الاحتلال يعود إلى دفاتره القديمة.. “روابط القرى ” تُطرح من جديد

التصنيفات : |
مارس 6, 2024 7:15 ص

*موسى جرادات

في العام 1978، أعلنت سلطات الاحتلال عن تشكيل “روابط القرى” في الضفة الغربية، وكان الهدف من هذا الإنشاء إقامة تشكيل مسلح متعاون مع الاحتلال، لإدارة الشؤون المدنية للفلسطينيين، فقد قُدّم هذا المشروع ليكون بديلاً عن منظمة التحرير الفلسطينية، بعد أن وقّعت مصر إتفاقية كامب ديفيد، لكنّ هذا التشكيل لم يصمد سوى سنوات قليلة، حيث جوبه بمقاومة فلسطينية، استطاعت إسقاط المشروع وفرار قادته خارج الوطن، ويُقال إنّ قائد روابط  القرى مات ودُفن بصمت في “تل أبيب”.

اليوم، يعود مشروع روابط القرى من جديد ليدخل حيز التداول على ألسنة القادة السياسيين والعسكرين الصهاينة، وهذه المرة في غزة، بعد أن لخّصها نتنياهو في ورقة ما بعد غزة أو اليوم التالي، حيث زعمت تقارير صحافية أنّ قادة الاحتلال يجرون مباحثات مع زعماء عشائر في مدينة غزة من أجل القبول بهذه المهمة.

الملفت أنّ العقلية الاستعمارية لم تتعلم من الدروس السابقة، فهي ما زالت تجتر نفس التصورات والوسائل دون أن تعيد النظر بطريقة تفكيرها من جديد.

جاء هذا الطرح الاحتلالي لإحداث بديل عملي يحاول الاحتلال من خلاله التهرب من الاستحقاق السياسي، أمام الأطروحة الغربية التي بدأت ترى أنّ إقامة الدولة الفلسطينية على أراضي الـ67 ضرورة ملحة وعاجلة

والملفت هنا في التقارير الصحافية أنّ الاحتلال بدأ سلسلة من الاتصالات مع زعماء وقادة العشائر في مدينة غزة وبالتحديد في حي الزيتون، في محاولة منه لبناء نموذج خاضع للتجربة، لتعميمه على قطاع غزة، والمفارقة والتناقض الذي يعيشه الاحتلال أنّ حي الزيتون ما زال يشهد مقاومة فلسطينية باسلة، كبّدته في الأيام الأخيرة، خسائر بشرية ومادية كبيرة مما أجبره على الانكفاء والتراجع، ومع هذا ما زال الاحتلال يصر على العزف على نفس الأدوات التي يتخيلها.

والسؤال هنا: هل يستطيع الاحتلال إنجاز المهمة في ظل الرفض الشعبي وفي ظل وجود المقاومة في كل أحياء مدينة غزة؟. والإجابة بسيطة وواضحة كما جاءت على ألسنة المقاومين الذين أكدوا على ثباتهم في الميدان كما أكدوا على لسان الناطقين باسمها أنّ هذا المشروع سيُدفن على تراب غزة.

لقد جاء هذا الطرح الاحتلالي لإحداث بديل عملي يحاول الاحتلال من خلاله التهرب من الاستحقاق السياسي، أمام الأطروحة الغربية التي بدأت ترى أنّ إقامة الدولة الفلسطينية على أراضي الـ67 ضرورة ملحة وعاجلة، وهي الوسيلة الوحيدة لإحلال “السلام” وحماية الكيان الصهيوني من أوهامه المدمرة، ولم يأتِ الطرح الغربي انطلاقاً من الحقوق الوطنية المشروعة للشعب الفلسطيني.

هذه الأصوات لن تجرؤ على بناء تحالف ضد “حماس” لأنّها ستُصنَّف في خانة العملاء للاحتلال، ولن تتمكن من أن تقدّم نفسها بديلاً مقنعاً

“روابط القرى” أو روابط العشائر لن تُمكّن الاحتلال من تحقيق أي إنجاز سياسي لمعركة غزة، فصمود المقاومة في قطاع غزة طوال الأشهر السابقة، يؤكد على أنّ تلك المقاومة ما زالت تتمتع بتأييد شعبي لقطاعات واسعة من أهل غزة، صحيح أنّ عملية التجويع والقتل والهدم الممنهج أنتجت أصواتا، أو أعادت إنتاجها من جديد، هذه الأصوات الناقمة على المقاومة وبالتحديد على “حماس”، بعد أن خسرت الكثير من امتيازاتها في فترة حكم “حماس” لقطاع غزة، لكن حتى هذه الأصوات لن تجرؤ على بناء تحالف ضد “حماس” لأنّها ستُصنَّف في خانة العملاء للاحتلال، ولن تتمكن من أن تقدّم نفسها بديلاً مقنعا، مع وجود إجماع فصائلي وشعبي على أنّ العنوان الشرعي للشعب الفلسطيني هو منظمة التحرير التي لن تقدّم شرعية للمتعاونين.

مع مطلع ثمانينيات القرن الماضي، ومع إعلان المنظمة قرارها بتصفية “روابط القرى”، تمّ لها ما أرادت. فخلال سنتين فقط ، كانت تلك الروابط مدفونة تحت التراب، ولن يكون مصير الطرح الصهيوني الجديد والمتجدد بأفضل من مصير “روابط القرى”.

*كاتب فلسطيني


وسوم :
, , , , , , , , , , , , , ,