قرار “بيرم”: رَبْط التوطين بحقوق اللاجئين يُعزّز الإنقسام تجاه الفلسطينيين

التصنيفات : |
ديسمبر 30, 2021 12:59 م

*صمود – وفيق هواري :

شهِد لبنان حدثاً يتعلق بالشأن الفلسطيني خلال الشهر الحالي، كانون الأول/ديسمبر ٢٠٢١.

هو قرار وزير العمل اللبناني مصطفى بيرم الذي حمل رقم ١/٩٦، ويتعلق بالمهن الواجب حصرها باللبنانيين فقط، واستثنى من منع ممارستها الفلسطينيين المولودين في لبنان، أو من كانت أمه لبنانية، أو من كان أجنبياً متزوجاً من لبنانية.

هذا القرار لم يأتِ بجديد بعد التعديلات التي حصلت عام ٢٠١١، والتي سهّلت معاملات الفلسطيني الراغب بالحصول على إجازة عمل.

أحد المقربين من حزب الله قال: “إنّ القرار الذي أعلن عنه الوزير بيرم هو لتسهيل حياة اللاجئين، ويأتي هذا القرار في سياق السياسة التي بدأها الوزير السابق طراد حمادة”.

ردود الفعل على القرار

في هذه اللحظة السياسية، ساهم قرار الوزير بيرم في شد العصب الطائفي والمذهبي، ووصفه زعيم التيار الوطني الحر جبران باسيل بأنّه “توطين مُقنّع ومرفوض”. ولحِقت به وبهذا الموقف، القوى السياسية المسيحية الأخرى. فتحوّل قرار حول الحقّ الإنساني للفلسطينيين إلى ورقة تجاذب بين القوى اللبنانية الطائفية المتنازعة وصولاً إلى إختبار موازين القوى في الإنتخابات النيابية القادمة.

ودعا رئيس تجمّع “موارنة من أجل لبنان” المحامي بول يوسف كنعان، الوزير مصطفى بيرم للتراجع عن قراره غير القانوني والمُخالف للدستور، حسب رؤيته، واتّهم الفلسطينيين بالحصول على مساعدات نقدية بالدولار الأمريكي وأنّه بوارد مقاضاة الوزير.

وأعلن النائب السابق نعمة الله أبي نصر، أنّ الرابطة المارونية ستطعن بقرار بيرم، وأنّ للرابطة، الصفة والمصلحة بالتقاضي والطعن بكل قرار رسمي إذا أضرّ بمصلحة الطائفة المارونية، وإذا حصل الفلسطيني على حقّه بالعمل والإقامة، فلا يعود ينقصه غير الهوية وحقّ الإنتخاب.

وعلّق أحد الناشطين الفلسطينيين بالقول: “لقد غاب عن بال المُهتمين بمصالح الشعب الفلسطيني، أنّ التغيير الفعلي الذي يطال حقّ الفلسطيني بالعمل يأتي من الإعتراف بأنّ الفلسطيني هو “لاجىء” وليس أجنبيا، وهذا هو الباب الوحيد والأساسي المطلوب، وعدا ذلك يبقى الفلسطيني ورقة في التنازع الداخلي اللبناني”.

الرؤية اللبنانية لقضايا اللجوء غير مُوحَّدة

في العام ٢٠١٩، أكد وزير العمل آنذاك كميل أبي سليمان تمسُّكه بتنفيذ القانون المُتعلق بعمالة الأجانب. وبالتالي، أوجد معوقات أمام العمال الفلسطينيين للحصول على إجازات عمل بصفتهم أجانب، لقد تمسّك بتنفيذ القانون من دون النظر إلى النتائج السلبية التي قد تحصل عند التنفيذ، وشهد الشارع اللبناني تحركات مختلفة إستندت إلى الإنقسام اللبناني نفسه، واستُخدم قرار الوزير أيضاً في النزاع السياسي الداخلي.

ويبدو أنّ القوى السياسية اللبنانية على إختلاف توجهاتها الطائفية والسياسية مُصابة بداء فقدان الذاكرة أو تملك ذاكرة إنتقائية، ففي ١٧ تشرين الثاني/نوفمبر ٢٠١٧ وقّعت القوى السياسية التالية: كتلة القوات اللبنانية، تكتّل الإصلاح والتغيير، كتلة الوفاء للمقاومة، كتلة التنمية والتحرير، كتلة نواب المستقبل وكتلة جبهة النضال الوطني، ورقة تحمل عنوان “رؤية لبنانية مُوحَّدة لقضايا اللجوء الفلسطيني في لبنان”. وهي ورقة أعدّتها “مجموعة العمل اللبنانية حول قضايا اللاجئين الفلسطينيين، المُشكَّلة في إطار لجنة الحوار اللبناني – الفلسطيني”. وهي ثمرة عمل إستغرق الوصول إليه قُرابة العامين، وتناول واحدة من القضايا التي تُثير إنقساماً حاداً بالرأي في المجتمع اللبناني ومع الفلسطينيين.

