بعد مؤتمر التطبيع في أربيل: أيّ دور للعراق في المشروع الإبراهيمي؟

التصنيفات : |
سبتمبر 29, 2021 12:15 م

*قاسم قصير

أثار مؤتمر التطبيع مع العدو الصهيوني، والذي انعقد مؤخراً في مدينة أربيل في إقليم كردستان (شمال العراق)، الكثير من ردود الفعل المندّدة من قِبل المسؤولين العراقيين ومعظم القوى السياسية العراقية، وأعلنت حكومة إقليم كردستان عدم معرفتها بانعقاد المؤتمر وعدم الموافقة عليه، كما أعلن المركز الإعلامي لمجلس القضاء الأعلى في العراق أنّه تمّ إصدار مذكرة قبض على كل من: وسام حردان، النائب السابق مثال الألوسي والموظفة في وزارة الثقافة سحر كريم الطّائي بتهمة الدعوة للتطبيع مع العدو الصهيوني، ودورهم في التحضير لمؤتمر أربيل، على أن يتم اتخاذ الإجراءات القانونية بحق بقية المشاركين في المؤتمر.

ورغم كل المواقف المندّدة بالمؤتمر، من قِبل المسؤولين العراقيين وكافة القوى السياسية والحزبية والدينية من الإتجاهات المختلفة، فإنّه لا يمكن المرور “مرور الكرام” أمام هذه الخطوة الخطيرة في ظل التطورات التي تشهدها المنطقة، والعودة للحديث مجدداً عن “المشروع الإبراهيمي” والتطبيع مع العدو الصهيوني من قِبل بعض الدول العربية والإسلامية، كما العودة أيضاً لخيار المفاوضات مع هذا العدو تحت عناوين مختلفة.

حضر المؤتمر التطبيعي حوالي 300 شخصية عراقية، وبمشاركة هاتفية من قِبل نجل رئيس الكيان الصهيوني الأسبق شمعون بيريز (تشيمي بيريز)، كما شارك من الإمارات العربية المتحدة علي النعيمي.

 أما من العراق، فقد شاركت شخصيات من بغداد والموصل والأنبار وبابل وصلاح الدين وديالى، ومنهم شيوخ عشائر ومسؤولون سابقون ومقاتلون في صفوف الصَحوات العراقية، إضافة إلى مفكرين وشباب ممن شاركوا في التحركات الإحتجاجية عام 2019 .

وقد دعا المشاركون للتطبيع مع العدو الصهيوني وانتقدوا القوانين العراقية التي تجرّم العلاقة مع هذا الكيان، وادّعى هؤلاء أنّ هذا المؤتمر يلتقي مع أهداف الديانات السماوية الثلاث وأنّه استكمال لنهج النبي إبراهيم عليه السلام.

كل هذه المعطيات تؤكد أنّ هذا المؤتمر هو استكمال “للمشروع الإبراهيمي” الذي تبنّته الإدارات الأمريكية السابقة، وعمد إلى تطبيقه العملي الرئيس الأمريكي السابق دونالد ترامب من خلال إتفاقيات التطبيع بين الكيان الصهيوني وعدد من الدول العربية، ورغم نهاية عهد ترامب يبدو أنّ هذا المشروع مستمر في العديد من الدول ومنها العراق اليوم. وقد كشفت تفاصيل هذا المشروع الخطير الباحثة المصرية في معهد التخطيط القومي المصري الدكتورة هبة جمال الدين محمد العزب، في كتاب صدر مؤخراً عن مركز دراسات الوحدة العربية تحت عنوان: “الدبلوماسية الروحية والمشترك الإبراهيمي: المخطط الإستعماري للقرن الجديد”، ولا بد من الإطلاع على كل تفاصيل هذا المشروع الخطير.

