اليمن “أنصار الله” وفلسطين

*موسى جرادات

منذ أن بدأت الحرب على غزة، أعلنت جماعة أنصار الله في اليمن دخولها الكامل في المعركة وحددت موقفها العقائدي والأخلاقي والسياسي منها، حيث أوضحت أنّ معركتها هي امتداد طبيعي وأصيل لـ”طوفان الأقصى”، وأنّها جزء لا يتجزأ من هذه المعركة.

لكنّ الملفت في هذا الجزء من المعركة أنّه يخضع للتعتيم الإعلامي شبه المطلق، من حيث التأثيرات التي أحدثها دخول الجماعة على المعركة. على الصعيد الاستراتيجي، وبالرغم من هذا التعتيم، إلا أنّ النتائج التي حقّقتها الجماعة تكاد تكون مبهرة، فمع إطالة أمد الحرب على غزة، أعلنت جماعة أنصار الله أنّها تمتلك تصوراً كاملاً عن الدور الذي تؤديه في تلك المعركة، هذا التصور يمتلك قدرات عملية ذات بعد عسكري متكامل والدليل توسيعها دائرة الاستهداف للسفن العسكرية والمدينة الأمريكية والبريطانية بعد أن شنّ كلا البلدين عدواناً عسكرياً على اليمن، وبعد مرور أكثر من ستة أشهر، استطاعت جماعة أنصار الله استهداف أكثر من 100 سفينة مرتبطة بالعدو الصهيوني والأمريكي والبريطاني، وتمكنت من شل حركة السفن المتجهة إلى موانئ فلسطين المحتلة بالرغم من كل الإجراءات الغربية والتحشيد العسكري في بحر العرب وخليج عدن والبحر الأحمر.

هذا الحضور الجبار والملهم أعاد إنتاج الجماعة بوصفها تمتلك تاثيرات استراتيجية كبرى، فإغلاق تلك المضائق في وجه سفن الاحتلال هو تحدي استراتيجي غير مسبوق

وتتضح المؤشرات على نجاح جماعة أنصار الله في مساعيها من خلال إعلان الاحتلال أنّ ميناء إيلات شبه خارج عن الخدمة، وكذلك ما أعلنته مصر علن انخفاض عدد السفن المارة عبر قناة السويس إلى النصف، بالإضافة إلى  بعض المؤشرات المرتبطة بارتفاع تكاليف الشحن البحري عبر تلك الممرات وتاثيراتها على الحد من تدفق السلع المتجهة إلى الغرب، بعد أن سلكت طرقاً أبعد عبر ممر الرجاء الصالح. ونحن هنا لسنا في صدد معرفة حجم الخسائر التي سببها دخول اليمن في معركة الطوفان، فهي لا تُقاس ببعدها المادي فقط، فهناك ما  هو أهم وأعظم.. هذا الحضور الجبار والملهم أعاد إنتاج الجماعة بوصفها تمتلك تاثيرات استراتيجية كبرى، فإغلاق تلك المضائق في وجه سفن الاحتلال هو تحدي استراتيجي غير مسبوق إضافة إلى المشاغلة الدائمة والمستمرة للقدرات الغربية التي أصبحت مستنزفة.

لم نسمع أِي إدانة فعلية للاستهداف اليمني للسفن من قِبل الدولة التي يُرفع علمها لأنّه إجراء شكلي مرتبط بقضايا ضريبية أو بالتأمينات على السفن، في المقابل، صمت صهيوني مطبق على الخسائر التي تكبدتها الكيان العبري

في هذا الجزء من المعركة، تكشّف الكثير من الأسرار التي كانت خافية علينا، نحن من غير المختصين، ففي كل إعلان من جماعة أنصار الله عن استهداف سفينة للاحتلال، كان كل ما يصدر عن وسائل الإعلام الغربية والتي تجد لها أيضاً صدى في الإعلام العربي، تتحدث عن إصابة سفينة تحمل علم دولة ما على هذا الكوكب، لكن ما تكشّف من الفعل اليمني أنّ الاستهداف العسكري للسفن يعود إلى ملكية السفينة والوجهة التي تقصدها وليس إلى العلم المرفوع ولا إلى الشركة المشغّلة لها، وهذا تحليل آخر يكشف أنّ الاستهداف اليمني للسفن، لا يأتي من عبث بل هو نابع من دراسة ومعلومات معمقة عن حال السفن التي تبحر في تلك البحار، فلم نسمع أِي إدانة فعلية للاستهداف اليمني للسفن من قِبل الدولة التي يُرفع علمها لأنّه إجراء شكلي مرتبط بقضايا ضريبية أو بالتأمينات على السفن، في المقابل، صمت صهيوني مطبق على الخسائر التي تكبدتها الكيان العبري.

وما بين التهديد العسكري والوعيد الغربي لليمن، لدفعها إلى عدم الانخراط في الحرب وما بين المغريات التي قُدّمت لليمن، يتضح أن سياسة العصا والجزرة التي استُخدمت كتكتيك لنهي الجماعة لم تُفلح وصدقت جماعة أنصار الله في قولها وفعلها بعد أن أصبحت رافعة لجهاد فلسطين وأهلها.

*كاتب فلسطيني