الشرق الأوسط الجديد.. كيف تُفكر المقاومة؟
فبراير 4, 2025 5:00 ص
*ثائر أبو عياش
يشهد الشرق الأوسط في الآونة الأخيرة تحولات استراتيجية عميقة، خاصة بعد حرب السابع من أكتوبر 2023 التي كانت بمثابة نقطة تحول في تاريخ الصراع الفلسطيني- الإسرائيلي. فقد أظهرت هذه الحرب قدرة المقاومة الفلسطينية على التأثير في التوازنات الإقليمية والدولية، وفرضت تحديات جديدة على الاحتلال الإسرائيلي. وفي الوقت ذاته، تصاعد الحديث عن “الشرق الأوسط الجديد”، الذي يُنظر إليه كإعادة تشكيل للمنطقة في ظل رؤية أمريكية- إسرائيلية تهدف إلى تعزيز الهيمنة السياسية والأمنية على الدول العربية واحتواء نفوذ القوى المناهضة للغرب، مثل إيران وحزب الله والمجموعات المسلحة المرتبطة بها.
الحديث عن “الشرق الأوسط الجديد” أصبح يتردد بشكل مستمر في الدوائر السياسية الغربية والإسرائيلية، ويشير إلى محاولات إعادة هيكلة المنطقة بما يتماشى مع مصالح القوى الكبرى. هذه الرؤية تتضمن تعزيز التحالفات مع بعض الدول العربية التي تطمح في إقامة علاقات دبلوماسية واقتصادية مع الكيان الصهيوني، والعمل على إضعاف محور المقاومة الذي يضم إيران وحركات مثل “حماس” و”حزب الله”. من جهة أخرى، يروَّج لهذه الرؤية من خلال إعادة رسم الخريطة الأمنية للمنطقة، حيث تسعى الولايات المتحدة إلى تكثيف وجودها العسكري في الخليج، بينما تعمل “إسرائيل” على تعزيز دورها كقوة إقليمية مركزية، مع تطبيع العلاقات مع الدول العربية الخليجية.
على الرغم من تفوق “إسرائيل” العسكري والتكنولوجي، استطاعت المقاومة الفلسطينية -خصوصاً حركتي حماس والجهاد الإسلامي- أن تظهر قدرتها على التكيف مع الظروف، والاستمرار في تحدي الاحتلال
في هذا السياق، تبرز تساؤلات حول كيفية تفكير المقاومة الفلسطينية في مواجهة هذه التحولات الكبرى. فمن خلال ما شهدته المنطقة من أحداث منذ بداية العقد الحالي، يتضح أنّ المقاومة في غزة والضفة الغربية تتعامل مع التحديات بشكل مرن وحذر. فعلى الرغم من تفوق “إسرائيل” العسكري والتكنولوجي، استطاعت المقاومة الفلسطينية -خصوصاً حركتي حماس والجهاد الإسلامي- أن تظهر قدرتها على التكيف مع الظروف، والاستمرار في تحدي الاحتلال في ظل المعوقات السياسية والاقتصادية.
حرب السابع من أكتوبر 2023 كان لها تأثير بالغ على الساحة الفلسطينية. حيث أظهرت قدرة غير مسبوقة من جانب المقاومة على تنفيذ عمليات هجومية معقدة، واختراق المنظومة الأمنية الإسرائيلية، مما شكّل ضربة معنوية وسياسية كبيرة لتل أبيب. وقد عززت هذه الحرب الوعي العربي والدولي بالقضية الفلسطينية، وأظهرت أنّ المقاومة لا تزال تشكل تهديداً حقيقياً لأمن “إسرائيل”. إلا أنّ رد الفعل الأمريكي- الإسرائيلي كان سريعا، حيث سارعت واشنطن بتقديم الدعم العسكري والتقني للاحتلال، بينما أبدت حكومات عربية كثيرة دعماً محدوداً للمقاومة، مع التركيز على ضرورة إيجاد تسوية سياسية للصراع.
من المتوقع أن تسعى حركات المقاومة إلى الحفاظ على زخم العمليات العسكرية، والتركيز على استنزاف الاحتلال، مع التأكيد على أنّ أي تسوية سياسية لا يمكن أن تتمّ إلا بشرط تحرير الأراضي الفلسطينية
بعد الحرب، وفي ظل الحديث عن “اليوم التالي” للأزمة في غزة، تبدو الأمور أكثر تعقيدا. فإذا كانت “إسرائيل” قد أعادت تعزيز قواتها في المنطقة، وتستعد للمضي قدماً في عمليات عسكرية جديدة لفرض السيطرة على غزة، فإنّ المقاومة الفلسطينية ستكون أمام خيارات صعبة. إذ من المتوقع أن تسعى حركات المقاومة إلى الحفاظ على زخم العمليات العسكرية، والتركيز على استنزاف الاحتلال، مع التأكيد على أنّ أي تسوية سياسية لا يمكن أن تتمّ إلا بشرط تحرير الأراضي الفلسطينية.
