الترجمة.. نافذة فلسطين على العالم وإليها

التصنيفات : |
يناير 14, 2022 9:19 ص

*وسام عبد الله

تُعتبر الترجمة وسيلة إنسانية مهمة للتعرف على الآخر البعيد والمختلف عني، جغرافياً وثقافيا، لتُساهم في تقريب المسافات وتبديد الأوهام، عن طريق الدراسات والمنشورات والكتب الأدبية، وفي الحالة الفلسطينية هي جزء من المقاومة بتقديم النصّ والرواية الحقيقية في مواجهة الكذب والإدعاء الصهيوني.

الإعلام الإلكتروني والترجمة

إستطاعت مواقع التواصل الإجتماعي إختصار الزمن والوصول إلى عدد أكبر من شعوب العالم، فلم يعد الإعتماد فقط على الكتب المُترجمة، التي قد يُمنع نشر بعضها بسبب ضغوط “إسرائيلية”، إضافة إلى عامل مهم جداً وهو التكلفة المادية للنشر والتوزيع، فتجاوز الناشطون الفلسطينيون الحواجز، وكانت المواجهة في حيّ الشيخ جرّاح بالقدس مثالاً واضحاً على دور التحدث إلى الآخر غير العربي، فإن كان هناك جزءٌ يعرف فلسطين ويؤيّد الصهاينة، فهناك قسمٌ آخر لا يعرف إلا ما قُدّم له من رواية من جهة واحدة.

يتكامل دور الداخل الفلسطيني والخارج، فالموجود في أوروبا وأمريكا يمكنه التواصل مباشرة أو عبر الفضاء الإلكتروني مع مواطني مجتمعه الأجنبي، لفضح جرائم الاحتلال وكيف أنّ حكومات بلادهم تُقدّم لهم رواية مُزيّفة عما يحدث في فلسطين.

البناء على الحدث هو الضامن للإستمرار وليس الإعتماد على تصدُّر “هاشتاغ” مُعيّن صدارة “التراند”، فمن خلال تأسيس مواقع ومؤسسات تهتم بالتنسيق مع الناشطين لترجمة واقع الحياة الفلسطينية، وليس بالضرورة مخاطبة المواطن الأوروبي بمصطلحات وأفكار هي بالنسبة لنا تُشكّل دافعاً للتضامن مع قضية ما، من المهم أن يكون مواطن عربي أو فلسطيني يعيش في برلين مثلا، لديه الإمكانية لمعرفة ما يُحفّز ويجذب المواطن الأوروبي حتى يكون مدخلاً للحديث معه عن فلسطين بلغته، فالترجمة بهدف الترجمة ليست هي الهدف الفلسطيني، لأنّنا أمام قضية رأي عام، أدرك العدو أهميتها منذ اللحظة الأولى.  

وظيفة الترجمة والمترجم

قد لا تكون مهمة المترجم نقل النصّ بين لغتين حرفيّا، كون المعنى بين المصطلحات يختلف من لغة إلى أخرى، فيعطي مساحة معينة لنقل المغزى من النص، بشكل واضح ومفهوم. كُتِبَ عن القضية الفلسطينية عربياً عدد كبير من الكتب، بمختلف الأجناس والمواضيع، لتبقى الفجوة في عدم وجود مؤسسات مُستدامة يكون جهدها الوحيد هو ترجمة المحتوى العربي والفلسطيني إلى لغات مختلفة. وأهمية مشاركة مترجمين فلسطينيين في العمل، ليس بهدف حصره فيهم، إنّما للمساهمة في نقل الصورة الواقعية لمجتمعاتهم.

عوامل عديدة تؤثّر على حركة الترجمة، قد تكون رغبة دار النشر والمترجم في إختيار نصوص حائزة على جوائز عالمية، مثل “نوبل للآداب”، كونها تساهم في إعطاء صورة للقارئ لجذبه لشرائه، دون أن ننسى العامل السياسي في الترجمة بين اللغات، ففي لبنان تكثر الكتب المترجمة من وإلى الفرنسية كونه يُصنّف ضمن الدول الفرنكوفونية، وفي زمن الإتحاد السوفياتي إمتلأت المكتبات في الدول الحليفة له بالأدب الروسي، ومن هنا تكمن أهمية إستفادة الفلسطينيين من العلاقات مع الدول، فإن كانت الإنكليزية هي الأكثر إنتشاراً وتداولاً بين دول العالم، ولها أهميتها، لكن يبقى هناك دول أمريكا اللاتينية وروسيا واللغات الآسيوية ومجتمعات إفريقية وأوروبية لها لغاتها وثقافتها التي تشكّل سوقاً عالمية واسعة.     

العدو والترجمة

تكمن أهمية الترجمة، بتطويع مصطلحات ومفردات يستخدمها الطرف المقابل في يومياته، وهو ما عمل عليه العدو منذ تأسيسه، فهو سخّر الكتب والمعارض الأدبية والإعلام ليتوّجه إلى المواطن الأجنبي لتقديم روايته، من “حقّه في أرض الميعاد” وتقديم نفسه الضحية والفلسطيني هو “القاتل”، وصولاً إلى مرحلة التوجُّه إلى المجتمعات العربية، من خلال ضيوف على شاشات ناطقة باللغة العربية وإنشاء صفحات التواصل الإجتماعي للتأثير على الشباب العربي، فتكمن خطورة الترجمة في هذه الحالة، كونها تُشكّل مساحة تفاعل بين الطرفين، مما يخلق نوعاً من التواصل الإنساني، يصبح مع الوقت أمراً طبيعياً أن أتحدث باللغة العربية مع “إسرائيلي”، أي أنّ اللغة هي جزء جوهري في عملية التطبيع.

كتب ومراجع

تُرجمت العديد من المؤلفات الفلسطينية إلى لغات أجنبية، مثل كتب الأديب غسان كنفاني التي تُباع على موقع “أمازون” العالمي، إضافة إلى وجود تاريخ طويل من مساهمة المترجمين الفلسطينيين في الترجمة من لغات أجنبية إلى العربية، منها الروسية والألمانية والتركية والفرنسية، لكن تبقى الفجوة المعرفية، هي بوجود المرجعية التي تُصنّف الكتب والمنشورات، المترجَمة من وإلى العربية، وهو ما تقوم به العديد من المؤسسات الفلسطينية والتي تبقى بحاجة إلى الدعم المادي، أي إنّنا بحاجة لأن تتحول حركة الترجمة، إلى “صناعة” حقيقية، وليس فقط شغف الكُتّاب ودور النشر بالتأليف.

*كاتب لبناني


وسوم :
, , , , , , , , , , , , , ,