مخيّم شاتيلا وأزماته العديدة

التصنيفات : |
يناير 5, 2022 1:30 م

*وفيق هوّاري – صمود:

يقع مخيّم شاتيلا جنوب العاصمة اللبنانية “بيروت الإدارية”، أسّسته اللجنة الدولية للصليب الأحمر عام ١٩٤٩ لإيواء لاجئين تدفقوا من منطقة الجليل الفلسطينية عام ١٩٤٨، وسكنوا في هذه المنطقة المُلاصقة لبيروت آنذاك، على مساحة يبلغ طولها ٤٠٠ متراً وعرضها ٣٠٠ متر.

“حاليا، لم يعد هناك حدود بينه وبين المساحات المحيطة به، ولم يعد مخيماً للاجئين الفلسطينيين، بل تحوّل إلى تجمُّع سكاني يضم أناساً من جنسيات مختلفة”، حسب وصف ناشط من المخيّم.

تعرّض مخيّم شاتيلا إلى كوارث فعلية خلال الإجتياح الإسرائيلي للبنان عام ١٩٨٢، وشهد واحدة من أبرز المجازر التي عاشها لبنان خلال حروبه الأهلية، هي مجزرة صبرا وشاتيلا في أيلول ١٩٨٢، والتي ذهب ضحيتها أكثر من ١٣٠٠ قتيل فلسطيني ولبناني، وارتكبتها مجموعات لبنانية بتخطيط ورعاية إسرائيلية، كما شهد المخيّم المذكور حرباً أخرى بعد سنوات، عُرفت بحرب المخيّمات، والتي كان لها تداعيات كبيرة، إذ أدّت إلى نزوح عدد كبير من عائلات المخيّم إلى منطقة وادي الزينة وهجرة العديد منهم إلى بلدان أوروبية، والحدثان كانا يهدفان إلى تهجير الفلسطينيين من لبنان وشطب المخيّمات من الخارطة اللبنانية.

ديموغرافيا المخيّم

تُعد الكثافة السكانية في مخيّم شاتيلا هي الأعلى بين المخيّمات الفلسطينية لصغر مساحته، إذ يبلغ عدد سكانه الفلسطينيين ٧٤٨٥ شخصاً حسب سجلات وكالة الأونروا، لكن، وبسبب الحروب المتوالية والهجرات المتعاقبة لم يبقَ منهم أكثر من ٢٠% منهم، حسب ما يقول أحد النشطاء.

ويُضيف: “يضم المخيّم عائلات هُجّرت من مخيّمي تلّ الزعتر ونهر البارد. وللعلم، معظم سكان عمارات الأونروا الثمانية هم من مُهجّري تلّ الزعتر، وهناك نحو ٥٠٠ عائلة فلسطينية قدِمت من سوريا، لكن وحتى اللحظة، يعاني “شاتيلا” من كثافة السكان خصوصاً بعد اللجوء السوري إليه، ويُشكّل المخيّم حالياً مكاناً لسكن عائلات من جنسيات مختلفة”.

يصمت الناشط لحظات وكأنّه يحاول التدقيق بما سيقوله قبل أن يستطرد قائلا: “أعتقد أنّ عدد المقيمين في المخيّم ومحيطه يصل إلى نحو ٢٥ ألف إنسان، معظمهم من اللاجئين السوريين، واللبنانيين الذي وفدوا إليه من الأطراف اللبنانية”.

يعمل معظم سكانه في مهن حرة أو عمالة يومية، وبعضهم يُدير حوانيت صغيرة في المنطقة، لكنّ الجميع يعاني الكثير من مشكلات حياتية يومية.

المياه.. شُحّ وتلوّث

يعاني مخيّم شاتيلا من مشكلات بيئية عديدة، على رأسها مشكلة المياه. فما يصل منها، إلى جانب إهتراء قسم من إمدادات الشبكة المائية، هو مياه مالحة غير صالحة للشرب أو للإستحمام، ومُضرّة بالصحة، ولا تقوم الجهات الرسمية بتنقيتها.

ويوضح أحد أعضاء اللجنة الشعبية الذي طلب عدم ذكر إسمه: “يضطر الكثير من أهالي المخيّم إلى استخدام هذه المياه غير الصالحة، بسبب الظروف الإقتصادية والمالية الصعبة التي يعيشها الناس. لكن للأزمة وجه آخر، فالمياه تنقطع بإستمرار بسبب إنقطاع التيار الكهربائي، وإنقطاع المازوت وإرتفاع سعره ما أدّى إلى توقّف محطّات الكهرباء عن التزويد وإلى إنقطاع المياه لأيام عديدة”.