واليوم، وبعد مرور أربعة أعوام على توقيعها، لم تجرِ أية محاولة لوضعها حيّز التنفيذ. وما زالت القضايا التي تناولتها الورقة موضوعاً خلافياً في المجتمع اللبناني.

لقد أجمع موقِّعو الورقة على الموقف الحاسم والرافض للتوطين، والنظر إليه بصفته موقفاً لبنانياً جامعا، وموقفا لبنانياً – فلسطينياً مشتركا. وفي الجانب المعيشي أكدت الورقة على ضرورة مُضاعفة العمل لمعالجة المسائل الإنسانية والمعيشية للاجئين الفلسطينيين.

سمّوني “لاجئ”

من جهة أخرى، لا يوجد في القانون اللبناني تعريف للاجىء. وخصوصاً أنّ السلطة اللبنانية لم تُوقّع على إتفاقية اللاجئين.

لذلك، يُعرَّف اللاجىء الفلسطيني، حسب وكالة الأونروا بـ” كل شخص كان محل إقامته خلال الفترة ما بين الأول من حزيران ١٩٤٦ والخامس عشر من أيار ١٩٤٨ في فلسطين، وقد خسر بيته ومورد رزقه نتيجة النزاع الذي إندلع عام ١٩٤٨، ويكون لهذا الشخص صفة لاجىء ويحقّ له الإستفادة من تقديمات الأونروا”.

وقد إستفاد من هذا التعريف الآلاف من اللبنانيين الذين كانوا يسكنون ويعملون في فلسطين قبل النكبة.

من أجل ذلك، إقترحت الورقة المُوقَّعة من الأطراف اللبنانية، تعريف اللاجىء بأنّه “كل فلسطيني هُجِّر إلى الأراضي اللبنانية منذ عام ١٩٤٧، وكل مُتحدِّر من لاجىء فلسطيني في لبنان”.

لكنّ عدداً من وزراء العمل المُتعاقبين، وكلهم ينتمون إلى قوى وقّعت الوثيقة المذكورة، يعودون للتصرف وفق القانون اللبناني الذي لا يعترف باللاجىء الفلسطيني وينظر اليه بصفة أجنبي، يساويه بغيره من الأجانب، في حين يحاول وزراء آخرون تسهيل الأمور من دون أي محاولة للمس بالقانون المذكور.

كما تبنّت الورقة، التي أقرّتها مجموعة العمل، إطاراً مرجعياً ناظماً ومُوجِّهاً لمناقشاتها وتوافقاتها، وهو إطار مؤلف من ثلاثة مكونات مترابطة ومتكاملة:

الأول، الإلتزام بالدستور اللبناني ووثيقة الوفاق الوطني.

الثاني، الإلتزام بمنظومة حقوق الإنسان بصفتها المرجعية العالمية للتعامل مع حقوق الأفراد والجماعات والبلدان.

الثالث، الحرص على المصالح الوطنية اللبنانية العليا التي تُجسّد السيادة والإستقلال والعيش المشترك.

وأكدت المجموعة على حقّ الفلسطينيين بالعودة إلى وطنهم وإقامة دولة مستقلة. كما أكدت على ضرورة مضاعفة العمل لمعالجة المسائل الإنسانية والمعيشية للاجئين الفلسطينيين من خلال توفير الحقوق الإنسانية لهم، وتحسين أوضاع المخيّمات الفلسطينية.

وإنّه لا بد من سد الثغرة الناجمة عن خلوّ النصوص التشريعية اللبنانية من تعريف رسمي للاجىء وخصوصاً أنّ الحُجّة عند بعض القوى اللبنانية تكمن في أنّ لبنان لم يُوقّع على الإتفاقية الدولية الخاصة باللاجئين عام ١٩٥١.

كل هذا الإرتباك وعدم الحسم القانوني يجعلان من الوجود الفلسطيني في لبنان ورقة تُستخدم من الأطراف السياسية اللبنانية في نزاعاتها على المحاصصة ولو على حساب الحقوق الإنسانية للاجىء الفلسطيني.


وسوم :
, , , , , , , , , , , , , , , , , ,