الحرب التي لا تنتهي
يونيو 6, 2024 6:19 ص*موسى جرادات
في كل مرة يدور فيها الحديث عن جولة مفاوضات جديدة تتعلق بإنهاء الحرب العدوانية على غزة، نجد أنّ تلك المفاوضات التي يحرسها الوسطاء برمش العين دفاعاً عن الاحتلال تدخل مآزق متراكمة، فهي لا تخرج عن كونها دورة عنف ممتدة لما يجري على الأرض، وحالة تكييف وتكيف مع ما تريده قوى الشر مجتمعة لإنهاء وجود المقاومة كلياً على أرض غزة.
ففي كل مرة تطالعنا وسائل الإعلام عن قرب إعلان وقف لإطلاق النار، تعود الأمور إلى بدايتها ويستكمل الاحتلال عملياته العسكرية داخل القطاع، ولا يوجد إلا تفسير واحد لكل هذا الأمر، فالمسالة تتعلق بعدم قدرة الاحتلال على الحسم الميداني، لتلجأ بعدها الدبلوماسية الغربية مستعينة بالوسطاء العرب من دول ما يسمى الاعتدال، للدفع بالمقاومة نحو تقديم مزيد من التنازلات لصالح العدو، وعندما تحافظ قيادة المقاومة على ثوابتها في التفاوض يميل الجمع ضدها لتحميلها مسؤولية الفشل في الوصول إلى وقف إطلاق النار.
إنّ جل ما تريده أمريكا والكيان الصهيوني من تلك المفاوضات هو الوصول إلى تحرير أسرى الاحتلال لدى المقاومة، دون أي تعهد بوقف دائم لإطلاق النار، وهذا يعني تجريد المقاومة من أحد أهم عوامل قوة تمتلكها في هذه الحرب، وفي السباق المحموم للوصول إلى هذا الهدف، تقوم الولايات المتحدة الأمريكية وكيان الاحتلال بالتلاعب اللفظي في النصوص التي يقدّمونها والتي تتعلق بإنهاء الحرب، وعلى الرغم من هذا، فإنّ التصريحات المعلنة والواضحة على لسان المسؤولين الأمريكيين والصهاينة تُكذّب هذا التلاعب اللغوي فرأس المقاومة ما زال مطلوباً لكلا الطرفين والخلاف بينهما يتعلق بالطريقة التي تؤدي إلى الهدف المنشود، فالأمريكي يرى أنّ وقف إطلاق النار والسير عبر مسار التفاوض الذي أطلقه الرئيس الأمريكي جو بايدن قبل أيام يقود حتماً إلى هذه النتيجة، عبر إدخال المقاومة في دوامة ما خلّفه الاحتلال من كوارث طالت الحجر والبشر، في ما الاحتلال يريد استسلاماً واضحاً من قِبل المقاومة لكي يضمن تقديمه بصورة نصر كامل لجمهوره، ولأنّ المقاومة ما تزال حاضرة في الميدان فقد تمكنت عبر الأشهر الأخيرة من إفشال كل محاولات الاحتلال لإيجاد بديل سياسي على أرض غزة، وتمكنت أيضاً من التعامل مع كل المبادرات السياسية التي أُلقيت عليها ككرة النار، هذا الحضور الفعّال مكّنها من إدارة المعركة كل هذا الوقت، حيث أدت الشهور الثمانية من عمر الحرب إلى إدخال الاحتلال وجمهوره في دائرة التناقضات الداخلية وهذا ما يفسر حالة الاستعمار السياسي داخل الكيان الصهيوني، والتي تُبشّر بعجز المستوى السياسي عن اجتراح حلول عملية للتصورات التي يرغبها في إنهاء الحرب.
نعم.. إنّ الألم الفلسطيني شديد جداً ولا يُقوى على تحمله، لكنّ المطلوب من الفلسطيني أن يسلّم بكل تاريخه المقاوم وأن يسمح للاحتلال بتأبيد وجوده على أرض فلسطين في حال استجاب للشروط التي يضعها الإسرائيلي.
أيضا.. لا ينحصر الألم على الفلسطيني فقط، بل ذاقه الاحتلال في كل جبهات القتال وتكبّد الخسائر البشرية والعسكرية والاقتصادية وطالت الحرب بنيته المجتمعية، لهذا قد تكون نهاية الحرب مرتبطة بالقدرة على الصبر والصمود من قبل المقاومة ، حيث لم يعد للطرف الآخر ما يفعله بعد أن زجّ بكامل قوته في ساحة الحرب، ولم يكسبها، في ما أصحاب الأرض باقون وروايتهم يُسمع صداها في كل أنحاء المعمورة، ففلسطين حاضرة اليوم على كل الأجندات، تختزلها كلمة العدالة والحرية، التي نسمعها في مدارات أحرار العالم.
*كاتب فلسطيني
وسوم :
أحرار العالم, أرض فلسطين, أصحاب الأرض, إبادة جماعية, الاحتلال الإسرائيلي, الحرب على غزة, الحل السياسي, الكيان الصهيوني, المقاومة الفلسطينية, تبادل الأسرى, جرائم الاحتلال, صمود, طوفان الأقصى, فلسطين المحتلة, مفاوضات, موسى جرادات, وقف إطلاق النار