التّطبيل للتّطبيع عبر اتّفاقات أبراهام!

التصنيفات : |
أكتوبر 5, 2021 8:00 ص

*علي بدوان

وقّعت كل من الإمارات والبحرين، يوم 15/9/2020، إتفاقيّ تطبيع مع حكومة  الاحتلال الصهيوني، في مراسم ترأسها الرئيس الأمريكي السابق دونالد ترامب، بحديقة البيت الأبيض. وبعد ساعات من حفل التوقيع هذا، أصدر البيت الأبيض ثلاثة نصوص تتضمن نص إعلان ما بات يُعرف بــ “إتفاقات أبراهام Abraham Accords” بين كيان الاحتلال وكلاً من أبوظبي والمنامة.

 ويتألف نص إتفاقية التطبيع الثنائية بين الإمارات ودولة الاحتلال، من 4 صفحات، وملحق من 3 صفحات، ونسخة من إتفاقية البحرين مع الكيان الصهيوني. وارتكزت الإتفاقات على إقامة علاقات دبلوماسية كاملة، وتعاون مشترك في عدة مجالات، غير أنها لم تلزِم الاحتلال بوقف ضم الأراضي الفلسطينية المحتلة، أو تأجيل عملية الضم في واحدة منها.

وفيما يلي نص إعلان “إتفاقات أبراهام” (إسرائيل والإمارات والبحرين):

“نحن الموقعون أدناه، ندرك أهمية الحفاظ على السلام وتعزيزه في الشرق الأوسط والعالم على أساس التفاهم المتبادل والتعايش، وكذلك احترام كرامة الإنسان وحريته، بما في ذلك الحرية الدينية.

نشجع على بذل الجهود لتعزيز الحوار عبر الأديان والثقافات للنهوض بثقافة السلام بين الديانات الإبراهيمية الثلاث والبشرية جمعاء.

نؤمن بأنّ أفضل طريقة لمواجهة التحديات هي من خلال التعاون والحوار، وأنّ تطوير العلاقات الودية بين الدول يعزّز من مصالح السلام الدائم في الشرق الأوسط والعالم.

نسعى إلى التسامح واحترام الأشخاص من أجل جعل هذا العالم مكاناً ينعم فيه الجميع بالحياة الكريمة والأمل، بغضّ النظر عن عرقهم وعقيدتهم أو انتمائهم الإثني.

ندعم العلم والفن والطب والتجارة كوسيلة لإلهام البشرية وتعظيم إمكاناتها، وتقريب الأمم بعضها من بعض.

نسعى لإنهاء التطرف والصراع لتوفير مستقبل أفضل لجميع الأطفال. نسعى لتحقيق رؤية للسلام والأمن والازدهار في الشرق الأوسط وفي العالم.

وعليه، نرحّب بحفاوة بالتقدّم المُحرز في إقامة علاقات دبلوماسية بين إسرائيل وجيرانها في المنطقة بموجب مبادئ إتفاقي أبراهام، وتشجعنا الجهود الجارية لتوطيد وتوسيع هذه العلاقات الودية القائمة على المصالح المشتركة والإلتزام المشترك بمستقبل أفضل”.

إدارة ترامب والضغوط لدفع بقية الأطراف العربية للتطبيع

وعليه، ضغطت الإدارة الأمريكية السابقة بقيادة الرئيس دونالد ترامب، وبشكلٍ غير مسبوق، على عددٍ من الدول العربية، لدفعها نحو القيام بخطوات تطبيعية ملموسة مع حكومة  الاحتلال، وهو ما تم مع دولة الإمارات، ومملكة البحرين، بما في ذلك الإعتراف المتبادل، وفتح سفارات، وكأن شيئاً لم يكن طيلة سنوات الصراع العربي والفلسطيني مع الكيان الصهيوني منذ قيامه على أرض فلسطين التاريخية في العام 1948. وأخطر ما جاء في “إتفاق أبراهام” الموقّع بين حكومة  الاحتلال ودولة الإمارات في 15/9/2020، ليس في كونه تطبيعاً بين بلدٍ عربي وكيان الاحتلال فقط، بل باعتباره يُدشّن خطوة عملية كبرى تطبيعية وعلنية على طريق إقامة حلف بين عدد من الدول العربية والولايات المتحدة و”إسرائيل”، وتمهيد الطريق نحو إقامة علاقات عربية، وبالتدريج مع حكومة الاحتلال الصهيوني.

إذاً، هذا التوقيع يتجاهل حالة الغضب في الأوساط الشعبية العربية. حيث كانت الحالة الصارخة والمُدانة من خلال حفل التوقيع الذي انعقد في البيت الأبيض، بحضور وزير خارجية الإمارات عبد الله بن زايد، ونظيره البحريني عبد اللطيف الزياني، بجانب نتنياهو.

لقد قوبل الإتفاق المشؤوم بتنديد واسع، حيث أعلنت قوى سياسية ومنظمات عربية، رفضها له، متهمة إيّاه  بأنّه “طعنة” في ظهر القضية.

