هم لاجئون وأنا لاجئ.. والمُستثنى “فلسطيني”

التصنيفات : |
نوفمبر 20, 2021 11:10 ص

*وسام عبد الله

اللجوء هو نتيجة مأساة إنسانية، فليس هناك لاجئ ذو حظٍ جيد وآخر عاثر. هو تغيّر في الحياة واقتلاع من الجذور نحو مستقبل غير واضح.

هذه القضية، يتمّ وضعها ضمن أطرٍ قانونية لمحاولة ضبطها، قدر الإمكان، لمصلحة اللاجئ والدولة المُضيفة، لتأمين حياة كريمة بالمستوى الأدنى، لكن كما هي العادة، الفلسطيني يُستثنى ويُعامل ضمن إطار -مهما تغلّف بالقانونية والإنسانية- فهو يخدم كيان الاحتلال.

الحدث التاريخيّ

معظم التشريعات والقوانين الدولية والإقليمية صدرت نتيجة حدث إجتماعي وسياسي مُعين تطلّب تشريع مجموعة أحكام لضبط تداعيته، والنموذج الواضح بإتفاقية الأمم المتحدة الصادرة عام 1951 الخاصة بوضع اللاجئين، والتي تُعتبر الأساس الذي بُنيت عليه مفوضية اللاجئين وما تلاها من قوانين. تنصّ الإتفاقية في الأحكام العامة من المادة الأولى ضمن الفقرة الثانية: “كل شخص يوجد نتيجة لأحداث وقعت قبل الأول من كانون الثاني/يناير عام 1951، وبسبب تخوّف له ما يبرره من التعرّض لاضطهاده لأسباب ترجع إلى عرقه أو دينه أو جنسيته أو انتمائه لعضوية فئة إجتماعية معينة أو آرائه السياسية، خارج دولة جنسيته وغير قادر أو لا يريد بسبب ذلك التخوّف أن يستظلّ بحماية دولته، أو كل شخص لا يتمتع بجنسية، ويوجد خارج دولة إقامته المُعتادة بسبب تلك الظروف، ولا يستطيع أو غير راغب بسبب هذا التخوّف أن يعود إلى تلك الدولة”، ليتبع تفصيل المادة بأنّ المشمُولين بالتعريف هم ضمن “أحداث وقعت في أوروبا”، النص واضح بتعينه أنّه موّجه للدول الأوروبية بعد الحرب العالمية الثانية لحلّ مشكلة اللاجئين فيها، مع الإشارة إلى أنّها صدرت بعد 3 سنوات من نكبة فلسطين عام 1948. ولتوسيع الإتفاقية تمّ إصدار بروتوكول عام 1967 ليشمل كل إنسان لاجئ، وليس فقط ضمن الدول الأوربية، أيّ في عام النكسة نفسه.

ومفهوم اللاجئ، بحسب معظم الإتفاقيّات، هو إنسان اضطُّر مُجبراً للخروج من بلده نتيجة نزاعٍ داخلي كالحرب الأهليّة أو عملية إضطهاد من السلطة أو اندلاع حرب بين دولتين واحتلال واقتسام أراض، هذه الحالات تفرض وجود أزمة داخل دولة أو صراع بين دولتين، فأين اللاجئ الفلسطيني منها؟.

فلسطين تحت الإنتداب يرافقه “وعد بلفور”، بدء عملية زرع الكيان الإسرائيلي وعملية التهجير، فنحن أمام حالة لا تتساوى بباقي دول العالم التي خرج منها أو استقبلت لاجئين. أمام حدث تاريخي لا يرتبط التعامل معه قانونياً بالمفهوم الطبيعي بين الدول، هو خارج عن المنطق الإنساني بأعرافه وتشريعاته.

إستثناء “الفلسطيني”

سعت “إسرائيل” لتطويع القوانين الدولية لمصلحتها، وتحت حجة قبولها بالقرارات الدولية لتكون جزءًا من المجتمع الدولي، كما حصل في التزام “إسرائيل” باتفاقية “بروتوكول لوزان” عام 1949، القاضي بانسحاب العدو من الأراضي التي احتلّها خارج حدود التقسيم، فكان توقيع الإحتلال هو وسيلة لقبوله عضواً في الجمعية العامة للأمم المتحدة.

على الصعيد الدولي تأسست منظمات تُعنى بالفلسطينيين، كـ”وكالة الأمم المتحدة لإغاثة وتشغيل اللاجئين الفلسطينين في الشرق الأدنى” (الأونروا)، التي تُعرّف اللاجئ الفلسطيني على موقعها الرسمي، “..على أنّه أي شخص كان مكان إقامته الطبيعي هو فلسطين خلال الفترة من1 حزيران/يونيو 1946 إلى 15 أيار/مايو1948  وفقد منزله وسُبل معيشته نتيجة لنزاع عام 1948. لاجئو فلسطين هم أشخاص يستوفون التعريف أعلاه ومنحدرين من صلب آباء مستوفيين لهذا التعريف”.

تُقدّم الوكالة خدماتها بمختلف المجالات الصحية والتعليمية والإغاثية، لكن، المشكلة تبقى في مصدر التمويل المُتعدد الأطراف عربياً ودولياً مما قد يُشكّل عامل ضغطٍ على الوكالة لتقيّد عملها في بعض الحالات، كما حصل مع الرئيس الأمريكي السابق دونالد ترامب حينما قررت إدارته وقف التمويل عام 2018 مما انعكس على عمل ومشاريع ورواتب الموظفين.

اللاجئ الفلسطيني  بين “فكيّ كمّاشة”، منظمات دولية عامة تعترف بـ”إسرائيل” كدولة، وبالتالي تعامله بطريقة لا تُشبه حالته الإستنثائية، ومنظمات خاصة بقضيته، ببعض الحالات هي رهن سياسات الدول. تبقى مجموعة القرارات الدولية التي صدرت من الجمعية العامة للأمم المتحدة، وأهمها القرار 194 المعنيّ بحق العودة، وغيرها من القرارات التي لم تُغيّر شيئاً على الأرض من سياسة الدول الداعمّة للإحتلال.

لا دولة فلسطينية

لكلّ لاجئ دولة يرتبط بها قانونياً بأوراقٍ رسميّة، هذا الرابط يساعد الدول المُضيفة على تحديد آلية التعامل مع اللاجئين والتواصل مع حكومتهم، وهنا أحد أسباب منع قيام دولة فلسطينية، حتى وإنْ كانت هناك دعوات دولية لـ”حلّ الدولتين”، لكن أيّة دولة هم يريدون أن تنشأ فوق أرض فلسطين، هل تتمتع بحُكمٍ قويّ أم منقوصة السيادة؟

إنّ عدم رغبة الدول بالإعتراف هو لحرمانها من العضوية الكاملة في الأمم المتحدة مما يستتبع بشكل تلقائيّ حقوقاً وواجباتٍ لا تتناسب مع وجود الإحتلال، وفي مقدمتها مسألة اللاجئين.

حرمان الفلسطينين من حقوقهم في الدول التي يعيشون فيها هدفه بشكلٍ أساسيّ تشويه الهوية، ودفعهم للرضوخ، بأنّ لا أمل لهم سوى بنسيان فلسطين ودفعهم نحو التوطين، وبهذا تُصبح التشريعات القانونية وسيلة أكثر قسوة من الحرب العسكرية.

*كاتب لبناني


وسوم :
, , , , , , , , ,