المقاومة الفلسطينية في مرحلة ما بعد الحرب قد تواجه تحديات إضافية، تتمثّل في المحاولات الأمريكية- الإسرائيلية لإعادة ترتيب المنطقة بما يتلاءم مع مصالحها. على سبيل المثال، قد تدفع هذه القوى باتجاه تسوية مؤقتة، تستهدف إيقاف التصعيد وتقديم حلول اقتصادية أو سياسية لتهدئة الأوضاع في غزة. ولكن في نفس الوقت، هناك خشية من أن تحاول “إسرائيل” تفعيل عمليات تطبيع أكثر مع بعض الدول العربية، وهو ما يعتبره فصيل “حماس” وفصائل المقاومة الأخرى تهديداً مباشراً للمشروع الوطني الفلسطيني. لذلك، من المتوقع أن تواصل المقاومة الفلسطينية رفض أي محاولات للتطبيع مع الاحتلال الإسرائيلي، بل ستسعى لتوسيع دائرة التضامن العربي والدولي مع قضيتها.
يجب أن نلاحظ أنّ المقاومة الفلسطينية بعد حرب أكتوبر 2023 لا تقتصر على الصمود العسكري فقط، بل تسعى إلى تعزيز خطابها السياسي والدبلوماسي. هناك إدراك متزايد بين فصائل المقاومة بأنّ استمرار القتال فقط قد لا يكون كافياً لتحقيق الأهداف الاستراتيجية. إذ أنّ السياق الدولي قد يتطلب تكثيف الجهود السياسية، لا سيما في المحافل الأممية، لتقديم القضية الفلسطينية بشكل قوي إلى المجتمع الدولي، بما يتيح تعزيز الدعم الدولي لفلسطين ومواجهة محاولات تطبيع العلاقات الإسرائيلية مع بعض الدول العربية.
سيبقى حزب الله قوة داعمة على الصعيدين العسكري والسياسي، ويشارك بشكل مباشر في بعض العمليات العسكرية ضد الاحتلال
من جهة أخرى، تظل علاقات المقاومة مع إيران وحزب الله محوراً مهماً في هذه المرحلة. إذ تُعتبر إيران الداعم الرئيسي للمقاومة الفلسطينية على صعيد الأسلحة والمساعدات العسكرية والتدريب، وهي تمثل في نظر حركات المقاومة قوة استراتيجية لمواجهة التفوق الإسرائيلي. أما حزب الله، فيظل قوة داعمة على الصعيدين العسكري والسياسي، ويشارك بشكل مباشر في بعض العمليات العسكرية ضد الاحتلال.
بعد كل هذا، تظل المخاوف من التداعيات الإقليمية قائمة. فالرؤية الأمريكية لإعادة تشكيل المنطقة من خلال إقامة “شرق أوسط جديد” لا تقتصر فقط على الأمور العسكرية، بل تشمل أيضاً الجوانب الاقتصادية والثقافية. ولا شك أنّ المنطقة ستواجه تحديات في ظل هذه التغيرات، إلا أنّ المقاومة الفلسطينية ستحاول الاستفادة من الفرص التي قد تظهر في ظل هذه التحولات. فإذا نجحت في تعزيز وحدتها الداخلية، ونجحت في مواجهة الضغوط الدولية والإقليمية، فقد تصبح قادرة على فرض شروطها في أي مفاوضات قادمة.
في الختام، يمثّل الصراع الفلسطيني-الإسرائيلي جزءاً من حرب أكبر تجري في المنطقة، ويظل دور المقاومة في هذه الحرب هو الحفاظ على حقوق الشعب الفلسطيني في مواجهة محاولات إعادة تشكيل الشرق الأوسط بما يتناسب مع مصالح القوى الكبرى.
*كاتب فلسطيني
وسوم :
الاحتلال الإسرائيلي, الحرب على غزة, المقاومة الفلسطينية, تطبيع, ثائر أبو عياش, صمود, طوفان الأقصى, فلسطين المحتلة, محور المقاومة