هل ما زال التعليم أولوية اللاجئ الفلسطيني؟

التصنيفات : |
فبراير 2, 2022 3:01 م

*وسام عبد الله

حين تجالس أحد الأطفال داخل مخيّم للاجئين الفلسطينيين في لبنان، وتبدأ الحديث معه عن بلده فلسطين، تدرك كم تشرّب القضية في بيته وبيئته، ودور التربية والتعليم المحوري في تنمية الإنتماء وتعزيزه، وهو ما يعرف خطورته الاحتلال والدول الراعية له، فكانت محاربة الفلسطيني، كما بالرصاص ولقمة عيشه، كذلك بالدراسة والتعليم.

حين طُرد الفلسطيني من أرضه، لم يحمل معه إلا ما تيسر من أغراض شخصية، كون العدو سلب منه جدران منزله وذكرياته، لكنه عجز أن يسرق وعيه أو يصادر تفكيره، فعرف الفلسطيني أهمية المحافظة على مستواه العلمي، الذي كان يتميز به قبل النكبة.

معوّقات التعليم في لبنان

ويشير الصحافي والباحث الفلسطيني سامر منّاع، إلى حرص اللاجئين على متابعة تعليمهم: ” التعليم ضمن الأولويات في حياة الفلسطيني، نشهد الكثير من الشهادات العليا التي سبقت النكبة على صعيد العالم العربي، وبالإحصاءات العربية أكثر الحاصلين على شهادات عليا هم في معظم الأوقات فلسطينيون، وإصرار اللاجئ يمكن ملاحظته من خلال الصور ما بعد النكبة التي نجد فيها الفلسطيني يتعلم داخل الخيم ويحصل على الشهادات، ومعظم القيادات في فترة الخمسينات والستينات من خريجي الجامعات الكبرى، مثل الجامعة الأمريكية في بيروت والقاهرة “.

ويضيف منّاع: “ومن هنا ندرك سبب الإستهداف المتكرر للأونروا، لأنّ اللاجئ بمجال التعليم شهد تراجعاً في مدارسها وبرامج التعليم والتسرُّب المدرسي ودمج المدارس”.

يرتبط التعليم بسوق العمل، كونه أحد المنافذ الأكاديمية للحصول على فرص أكبر في مهن متعددة، وهو ما يُحرم منه الفلسطيني، نتيجة قوانين العمل في لبنان وصعوبات إكمال التعليم، ويوضح منّاع السياق التاريخي لسبب هذا التراجع: “قبل النكبة كان هناك علاقات إقتصادية تربط الفلسطيني بلبنان من خلال التجارة والشركات المشتركة، وبعد النكبة إنتقلت رؤوس الأموال من فلسطين إلى لبنان.

في فترة الخمسينات، كان هناك إنتعاش كبير في القطاع المصرفي بسبب الأموال والخبرات الفلسطينية في هذا المجال، لكن عنصرية بعض الأحزاب والشخصيات اللبنانية واجهت الفلسطيني، منذ البداية، ومن هنا بدأت “التضييقات” بسبب التنافس في السوق، ولم يكن هناك لدى الكثيرين من مصلحة في أن يستثمر الفلسطيني بهذا الكم الكبير من الأموال، وقصة يوسف بيدس مع بنك أنترا أكبر مثال”.

الفلسطيني يزرع واللبناني يحصد

ويتابع “كان للفلسطيني دور كبير في مجال الزراعة، ساهم في إحياء المناطق الجرداء على الساحل مثل المنطقة الممتدة بين صيدا وصور، فازدهرت ونشأت التجمعات الفلسطينية مثل البرغلية وأبو الأسود وكفر بتا، بفضل اليد العاملة المختصة، إضافة إلى الكفاءات في مختلف المجالات، لكن حالة الحرمان على المستوى التعليمي خلال العشرين سنة الأخيرة، جعلته ينكفئ عن التخصص في بعض المجالات العلمية، فإن أراد دراسة الطب مثلا، يتجه إلى الخارج من خلال المنح الدراسية لأنّ الجامعة اللبنانية لا تستقبل الفلسطيني في هذا الإختصاص، وأيضاً في إختصاصي الصيدلة والهندسة، لذا لم تستفد منه الدورة الإقتصادية في لبنان”.

وعن المرحلة الحالية يقول الباحث الفلسطيني: “خلال السنوات الثلاث الماضية، مع إنتشار وباء كورونا كان قطاع التمريض في الخليج مصدر جذب للكثير من الممرضات والممرضين اللبنانيين، فحلّ محلهم الكثير من الفلسطينيين، وفُتحت لهم الأبواب من قٍبل نقابة الممرضات والممرضين، وإن بقيت هناك بعض التضييقات فلا بد من بعض الإختراقات بسبب الحاجة”.

يكون الطالب الفلسطيني، اللاجئ، أمام طريق مسدود، وضمن خيارات محدودة، وهو ما يشكل خطراً على مستقبله، فحين يدرك الطفل وأهله، أن لا فائدة لتعليم إبنهم بسبب فقدانه القدرة على العمل، الأفضل له أن يتجه نحو العمل المبكر والإبتعاد عن الدراسة وخاصة مع إشتداد الحاجة المادية، وعن خطورة الأمر يعتبر منّاع أنّ “هناك حالة من الفقر في المخيمات، وهم عرضة لجذبهم إلى السلوك غير القانوني، مع إنتشار لبعض عصابات المخدرات التي تستهدف كافة الجنسيات، على الرغم من تضخيم الظاهرة إعلامياً في بعض الأحيان، فهي موجودة في مختلف المناطق اللبنانية”.

تعليم الفلسطيني.. حماية له

ليس هناك من حاجة لتوجيه دعاية للاجئين ليدركوا أهمية التعليم، فهم يعرفون ويؤمنون به، لكنّ ما هم بحاجة إليه فعلاً لا قولاً هو منهج تعليمي يتناسب مع التطورات التي تطرأ على المناهج التربوية، وأن تكون شهاداتهم قابلة للإستثمار في سوق العمل، أي أنّ الحلول الإقتصادية والإجتماعية هي في مسار واحد غير منفصل، والأهم والأكثر خطورة، أن يبقى الإنتماء لفلسطين داخل المناهج هو الأساس، فمحاولة فصل الطالب عن قضيته من خلال مفاهيم يعمل الاحتلال على ترسيخها، تساهم في تفريغ حقّ العودة من الداخل.

*كاتب لبناني


وسوم :
, , , , , , , , , , , , , , , ,