استعصاء احتلال الصوت: من “حنظلة” إلى المنصات الافتراضية

التصنيفات : |
أغسطس 30, 2021 2:59 م
جميع الحقوق محفوظة لشبكة صمود – 2021

*وسام عبد الله

تعرفت أجيال عديدة على يافا من خلال صور تصلها عبر البريد الإلكتروني، وهناك من عرف بحر عكا من حكايا الأجداد، ومع تطور العالم الافتراضي ازداد التعرف على فلسطين، حتى وصلنا إلى مرحلة المنصات التي سهلت الاتصال مع شباب في الداخل. لتثبت المواجهات الاخيرة في الشيخ جراح والقدس وغزة، استعصاء الصورة والصوت على محاولة التطويع والتطبيع منذ اللحظة الأولى لاحتلال فلسطين.

حين رسم الفنان الفلسطيني ناجي العلي شخصية حنظلة بأدواته المتوفرة حينها، القلم والورقة، أحدث رعبا لدى الاحتلال، فاغتالته، وبعد أكثر من نصف قرن شخصيته مازالت تنبض، وفي مرحلة العالم الافتراضي المتنوع الأدوات، ظن الاحتلال أنها يستطيع امتلاك العقول بشكل كامل من خلال أجهزته الاستخبراتية، مثل وحدة 8200 المتخصصة بالتجسس الالكتروني، لكن معركة الوعي بينت أنها أكثر عمقا ولا تقاس فقط بالبيانات والخوارزميات.

خرق صوت الفلسطينيين “جدارالصمت”، بعد أن رفعت وسائل إعلام عربية وعالمية جدارنا توزاي في عدوانيتها جدار الفصل العنصري. فلم يعد التحدث باسم القدس محصورا بالسلطة والفصائل، أبناء البلدات والقرى أصبحوا ناطقين بحقهم في الحياة والمقاومة من خلال الصور والفيديو التي تبث وتنشر لتوثق التحركات الشبابية والاهلية والعدوان الهمجي.

هل ما حدث مفاجئ؟، إنه دليل على الفجوة التي تفصلنا بين مستويين من التعاطي مع القضية الفلسطينية، الاول هو المستوى الظاهر من صراعات بين الفصائل، اختصار قطاع غزة بحركة حماس والضفة الغربية بحركة فتح، و “عرب 48” نوابهم في الكنيست. المستوى الثاني، التنوع في المجتمع الفلسطيني، بالافكار والنشاطات والمشاريع، فما حدث هو نتيجة تراكم من الخبرات والتجارب، فنحن كنا بعيدين عنهم لنتفاجئ بهم، أما هم كانوا في صلب العمل الوطني، يكفي النظر في وجوه المعتقلين وهم يبتسمون، هذه ليست صدفة، إنها جزء من العمل التراكمي. 

لم يعد التواصل بين الشباب العربي، وحتى الغربي، مع الفلسطينيين يجب أن يمر عبر القنوات الرسمية أو الحزبية فقط، لقد فتحت المنصات الافتراضية مساحات واسعة من المجموعات والمواقع التي تجمع وتضم فيها لقاءات، ما تزال في بداياتها الأولى لنحكم ونتنبئ بشكلها في المستقبل كيف سيتحول، منتديات أو مؤسسات منظمة، أم تبقى مجرد نقاشات فكرية دون عمل على الأرض. العاملون في الشأن الفلسطيني، قد يملكون معطيات أوسع حول الواقع، لكن الكثير من الشباب كانوا بحاجة إلى حوار مع شبيههم في الضفة الأخرى، في مساحات مفتوحة من النقاش، ومن يتابع اللقاءات عبر تطبيق “زوم” أو “الغرف الصوتية” يدرك الهموم والقيّم المشتركة العديدة التي تجمعهم، ليس فقط من ناحية مقاومة الاحتلال، بل تتجاوزها إلى الاقتصاد والثقافة والاجتماع.

هذا الفضاء الإلكتروني سعى الاحتلال إلى السيطرة عليه بإخضاعه لمصطلحات وتوجهات تخدم أهدافه، ففي تقرير أصدرته وزارة الشؤون الاستراتيجية الإسرائيلية عن رصدها التعليقات العربية على وسائل التواصل الاجتماعي عن اتفاقيات التطبيع خلال شهري آب وأيلول، كانت 90% منها سلبية اتجاه عملية التطبيع. ويضم الفريق الإسرائيلي الذي يعمل في وزارة الخارجية باللغة العربية عشرة أفراد من اليهود والعرب. وأشار يوناتان جونين، الذي يرأس وحدة التواصل الاجتماعي باللغة العربية في وزارة خارجية الاحتلال، التي تأسست سنة 2011، قال إن الرسائل التي تنشر، مثل استخدام كلمة “سلام” العربية و”شالوم” العبرية، تنطوي على ما يصفه بأنه “محتوى ناعم” مثل الموسيقى والطعام والرياضة، وأن الفريق ينشر ما يصل إلى 700 منشور على وسائل التواصل الاجتماعي في الشهر. وفي كتاب “خوارزميات الاضطهاد” الصادر عام 2018 للدكتور صفية نوبل، ذكرت فيه أن مجلس الرقابة على فيسبوك، المكلف بتحديد المشاركات والجهات التي تشكل انتهاكا لسياسات الموقع، يضم المدير العام السابق لوزارة العدل الإسرائيلية، “إيمي بالمور” الذي أدار أيضا وحدة الأمن السيبراني في الكيان.

المواجهات الاخيرة هزت “عرش” المصطلحات والشعارات، وحتى التعميم وتصنيف الآخر، فشعار حل الدولتين لم يعد الأولوية إنما التحرير والتحرر الشامل، والعمل الإعلامي بكل أدواته، البرامجية والدرامية، لتثبيت الرأي العام العربي أن الفلسطيني تخلى عن أرضه، تبين أنها خدعة فضحتها عائلات الشيخ جراح الواقفة على أعتاب أبوابها مقاتلة بلحمها الحيّ.

*كاتب لبناني


وسوم :
, , , , , ,