لكن ما هو “المشروع الإبراهيمي” الخطير؟

المشروع الإبراهيمي أو ما يُسمّى “إتفاقيات أبراهام” هو عنوان عملية التطبيع التي تبنّتها الإدارات الأمريكية بين الكيان الصهيوني وعدد من الدول العربية والإسلامية، وسُمّيت أحياناً بـ”صفقة القرن”، لكن الجانب الأخطر منها هو الطابع الديني والبيئي والإقتصادي والإجتماعي، الذي يهدف لإدخال شعوب المنطقة في علاقات مباشرة أو غير مباشرة مع الصهاينة، ولكن بعناوين دينية وبحجة نشر السلام والحوار بين الأديان، وقد تبنّت عدة جامعات أمريكية ومؤسسات دينية وبيئية وإقتصادية هذا المشروع وبدأت بتنفيذه في مصر والأردن وفلسطين وتركيا ولبنان، كما إدخال بعض الفِرق الصوفية وجمعيات حماية البيئة والدفاع عن حقوق المرأة وتمكينها وكذلك هيئات شبابية متنوعة.

وثمة معلومات تقول بأنّه سيتم إدخال العراق إلى هذا المشروع من خلال الإستفادة من زيارة البابا إلى العراق التي حدثت في أوائل هذا العام، وذلك عبر التركيز على زيارته لمدينة أور العراقية والتي كانت مهد انطلاقة النبي إبراهيم عليه السلام، وعبر الدعوة للقاء ديني مشترك، لكنّ الأمور لم تسر في هذا السياق، كما أنّ مواقف المرجع السيد علي السيستاني المؤيدة للشعب الفلسطيني خلال لقائه مع البابا فرانسيس قطعت الطريق على تلك المحاولات. لذا، يبدو أنّ هناك من يعمل لإعادة إدخال العراق في هذا المشروع عبر بوابات أخرى.

وبالعودة إلى العراق وشعبه المناضل والمقاوم، فقد كان للعراق دور تاريخي في مواجهة الإستعمار والمشروع الصهيوني ومن يدعمهما من القوى الكبرى، وشارك الجيش العراقي وأبناء الشعب العراقي في كل الحروب ضد العدو الصهيوني وقدّموا الدعم لجميع قوى المقاومة، بل وهناك فتوى شهيرة للمرجع الديني الكبير العلامة السيد محسن الحكيم بالسماح بدفع الحقوق الشرعية لقوى المقاومة.

وما يجري اليوم، هو محاولة لاستغلال بعض الأوضاع السياسية أو الإقتصادية الصعبة التي يمر بها العراق وشعبه لتمرير بعض دعوات التطبيع مع الكيان الصهيوني والإندماج في إطار ما يُسمّى “المشروع الإبراهيمي”.

لكنّ الموقف الواضح للقيادات العراقية الدينية والسياسية ولكافة القوى الفاعلة والمسؤولين سيقطع الطريق أمام هذه المحاولات المشبوهة، لأنّ العراق كان، تاريخيا، إلى جانب الشعب الفلسطيني ومقاومته، ولا يمكن أن يندرج في إطار عمليات التطبيع مع الكيان الصهيوني.

ما لا شك فيه أنّ البيانات المندّدة بهذا المؤتمر، والإجراءات القانونية والعملية التي اتّخذتها السلطات العراقية لمواجهة هذا المشروع الخطير لا تعني نهايته بالضرورة، بل إنّنا سنشهد المزيد من هذه المحاولات والدعوات المشبوهة للتطبيع مع الكيان الصهيوني والإندماج في إطار “المشروع الإبراهيمي”، وكل ذلك يتطلب المزيد من الوعي والحذر مما يجري، وهناك مسؤولية كبيرة أمام القوى الفلسطينية لتعزيز تواصلها مع القيادات العراقية وأبناء الشعب العراقي وكل مؤسسات المجتمع المدني في العراق، لشرح خطورة هذا المشروع وإعادة تصويب السهام باتجاه العدو المشترك لكل شعوب المنطقة: العدو الصهيوني وكل من يدعمه، وهذه مسؤولية كبيرة علينا جميعا تحملها والعمل على أساسها.

*كاتب لبناني


وسوم :
, , , , , , , , ,