هذا الوضع يدفع العديد إلى شراء مياه الإستخدام عن طريق الصهاريج، وشراء غالونات مياه الشفة، وهذا الأمر يُرتّب أعباءً مالية كبيرة على أهالي المخيّم.

يُشير عضو اللجنة الشعبية إلى مشروع خزان المياه الحلوة الذي موّله الإتحاد الأوروبي بالقول:”أشرفت الأونروا على تنفيذ المشروع وبدأ ضخّ المياه منه عام ٢٠١٤، وكان يؤمّن تسعة آلاف ليتر من المياه الحلوة يوميا، لكنّ المشروع فشل لأنّ بئر المياه الذي تمّ حفره يحتوي على مياه كبريتية غير صالحة للشرب والإستخدام”.

ويضيف: “هذا الأمر دفع اللجنة الشعبية إلى اقتراح مشروع آخر يقضي بحفر خمسة آبار من المياه المالحة غير الخاضعة للتنقية، موزّعة على أحياء المخيّم، وشراء آلات لتكرير المياه، ولكن للأسف، فإنّ هذه الآلات تمّت سرقتها من “أزلام” تجار المياه”.

واليوم، يواجه السكان صعوبة نقل المياه إلى زواريب المخيّم، بالإضافة إلى ارتفاع كلفة شرائها. وطالب الأهالي، الذين التقينا بهم، اللجنة الشعبية ووكالة الأونروا، بتأمين المياه الحلوة وإيصالها إلى المنازل.

الكهرباء.. أزمة متصاعدة

يعاني لبنان عموماً من أزمة تأمين الكهرباء للمواطنين، وأهالي مخيّم شاتيلا خصوصاً شأنهم شأن غيرهم، عانوا خلال العقود السابقة من هذه الأزمة ولا زالوا. وقد تفاقم الوضع خلال العامين الماضيين، حيث لا كهرباء رسمية، وأسعار إشتراك المولّدات الكهربائية إلى ارتفاع مهول، مع تقنين إضافي بساعات التغذية.

يقول أحد القاطنين في المخيّم: “في فصل الصيف عشنا كارثة، لا كهرباء من الشركة، تقنين بعمل المولدات، رفع بدلات الإشتراك، إرتفاع درجات الحرارة ونسبة الرطوبة، كنّا نشعر بالإحباط، نخرج إلى الشوارع بحثاً عن هواء حتى لو كان ملوثا، لأنّ منازلنا تحولت إلى قبور مُظلمة وخانقة. وما ينطبق على الأهالي ينطبق على أصحاب المحال الصغيرة”.

يضحك أحدهم عندما سألناه عن الحل ويجيب: “الحل موجود، نستبدل الكهرباء بالغاز، ولكن هناك مشكلة صغيرة في هذا الموضوع، الإرتفاع الجنوني لأسعار قوارير الغاز إذا وُجدت. الواقع، إنّنا نعيش في دائرة مُقفلة لا تسمح لنا بالعيش بكرامة”.

أما أصحاب المولدات فلا حسيب لهم ولا رقيب، ولا إلتزام بتسعيرة وزارة الطاقة. يرفعون “التسعيرة” إلى درجة لم يعد باستطاعة الأهالي تحمّلها.

يختم أحد الناشطين الموضوع بالقول: “طالما الدولة اللبنانية عاجزة عن تأمين التيار الكهربائي الذي يصلنا بالمناسبات، على وكالة الأونروا وهي المعنية بموضوع اللاجئين، واللجنة الشعبية التي تقول إنّها تدافع عن اللاجئين، أن تتدخلا لتنظيم خدمات المولّدات الكهربائية وشبكات التوزيع الكهربائي”.

النفايات تُلوِّث الصحة والعين

على هذه البقعة الصغيرة، وداخل هذه الأزقة الضيقة والأبنية العشوائية، ثمة كثافة سكانية عالية، ولا مستوعبات كافية. هذا ما يجعل النفايات تتراكم عند زوايا الأزقة، وما يؤدي إلى انبعاث الروائح الكريهة، وإنتشار القوارض والحشرات، وبالتالي إنتشار الأمراض المُعدية صيفا. وإلى إنسداد شبكات الصرف الصحي شتاء.

