في أزمة النظام السياسي الصهيوني

التصنيفات : |
سبتمبر 17, 2024 6:00 ص

*موسى جرادات

هناك مقاربات عديدة حاولت وصف وتحليل وضع النظام السياسي للكيان الصهيوني في ظل العدوان المستمر على قطاع غزة، هذه المقاربات أجمعت على أن هذا النظام يعيش أزمات بنيوية متعددة، لكنّ تلك المقاربات لم تحاول تقديم استشراف لمآلات تلك الأزمات ولم تحاول أن تضع أولويات في قراءتها، وبقيت عند حدود وضع مؤشرات عامة تدور حول الموضوع ولا تدخل في أعماقه، والصحيح أنّ السبب مرتبط، إلى حد بعيد، بجهل تلك المقاربات بديناميات الحياة السياسية داخل هذا الكيان وقدرته على التشكل والتحول والتبدل، تبعاً للمستجدات التي تطرأ على الحياة السياسية عموما.

العقل القبلي أصبح المحرك الأساس للمشهد السياسي العام، وقد يتساءل البعض عن كيف ينعكس الأمر على واقع القضية الفلسطينية، ومدى تأثيراته على الصراع مع هذا الكيان؟

مع إضاقة عنصر أساسي ومهم، مرتبط بعدم قدرة هذا النظام على إنتاج قيادة سياسية وازنة ذات كاريزما واضحة، منذ أكثر من ثلاثة عقود متواصلة، والحقّ أنّ رئيس وزراء الكيان يحاول أن يقدّم نفسه وريثاً للقيادة التاريخية للحركة الصهيونية وكيان الاحتلال، إلا أنّ محاولاته الحثيثة أنتجت طبقة سياسية ملوثة بكل أشكال الفساد والتلون الأيديولوجي والمصلحي، هنا بالضبط يمكن لحظ صلب أزمة النظام السياسي للكيان، فالتحالفات الحزبية التي تتشكّل منها حكومة الكيان تعطينا مثالاً حياً على وجود تجمع لإدارة أزمات، لا حكومة فعلية، تمتلك رؤية كاملة لإدارة النظام السياسي، ومن هنا يمكننا تفسير كل الصراعات الناشئة اليوم وفي كل القضايا الحياتية اليومية، فالنظام السياسي الذي يسمح بوجود كم هائل من الأحزاب التي تمتاز بقدرتها على التشظّي السريع، أصبح جزءاً لا يتجزأ من الصورة العامة للحياة  السياسية، ولولا وجود أجهزة دولية متماسكة، لانتقل الصراع من داخل المؤسسات إلى خارجها، وتوكلت حالة احترام داخلي لها بداية ولا نهاية لها، لكنّ وجود تلك المؤسسات لا يعني بالضرورة أنّها ستبقى قادرة على الاحتواء وتدوير الزوايا والحفاظ على الكيان إلى ما لا نهاية، فهذه المؤسسات لديها قدرة محدودة على الضبط وإدارة الصراع، خاصة أنّ القوى السياسية الصاعدة اليوم والتي تُمسك بزمام الحكم، تحاول منذ أكثر من سنتين السيطرة على تلك المؤسسات وتحويلها إلى إدارة عامة تخدم أجندات حزبية ضيقة، تتعارض مع المصلحة العامة بل وتصطدم معها، وأمثلة ظاهرة مثل بن غفير وسموتريتش ودرعي، كلها تُبشّر بمدى الانحدار الذي وصل إليه كيان الاحتلال، فالعقل القبلي أصبح المحرك الأساس للمشهد السياسي العام، وقد يتساءل البعض عن كيف ينعكس الأمر على واقع القضية الفلسطينية، ومدى تأثيراته على الصراع مع هذا الكيان؟.

هل ما عجز عن تحقيقه عتاولة الحركة الصهيونية في عزّ قوتهم، هو في متناول أيدي قوى سياسية توصف داخل الكيان الصهيوني بأنّها قوى إرهابية ستعيد المشروع الصهيوني من جديد وإن بدى العكس؟

من الطبيعي أن يُطرح هذا السؤال، لأنّه مرتبط أيضاً في فهم ورؤية الجماعات القبلية للقضية الفلسطينية، والتي تتمحور جميعها حول بناء سياسات تقوم على التخلص من أعباء القضية وفق محددات توراتية تلمودية، الأمر الذي سيؤدي إلى صدام حتمي مع الفلسطينيين وحلفائهم مع غياب أي إمكانية لمزيد من التطبيع مع الكيانات العربية التي تُسمى وفق المعايير الغربية بـ”دول الاعتدال”. لتُصبح السياسات التصادمية هي الأصل لا الصورة التي حاول الصهاينة تقديمها عن أنفسهم طوال العقود السبعة الماضية، وفي هذا السياق يُطرح سؤال مركزي في قراءة المشهد السياسي العام للكيان الصهيوني، وهو سؤال على أهميته؛ يحمل في طياته الإجابة: “هل ما عجز عن تحقيقه عتاولة الحركة الصهيونية في عزّ قوتهم، هو في متناول أيدي قوى سياسية توصف داخل الكيان الصهيوني بأنّها قوى إرهابية ستعيد المشروع الصهيوني من جديد وإن بدى العكس؟”.

*كاتب فلسطيني


وسوم :
, , , , , , , , ,