الصورة النمطية للاجئ الفلسطيني في الإعلام اللبناني

التصنيفات : |
فبراير 10, 2022 9:18 ص

*وسام عبد الله

من شهرين، “إنفجار يهزّ مخيّم البرج الشمالي في جنوب لبنان”، عنوان كافٍ لتبدأ معظم الوسائل الإعلامية بتداول الخبر وتحليله، والبناء عليه من مواقف سياسية يتمّ بثّها عبر تقارير ولقاءات صحفية، لكن، قبل الحدث وما بعده بأيام، عادت أخبار اللاجئين الفلسطينيين للإبتعاد عن الضوء، لأنّ الحدث لم يجرِ توظيفه سياسياً من قبل حركتي فتح وحماس بل جرى العمل سريعاً على لملمة الموضوع حتى لا يتطور إلى ما لا تُحمد عقباه، إذا، لا قيمة للحدث بحسب معايير الجهات الإعلامية.

تأطير الفلسطيني

إرتبط اللاجئ الفلسطيني بصورة محددة، سعت وسائل إعلامية لترسيخها، فاعتُمد المبدأ السائد بالتعميم، فأي حدثٍ، كان عملاً فردياً أو صادراً عن جهةٍ سياسية، يتمّ توجيهه بطريقة تصل للمتلقي، بأنّ كل فلسطيني مشتبهٌ به.

هنا للحديث صلة، فالفلسطيني الذي يرد ذكره في أخبار الحوادث القانونية، لا يكتفي الإعلام اللبناني بعرض حرفين فقط من إسمه كما يفعل مع اللبناني، بل يستعرض الإسم بالكامل، وهذا له دلالة خاصة تفوح منها عنصرية مقيتة.

وكم من التقارير الإعلامية التلفزيونية التي تمّ إعدادها للحديث عن تجارب داخل المخيّمات الفلسطينية تركت أثراً إيجابيا؟

الرقم قليل، وهو دليل على ندرتها، بعدم إعطائها مساحة في جدول الأخبار، والسبب  هو الرغبة في الحفاظ على صورة معينة لا يخرج اللاجئ من إطارها، بالأسلوب السلبي في إختيار المصطلحات والصور، التي تملك حكماً مسبقاً لدى الجمهور المتلقي.  

تتصدّر عناوينٌ المشهد الإعلامي في تصنيف اللاجئين، قضايا المخدرات وحماية المطلوبين داخل المخيّمات، والأحداث الأمنية والمعاناة الإقتصادية، وغيرها من الأحداث التي تدور في فلكها. وهل المطلوب إنكار الحالات السلبية؟

بالتأكيد كلا، لكنّ حصر الإهتمام بالشأن الفلسطيني حين يكون الخبر مرتبطاً بحدثٍ أمني، وإهمال الإضاءة على مبادرات ومشاريع فاعلة داخل المخيّمات وخارجها، إضافة إلى التركيز على أحداث الحرب الأهلية في لبنان وحصرها في التعبير عن الموقف من الفلسطينيين، جميعها تُشكل تدفقاً مستمرا من المعلومات المحددة، وخاصة أنّ معظمها مبنيٌ على التقارير الإخبارية، أي يسهل التحكم من قبل المراسل وهيئة التحرير بمحتوى الخبر. إضافة إلى أنّ التركيز في اللقاءات الحوارية بمعظمها على الفصائل الفلسطينية، في حين يغيب أصحاب المبادرات المجتمعية إلا في تقارير محدودة، وهذا النوع من المواد يمكن ملاحظة نشرها في الصحف والمواقع المكتوبة أكثر من التقارير التلفزيونية والإذاعية.

دائماً ما يوصف التعاطي الإعلامي السلبي مع اللاجئ بـ”العنصري”، في رفض الآخر وإنكار حقوقه، وهو الرفض الثقافي والإجتماعي، وحتى بالشكل وطريقة الحديث، فهل من قانون إعلامي يحمي أو يُجرّم خطاب الكراهية ضد الإنسان؟

إنّ حرية التعبير، هي الرد على أي طرح قانوني ضمن هذا السياق. والمفارقة، أنّ الحرية تقف عند مصالح المؤسسة الإعلامية في الكثير من القضايا.    

الإعلام البديل

شكّلت المواقع الإلكترونية ووسائل التواصل الإجتماعي نافذة للاجئ ليستطيع التعبير والتعريف بقضاياه ومشاكله وأحلامه، حينها بدأ بعض الشباب اللبناني، يكتشف “فلسطينياً جديدا” خارج إطار وسائل الإعلام. ليبدأ صراع الصورة بين الفلسطيني “الغريب” الذي تمّ ترسيخه في ذهنية اللبناني، والفلسطيني “القريب” في صموده وأحلامه، وبين الصورتين هناك كسر لحاجز الخوف والوهم والإلغاء والإنكار، فلا يُستغل الفلسطيني لتحقيق مكاسب لدى الأطرف السياسية، إن كانت رافضة لحقّه في الحياة اللائقة أو حتى الجهات المنادية بحقوقه ولكنّها، بقصد أو من دونه، تُحوّله إلى أداة في صراعاتها وحسابتها الداخلية.

تلعب المنصات الإعلامية الفلسطينية دوراً هاماً في تظهير صورة عن المخيّمات والإنسان الفلسطيني، لا يُروَّج لها في الإعلام التقليدي، فهدم الخوف يكون بتثبيت القواسم المشتركة العديدة بين الشباب اللبناني والفلسطيني، وهو ما يتطلب جهداً من الطرفين، ولعب دور الضحية لا ينفع في جميع الحالات، فالنقد الذاتي من المجتمع المضيف ومجتمع اللاجئين، ضروري لتخطي الحواجز، إنّما يحتاج إلى جرأة ورغبة وقرار في تخطّي خطاب الكراهية. فأين يقع دور الإعلام من الذاكرة الجماعية؟.

صياغة الخطاب الإعلامي

مشكلة الاعلام اللبناني في التعاطي مع اللاجئين، هي جزء من تعقيدات المجتمع اللبناني، في التصنيف والرفض لفئات معينة، حزبية أو دينية أو مناطقية، كلها تنعكس على الخطاب الإعلامي. وهو ما ينسحب على مفهوم الذاكرة الجماعية ما بعد الحرب، وما تركته من جروح، لم يساعد الزمن في معالجتها لأنّ الاطراف السياسية لم يكن لديها الرغبة في إنهائها.

فالإعلام هو أحد تجليات الثقافة المجتمعية، التي يُعبَّر عنها في مؤسسات مثل المدارس والجامعات والمنظمات وفرص العمل، أي أنّ علاج الذاكرة هو عمل مجتمعي وقانوني وتشريعي وتربوي، والخطاب الإعلامي مؤثر ويتأثر بجمهوره أيضا، فيصبح المطلوب هو الحذر عند صياغة المصطلحات وتوخّي الإيجابية في اختيار القصص، لا حصرها بالأحداث السلبية فقط والسعي للخروج من الخطاب النمطي.

وحتى يتمّ ذلك، يبقى للمنصات الإعلامية دورها في تقديم مساحات النشر وتبادل الأفكار، والعمل بنفسٍ طويل الأمد على التوعية ومحاربة التمييز العنصري والأحكام الإلغائية، والإضاءة على الفائدة التي يُقدّمها التنوع الثقافي للمجتمع ككل. خطوة مطلوبة من اللبناني والفلسطيني على حدٍ سواء.   

*كاتب لبناني


وسوم :
, , , , , , , , ,