أما الأجواء الشعبيّة، في دولة الإمارات، فترفض بغالبيتها، بل وتتحفّظ على التطبيع والإعتراف والتحالف الإماراتي “الإسرائيلي”، حيث أعلن حاكم الشارقة سلطان القاسمي رفضه الكامل للإتفاق، ومنع أيّ شخص أو طرف اعتباري “إسرائيلي” من دخول الشارقة. فضلاً عن قيام شخصيات وازنة من النشطاء الإماراتيين بإصدار بيان مشترك، يتحدّون فيه ولي عهد أبوظبي محمد بن زايد، في رفضهم لإعلان التحالف الإماراتي – الإسرائيلي. وأكدت الشخصيات على أنّ اتفاق التطبيع يتناقض مع المادة 12 من الدستور الإماراتي. والتي جاء فيها: “تستهدف سياسة الإتحاد الخارجية نصرة القضايا والمصالح العربية والإسلامية والأخلاق المثلى الدولية”. وأكد البيان كذلك على أنّ “إتفاق التطبيع يتجاهل القانون الإتحادي رقم (15) لسنة 1972 بشأن مقاطعة إسرائيل، ويُعتبر خروجاً عن قرارات وإجماع كل من مجلس التعاون الخليجي، والجامعة العربية، ومنظمة التعاون الإسلامي، وحتى قرارات الأمم المتحدة ذات الصلة، فضلاً عن رفض الشعب الفلسطيني الواضح والمعلن لهذه الاتفاقية”.

وقالت الشخصيات الموقّعة على البيان: “إنّ هذه الإتفاقية تتنكر لمظالم الشعب الفلسطيني المستمرة وتضحياته المتواصلة وتفرّط بحقوقه التاريخية في أرضه وحق تقرير مصيره، وتُكافئ دولة الاحتلال والعنصرية، بإقرار سيطرتها الكاملة على أرض فلسطين واعترافها بالقدس كعاصمة للدولة اليهودية وللعملية التي تمهد للمساس بالمسجد الأقصى وتهويده”.

وأضاف البيان: “لقد أجمعت الشعوب الخليجية والعربية والحرّة على رفض هذه الإتفاقية لما فيها من تضييع للحق الفلسطيني. وإنّ ما تسوّق له وسائل الإعلام الرسمية الإماراتية من أنّ الإتفاقية ستمنع إسرائيل من التمدد وأنّها ستتيح الفرصة للمسلمين للصلاة في المسجد الأقصى، ليس إلا تسويغاً لحجج واهية، وما التطبيع في حقيقته إلا اعتراف بحق إسرائيل في الأرض، وهو إقرار لا يحق للحكومة الإماراتية منحه لدولة الاحتلال”.

وأوضح البيان أنّ “سكوت الشعب الإماراتي لا يعني قبوله بتلك الاتفاقية، فكما هو معلوم للجميع بأنّه لا يوجد في الإمارات أيّ هامش لحرية التعبير عن الرأي، وكل من يعارض سياسة الدولة فإنه عرضة للتنكيل والسجن وتلفيق التهم الباطلة التي تصل عقوبتها للسجن 10 سنوات وغرامات مالية تصل إلى نصف مليون درهم”.

الشعوب ترفض التطبيع

وفي البحرين، فإن حركة مناهضة الإتفاقية مع دولة الإحتلال، واضحة وصارخة، من خلال الفعاليات اليومية، في بلدٍ يموج بالوجود الوطني لقوى وأحزاب ومؤسسات، حيث تم حرق علم الاحتلال داخل البرلمان وأمام الجميع من قبل بعض الأعضاء.

أما في الكويت، فعبارة “لا للتطبيع مع إسرائيل” تعود بقوّة إلى واجهة الساحة السياسية والشعبية الكويتية، فقد تعرَّض إتفاق التطبيع والإعتراف الإماراتي البحريني لانتقادات كبيرة في الأوساط الكويتية، باعتباره إتفاقاً ينافي الثوابت، مع تجديد تأكيد الموقفين الرسمي والشعبي الرافضين للتطبيع والداعمين للقضية الفلسطينية.

كما تقدّم عدد من أعضاء مجلس الأمة الكويتي ومن بينهم رئيسه مرزوق الغانم، بطلب التعجيل بقيام المجلس ولجانه للبت في القوانين المقترحة المُقدّمة بشأن “مقاطعة إسرائيل، وحظر التعامل أو التطبيع مع الكيان الصهيوني” لإقرارها قبل نهاية دور الإنعقاد الحالي في نوفمبر/تشرين الثاني المقبل 2021.

وكان 41 نائباً (من أصل 50) وقعوا قبل أيامٍ قليلة، وخلال جلسة لمجلس الأمة الكويتي بياناً أكدوا فيه موقف الكويت الثابت لمناهضة التطبيع مع الكيان الصهيوني، وشددوا على أن الكويتيين لن يقبلوا أي تراجع عن التزام حكومة بلادهم بقضية العرب والمسلمين الأولى.

أخيراً، إن اعادة توحيد البيت الوطني الفلسطيني، وإنهاء الإنقسام، وبالتالي تمتين البيت الفلسطيني الذي يعاني من ويلات الإنقسام وتداعياته، هو المدخل الكفيل بإحباط كل المؤامرات والمخططات الرامية إلى تصفية القضية الفلسطينية، وقطع الطريق على التطبيع العربي مع الكيان الاحتلالي، وترسيم التحالف الأمريكي الصهيوني العربي، الذي يُعيد النظر في الأولويات، ويجعل العدو صديقا. كما أنّ إحباط مؤامرة التصفية للقضية الفلسطينية يتطلّب اعتماد رؤية شاملة جديدة واستراتيجية وطنية فلسطينية موحدة، كما تمخَّضَ عن اجتماع بيروت – رام الله مؤخراً يوم 2/9/2020 وبحضور جميع القوى الفلسطينية، فالمرحلة القادمة صعبة وساخنة، وحُبلى بالتطورات المتوقعة وغير المتوقعة.

*كاتب فلسطيني


وسوم :
, , , , , , , , ,