في بعض أسباب الحماية الدولية و”العربية” لـ”إسرائيل”
أغسطس 15, 2024 6:00 ص*أحمد حسن
والحال، فإنّ بعض ما أعاد “طوفان الأقصى” الكشف عنه هو تلك الحماية الدولية، الغربية تحديدا، والعربية -أغلب الأنظمة على وجه الدقة- لـ”إسرائيل”، وإذا كانت الأولى تندرج في سياق الدفاع المفهوم عن “المخفر المتقدّم” الذي أقامه الغرب في منطقتنا تحقيقاً لأهدافه ومصالحه، فإنّ الثانية هي ما تفترض بعض التوضيح.
بيد أنّ هذا “التوضيح” لن يكون كافياً ما لم نعد، ولو باختصار شديد، إلى أسباب ما سُمّي بـ”قيام إسرائيل” على يد الغرب الاستعماري، وبغض النظر عن الغطاء الديني وقصة “أرض الميعاد” الأسطورية، فإنّ ذلك “العمل” لم يكن إلا فعلاً دنيوياً بحتاً لتحقيق هدفين: أولهما، إيجاد حلّ جذري للمسألة اليهودية التي كانت تقض مضجع الأوروبيين خلال القرون الأخيرة الماضية، وثانيهما، زرع كيان غريب يقوم بدور “المخفر المتقدّم” للغرب في المنطقة، ويشكّل في الآن ذاته، وفق تصورات دهاة الإمبراطورية البريطانية حينها، حاجزاً بين عرب آسيا وعرب وإفريقيا، وكانت محصّلة ذلك كلّه “وعد بلفور” الشهير.
وفي هذا السياق تحديدا، سياق السيطرة الغربية وإنشاء المخفر المتقدّم، جاء “سايكس- بيكو” لمساندة “وعد بلفور” عبر شرذمة قوى المنطقة الحيّة في كيانات مبتسرة ومأزومة سلفا، من جهة أولى، وربط قياداتها وزعاماتها، السياسية والاقتصادية والاجتماعية، بالخارج الذي اختلق لها تاريخاً وعلماً ونشيداً وطنياً وعصبية أين منها عصبية الجاهلية الأولى، ولأنّ حبل سرّة ولادة الطرفين –”إسرائيل” وهذه الكيانات والأنظمة الوظيفية- موصول بمشيمة واحدة، لذلك فإنّ مصيرهما واحد، وبالتالي، فإنّ عدوهما واحد وهو ذلك “الأخ” -وكل أخ آخر- الذي يحاول الخروج من “الجب” الذي ألقوه فيه.
وإذا كان هذا حال الأنظمة، فإنّ حال الموقف العربي الشعبي العام لا يسرّ أحداً هذه الأيام، فبعضه لا يبالي بما يحدث، وبعضه الآخر يهبّ غاضباً مرة ثم يستكين خانعاً مرات، وبعضه الثالث يتفرّغ عبر وسائل التواصل الاجتماعي للسخرية من المقاومة وفعاليتها وتأخّر ردها على اغتيال قادتها، وذلك، وإن كان يعود في جزء منه إلى نقص في فهم أسس السياسة ومتطلبات ممارستها وفق موازين القوى الفعلية لا “الحماسية” مع ضرورة التمسك بالمبادئ الكبرى، فإنّ الجانب الأكبر منه ليس إلّا نتيجة “منطقية” لتاريخ طويل من عمليات كيّ الوعي الجمعي التي ساهم بها طرفان: الأول، طرف حماة “إسرائيل” الذين استخدموا، وبذكاء يُشهد لهم، كل الموارد الممكنة في هذه العملية، ومنها مثلاً اختلاق أعداء آخرين وحروب أخرى، ومنها شيطنة القوى الوطنية ومحاصرتها سياسياً واقتصادياً والتقليل من إنجازاتها و”تسفيه” المقاومة ودمغها بالإرهاب، ومنها إشاعة أسطورة “الجيش الذي لا يُقهر” وغيرها الكثير، أما الطرف الثاني، فهو الجهات الوطنية ذاتها سواء حين رفعت شعارات أكبر من قدرتها على تنفيذها أو حين أخّرت -بعضها بحسن نية وبعضها بسوئها- أهداف الحرية والديمقراطية إلى ما بعد التحرير، أو حين علّقت كل فشل لها في التنمية الاقتصادية والاجتماعية والسياسية أو في محاربة الفساد الهائل، على مشجب القضية.
خلاصة القول، النظام العالمي الحالي، والأنظمة العربية ضمنه، يحمي “إسرائيل” بأسنانه، لذلك فإنّ من يتوجّه مثلاً للإدارة الأمريكية مطالباً إياها “بإجبار كيان الاحتلال فوراً على وقف عدوانه ومجازره ضد شعبنا الأعزل، واحترام قرارات الشرعية الدولية، ووقف دعمه الأعمى الذي يُقتل بسببه الآلاف من الأطفال والنساء والشيوخ العزّل”، يقدّم، بغض النظر عن حسن النية أو سوئها، صكّ براءة معنوي للقاتل، ومن يسعى، ولو ضمنا، لـ”أوسلو” آخر، فإنّه سيواجِه غداً دفعة أخرى من المجازر القادمة برعاية “النظام” ذاته، أما الحل الوحيد فهو إعادة تذكير المعتدي، وأتباعه، أنّ أربع حاملات طائرات -فورد، آيزنهاور، روزفلت ولينكولن- لم تستطع السيطرة، منذ عشرة أشهر وحتى الآن، على الوضع في منطقة البحر الأحمر أمام رجال قرروا أنّ الاستسلام أكثر كلفة من المقاومة.. والأيام حبلى.
*كاتب سوري
وسوم :
أحمد حسن, أرض الميعاد, أوسلو, الأنظمة العربية, الاحتلال الإسرائيلي, التنمية الاقتصادية, المجازر الإسرائيلية, تحرير, جرائم الاحتلال, حائط المبكى, حاملات الطائرات, سايكس بيكو, سايكس- بيكو, صفقة أسلحة, صمود, طوفان الأقصى, فلسطين المحتلة, كيان الاحتلال, كيانات مبتسرة, محاربة الفساد, مقاومة