عن “النكبة” و”القمة” و”جباليا”

التصنيفات : |
مايو 16, 2024 6:06 ص

*أحمد حسن

ربما لم يكن أمراً مقصوداً أن تنعقد القمة العربية بدورتها الجديدة في البحرين بعد يوم واحد من الذكرى السنوية للنكبة الفلسطينية والعربية الشهيرة، وربما لن يستغرب أحد أن تعيد “القمة” غرز سكين جديدة في جرح النكبة المفتوح، وهي، أي السكين، ليست “مسنونة” على حجر الاستخفاف والضعف و”التهاون” العربي الدائم فقط، بل إنّها، وهذا الأخطر، مصنوعة أصلاً لإدامة هذا الجرح وتأبيده، فليس من قبيل المصادفة أن تولد “النكبة” و”الجامعة” التي أنتجت “القمة” على يد قابلة واحدة، الإمبراطورية البريطانية، ولا أن تترعرع في ظل متبنّ واحد، واشنطن عاصمة الرجل الأبيض الجديد بعد أن غابت الشمس عن لندن عاصمته القديمة، ليصبح مصيرهما واحد في السراء والضراء وفي الولادة والموت.  

هذه “الهبّة الخيرية” لن ترقى بالطبع، لا مالياً ودعويا، إلى “هبّتهم” الشهيرة لإسناد الإرهاب الذي ضرب دولاً عربية أخرى

بهذا المعنى لن يستغرب أحد اكتفاء “القمة” ببعض الكلام الإنشائي عن الإبادة الجماعية الجارية في غزة -قد يعلو صوت البعض إعلامياً أكثر من سواه لضرورات الموقع و”الشو” الإعلامي- ولن يستغرب أحد أيضاً تصوير الإعلان المدوّي عن “هبّة عربية لإغاثة قطاع غزة”، على حد وصف الأمين العام للجامعة الدول، أحمد أبو الغيط، وكأنّه “هبّة المعتصم” أو اختراق عسكري لأحد خطوط العدو الإسرائيلي، في ما هي لا تعبّر إلا عن حقيقة تحّول العرب، الرسميين وللأسف بعض القطاعات النخبوية والشعبية، إلى مجرد منظمة خيرية أخرى، ومع ذلك فإنّ هذه “الهبّة الخيرية” لن ترقى بالطبع، لا مالياً ودعويا، إلى “هبّتهم” الشهيرة لإسناد الإرهاب الذي ضرب دولاً عربية أخرى ولا إلى ما قدّموه للسيد الأبيض الأمريكي لمساندة حروبه من أفغانستان، وما قبلها، وصولاً إلى اليوم، أما عن اللجان السياسية الوزارية التي ستشكّلها القمة لإيقاف العدوان على غزة فلا داع لتذكير أحد بأنّ القمة العربية- الإسلامية الاستثنائية التي عُقدت في الرياض في تشرين الثاني/ نوفمبر 2023 -وهي أقوى دولياً من القمة العربية- قامت بتكليف لجنة وزارية من أعضائها “للتحرك الفوري باسم جميع الدول الأعضاء لوقف الحرب على غزة”، ولا داع لتذكير أحد بأنّ اللجنة “أنجزت” بعض اللقاءات الإعلامية ثم كفى الله “اللجنة” ومن كلّفها شر السعي والضغط والاجتماع.

فلسطين الحقيقية ستغيب مرة أخرى عن “القمة”، ولكن ليس استخفافاً بها فقط بل لانشغالها، هذه المرة، بعقد قمتها “الأصلية” في الأرض الممتدة بين جباليا ورفح والضفة وعلى امتداد فلسطين

وبهذا المعنى أيضا، فإنّ فلسطين الحقيقية ستغيب مرة أخرى عن “القمة”، ولكن ليس استخفافاً بها فقط بل لانشغالها، هذه المرة، بعقد قمتها “الأصلية” في الأرض الممتدة بين جباليا ورفح والضفة وعلى امتداد فلسطين كلها لإفساد مراسم “النكبة” التي يقيمها الإسرائيلي تحت عنوان “قيامة الدولة”، حيث تُحوّل “القمة” الفلسطينية “الهبّة” إلى طوفان وتشكّل من بين أعضائها وفود الشهداء لتمحو بدمائهم صورة الجيش الذي لا يُقهر، وتعيد القضية والعلم الفلسطيني إلى حناجر وأكتاف طلاب جامعات النخبة في قلب روما العصور الحديثة الذين يصرخون، ولأول مرة منذ “النكبة”، بهتاف “من البحر إلى النهر” ليقضّوا بذلك مضجع رعاة وأبناء “النكبة” و”القمة” في آن واحد، وذلك بند هام من بنود بيان “القمة الفلسطينية” الأهم والأجدى من “قمم” لم تكن قراراتها الكثيرة إلّا “كغُثاء السّيل”..وما ذلك بقليل.

*كاتب سوري


وسوم :
, , , , , , , , , ,