يغيب عن المخيّم تحديد ساعات جمع النفايات ونقلها، وإذا حُدّدت، فلا يلتزم الأهالي بالمواعيد ما يعني تكدُّس النفايات على إمتداد ساعات النهار والليل.

لكنّ بعض الجمعيات من خلال المتطوعين، بادر إلى جمع النفايات ونقلها من داخل المخيّم، بالتعاون مع الأونروا واللجنة الشعبية، ومن هذه الجمعيات: جمعية “أحلام لاجىء” ومؤسسة “جفرا”.

يجمع ناشطو “أحلام لاجىء” النفايات ويفرزونها لإستخدام المواد الممكن تدويرها، وهذا النشاط أمّن فرص عمل لعدد من الشباب العاطلين من العمل، وخفّف من كمية النفايات المتراكمة، وذلك تحت شعار “سوا مخيّمنا أنظف.”

أما  مؤسسة “جفرا” فيقوم متطوعوها بتنظيف الأزقة بعد ظهر كل يوم.

لكن أحد النشطاء يشير الى أهمية توعية الناس على ضرورة الفرز من المصدر، والإلتزام بمواعيد الجمع ووضع النفايات في مستوعبات قادرة على إستيعاب كمية النفايات.

يُذكر أنّ المخيّم يحتوي على مركز طبي واحد.

التسرُّب المدرسي

في المخيّم مدرسة إبتدائية ومتوسطة تابعة للأونروا، تستقبل نحو ٦٠٠ تلميذ وتلميذة، وهناك ثانوية تتبع للأونروا أيضاً تقع بالقرب من منطقة الرحاب، يرتادها تلامذة من “شاتيلا” بالإضافة إلى تلامذة من مخيّم برج البراجنة والجوار.

وحول التسرّب المدرسي، يشير ناشط فلسطيني إلى ارتفاع النسبة، لكنّه يوضح بالقول: “لا توجد دراسة علمية واقعية تُحدّد العدد والنسبة، وقد تواصلنا مع الأونروا واكتشفنا غياب أي معلومات دقيقة حول الموضوع، لكنّ الحديث عن إرتفاع النسبة يستند إلى ما يمكن ملاحظته من عمالة الأطفال المنتشرة في الحوانيت ومحال تصليح السيارات وخصوصاً في الشارع المؤدي إلى قصر حمادة”.

المخدرات: إشكالية الإفقار والجهل

تشهد المنطقة فلتاناً أمنياً واسعا، ويعود السبب لغياب مرجعية فلسطينية موحّدة، وهذا ما أدّى إلى انتشار ظاهرة ترويج المخدرات، ومعظمها من نوع حبوب الهلوسة.

يقول أحد المتابعين للموضوع: “تُشكّل هذه المنطقة سوقاً للترويج والتوزيع، ويجب الإنتباه إلى أنّ المخدرات يجلبونها من خارج المخيّم، وهناك نحو ستة مُروّجين أساسيين، جرى تسليم ثلاثة منهم للقوى الأمنية اللبنانية، في حين يمكن ملاحظة الإعتماد على المُروّجين من صغار السن وعلى النساء أيضا”.

وعن الأسباب التي ساهمت في تحوّل الأمر إلى ظاهرة، يوضح المتابع: “يعود السبب الرئيس  إلى حالة التراخي الأمني داخل المخيّم، واللجوء إلى حلول بالتراضي، في حين أنّ موضوعاً بخطورة إنتشار آفة المخدرات يحتاج إلى حسم بالموقف والممارسة”.

ويدور الحديث همساً حول وجود شُبهة لدور أحد المسؤولين في التغطية لعمليات الترويج في المنطقة.

اللجان الشعبية ليست للشعب

في مخيّم شاتيلا لجنتان شعبيتان، الأولى تتبع لمنظمة التحرير الفلسطينية والثانية لقوى التحالف الفلسطيني، ويتقاسمان الأدوار، من دون القيام بالمهام المطلوبة منهما في الدفاع عن مصالح اللاجئين، وتتحدث أوساط في المخيم، عن قيام إحدى اللجان بتقاضي مبالغ مالية لقاء إعطاء أصحاب المنازل أوراق تثبت الملكية أو الإستخدام بسبب إمتناع السلطات اللبنانية عن القيام بدورها المطلوب بتثبيت عقود الملكية أو الإستخدام (القانون رقم 296 يحرم الفلسطيني التملّك من الناحية القانونية والإنسانية)، وخصوصاً أنّ معظم الأبنية غير شرعية.


وسوم :
, , , , , , , , , , , , , , , , ,