قراءة سريعة في حديث “عباس” و”دحلان” عن اليوم التالي
فبراير 20, 2024 7:00 ص*أحمد حسن
بالتأكيد، فإنّ سؤال اليوم التالي، بعد حدث مؤسِّس كـ”طوفان الأقصى”، يشغل الجميع، في المنطقة والعالم، في محاولة للإجابة عنه كلٍ بحسب قدراته وطموحه، فبعضهم مثلاً يحاول حجز مكان لشخصه وحزبه ونهجه في ذلك اليوم، في ما بعضهم الأكثر طموحاً يحاول حجز “اليوم” كلّه له.
جو بايدن مثلاً يريده يوماً تكتمل فيه الخارطة النهائية، أو شبه النهائية، للشرق الأوسط كتفصيل هام في إطار خارطته الكبرى للعالم بأسره، لذلك يؤيد محو غزة من الوجود على أن يُمحى معها من يصفهم بالمتطرفين في حكومة “إسرائيل”. بنيامين نتنياهو يريده يوماً يكرّسه ملكاً على “إسرائيل”، لذلك رفض طلبات حماس التفاوضية لأنّها “خيالية”، وأعلن أنّ حكومته لن تستسلم لما أسماه “الإملاءات الدولية” في ما يتعلق باتفاق مع الفلسطينيين لإقامة دولة فلسطينية، وأنّ أقصى ما يمكن أن يقدّمه هو “صفقة معقولة” يمكن لحكومته تمريرها وبالتالي تتيح له البقاء على قيد الحكم والخرائط السياسية الداخلية في “إسرائيل”.
وبالتأكيد، فإنّ للفلسطينيين كلمتهم في هذا المجال وإذا كانت المقاومة قالت عبر “الطوفان” إنّها تريد إعادة القضية إلى موقعها الطبيعي في ظل تكاثر الخرائط، التطبيعية، التي تريد إلغائها أو على الأقل التعتيم عليها وتحويلها من قضية شعب محتل إلى مجرد أرض صالحة لإقامة “كوريدور” إقتصادي لمشاريع لا تصب في النهاية إلا في مصالح “العروش” و”البيوت”، البيضاء والسوداء، في المنطقة والعالم، فإنّ “بعضهم” كشف رؤيته لليوم التالي على الإعلام، وكان الأبرز في ذلك هو ما قدّمه كل من الرئيس محمود عباس والسياسي المعروف محمد دحلان، ليس بسبب موقعيهما السياسيين أو حيثيتهما الشخصية فقط وهي مؤثرة طبعا، بل لحقيقة الامتدادات والمرجعيات العربية والدولية لكل منهما، والتي يصدف أنّها تتنافس اليوم، وخاصة العربية منها، على قرار المنطقة وزعامتها، وبالتالي، على صفة الدولة الأجدر بالرعاية من طرف ساكن البيت الأبيض، لذلك كان اختيار كل منهما للمنبر الذي أطلّ منه، وبالتالي الجهة التي بثّ إليها رسائله، لافتا، ففيما اختار عباس صحيفة الشرق الأوسط السعودية، ليقول لـ”المملكة” التي أشاد بمواقفها “التاريخية والمشرّفة” إنّه رجلها المسؤول، بشخصه ونهجه، عن غزة بالأمس واليوم والغد، اختار دحلان “النيويورك تايمز” الأمريكية، ليقول، باسم فريقه العربي، لا لـ”عباس” أو “حماس” في اليوم التالي لغزة، بل لـ”تسليم السلطة لزعيم فلسطيني مستقل يكون قادراً على إعادة إعمار غزة وبحماية قوات حفظ سلام عربية”.
والحال، فإنّ تلك الجملتين هما من تلخصان التباين في حديث عباس ودحلان كلّه، أما الباقي فكان متطابقاً في المعنى وإن اختلف في اللفظ، فإذا كان عباس قد جاهر بإعادة تأكيد رهانه على المجتمع الدولي “ليقول المجتمع كلمته في ما يتعلق بتطبيق قرارات الشرعية الدولية والقانون الدولي، وخاصة الإدارة الأمريكية”، فإنّ دحلان لم يبتعد عنه كثيراً في هذا الشأن لأنّ “قوات حفظ سلام عربية” هي إحدى طروحات هذا المجتمع الدولي ذاته.
خلاصة القول، إنّ فحوى ما طرحه عباس ودحلان، بغض النظر عن التباينات السلطوية الطابع بينهما، هو إجابة من جهات فلسطينية، وعربية، محدّدة ومتنافسة على سؤال التطبيع العربي المتساوق مع الخارطة الأمريكية للمنطقة، لكنّهما معاً يحاولان تجاهل أو التعتيم على حقيقة أنّ “الطوفان” ذاته جاء رداً على هذا التطبيع ليقول إنّ اليوم التالي هو فلسطين كلها، وإنّ الإجابات الخاطئة ليس لها سوى أن تساهم في تأخير قدومه لكنّه آتٍ لا ريب في ذلك لأنّه إرادة شعب لا طموحات أفراد بالسلطة ومكاسبها.. والأيام حبلى.
*كاتب سوري
وسوم :
أحمد حسن, إعادة إعمار غزة, الإدارة الأمريكية, الاحتلال الإسرائيلي, الحرب على غزة, السلطة الفلسطينية, القانون الدولي, المجتمع الدولي, تطبيع, صمود, طوفان الأقصى, فلسطين المحتلة, قوات حفظ السلام, محمد دحلان, محمود عباس