقية مدعومة بكل أشكال الحقائق المادية والمعنوية الملموسة.

لكنّ هذه الرواية تتجاوز تفنيد رواية العدو وتتعداها إلى ما هو أهم من كل ذلك، فقد جاءت رواية “حماس” لمعركة طوفان الأقصى، لتواكب كل التطورات التي لحقت بالقضية الفلسطينية وفي كل أنحاء العالم، فلغة الخطاب الذي استند إليه صانعو هذا النص، أخذ بالحسبان حجم التعاطف الدولي الشعبي الذي طرأ على الكثير من المجتمعات الإنسانية وبالأخص المجتمعات الغربية، التي وجدت نفسها أمام هول المذابح التي تُرتكب على أرض غزة أمام استحقاق إنساني كبير وأمام اختبار فعلي لكل القيم الإنسانية التي تدّعيها الحضارة الغربية، والتي تكسرت أمام ناظريْها، وهي ترى الوحش الصهيوني يفتك بأهالي غزة، بغزارة نيران وحرب مفتوحة لا أخلاقية وبدون ضوابط وقوانين.

هذا الصراع يحمل بعداً واحدا، ولا يتصل بكونه صراعاً دينياً بين جماعتين دينيتين، وهذا جوهر ما أرادت الحركة إيصاله للجميع، فالصراع واضح المعالم بين شعب تحت الاحتلال وقوة استعمارية غازية

من هنا، فإنّ تأكيد “حماس” على أنّ الصراع على الأرض، يتمثّل بمواجهة كيان استيطاني إحلالي، وأنّ هذا الصراع يحمل بعداً واحدا، ولا يتصل بكونه صراعاً دينياً بين جماعتين دينيتين، وهذا جوهر ما أرادت الحركة إيصاله للجميع، فالصراع واضح المعالم بين شعب تحت الاحتلال وقوة استعمارية غازية، تريد فرض إرادتها بقوة الحديد والنار وسفك الدماء.

لقد أعطت رواية “حماس” مساحة مشتركة بينها وبين مؤيدي الحقوق الفلسطينية في أي مكان وُجدوا، وفي نفس الوقت جاءت رواية “حماس” رداً على المشككين بها بوصفها وكيلاً ومرجعا لقوى إقليمية، فهي بالأصل حركة شعبية مقاوِمة تنتمي بكل خصالها للشعب الفلسطيني، وهي وريثة قرن من الكفاح والمقاومة الفلسطينية المشروعة، وإنّ أي حديث عن “ما بعد حماس” غير مجدي على الإطلاق، لأنّه وبكل بساطة لا يمكن عزلها عن الشعب الفلسطيني، ولا يمكن التحكم بمسار القضية الفلسطينية دون إرادتها.

ما يؤرق هذا السياق هو الصمت العربي الرسمي المطبق على كل ما يجري، وخاصة الدول الإقليمية الوازنة كمصر والسعودية، والذي يؤشر إلى تواطؤ ضمني وفعلي

صحيح أنّ المعركة التي تدور رحاها في غزة منذ أكثر من مئة يوم، وعلى الرغم من كل ما جرى من أهوال، لم تستطع فيها آلة الحرب الصهيونية أن تخضع الشعب الفلسطيني وحركات المقاومة الفلسطينية، ولم تستطع أيضاً وعلى الرغم من التدمير والتجويع أن تنجح بفصل المقاومة الفلسطينية عن حاضنتها الشعبية، إلا أنّ ما يؤرق هذا السياق هو الصمت العربي الرسمي المطبق على كل ما يجري، وخاصة الدول الإقليمية الوازنة كمصر والسعودية، والذي يؤشر إلى تواطؤ ضمني وفعلي، الأول، يتعلق بالصياغات السياسية التي تلعب فيها هذه الدول، والتي تميل بوضوح إلى دعم الكيان الصهيوني على حساب الشعب الفلسطيني ومقاومته، والثاني، المساهمة في حرب التجويع التي ترعاها مصر من جهة، ومد الكيان الصهيوني بكل وسائل الحياة عبر الجسر البري الذي ترعاه السعودية وتؤمّن مساره، بعد أن قطع اليمنيون خط الإمداد مع الكيان الصهيوني في البحر الأحمر.

لماذا “الطوفان” فيه الكثير من التفاصيل التي حاولت رسم صورة فلسطينية واضحة لمعالم الحدث ومبرراته، وأهمية هذا الفعل، بعد أن كانت قضية فلسطين تنتظر الضربة الأخيرة من أنظمة التطبيع.

بعد رواية “حماس”، أصبح واضحاً أنّها ترسملت بوصفها حركة تحرر وطني، وأنّها مع كل حركات المقاومة الوريث الشرعي والوحيد للنضال الفلسطيني

فالرواية والفعل المقاوم قلب الطاولة على الجميع، حيث تفاجأ الجميع من الفعل الأسطوري المستمر للمقاومة حتى هذا الوقت، بحيث أضحت أمريكا وحلفاؤها الغربيون وجوقة المطبّعين أمام مأزق استراتيجي حقيقي، والكل ينتظر من نتنياهو أن ينجح في مهمته، ونتنياهو ينتظر المعجزة هو الآخر، فعلى أبواب غزة تتكسر أحلام الحركة الصهيونية وتتراجع روايتها، في ما الرواية الفلسطينية المجبولة بالدم والمكتوبة بعطر الشهادة، تتجاوز السردية وتتعداها، فهي الحقيقة التي لا تقبل التأويل.

“لماذا الطوفان؟”، لأنّ المنطقة برمتها أمام الاستسلام المطلق لعدوها، في ما المقاومة الفلسطينية المسلحة بقيادة كتائب القسام هي حبل النجاة الوحيد للأمة، يصاحبها كل قوى المقاومة في المنطقة والتي بدأ حراكها يتصاعد بشكل يومي ليطوي بأجنحته أرض فلسطين.

بعد رواية “حماس”، أصبح واضحاً أنّها ترسملت بوصفها حركة تحرر وطني، وأنّها مع كل حركات المقاومة الوريث الشرعي والوحيد للنضال الفلسطيني، وبهذا الوصف من يريد التحدث للفلسطينيين عليه أن يخاطب حركة التحرر الوطني الفلسطيني (حماس)، فلا يمكن بعد اليوم اقتلاعها وفرض الوصاية على الشعب الفلسطيني.

وثيقة “حماس” وروايتها عن “الطوفان”، تستحق التأمل والتبصر فيها، فهي التي صيغت في ظروف عصيبة، لكنّها لم تحِد عن ثوابت الشعب والأمة.

*كاتب فلسطيني


وسوم :
, , , , , , , , , , , , , , , , , ,