إغواء “عوزي”: كيف حاول الموساد تجنيد أحد أقرب المقربين من الرئيس المصري

التصنيفات : |
فبراير 23, 2022 7:53 ص

ترجمات – صمود:

*عمير أورين

أظهرت ملفات إستخباراتية ودبلوماسية إسرائيلية أُزيحت عنها السرية قبل أسابيع، تفاصيل عملية دولية إستهدفت كبير مستشاري الرئيس المصري عبد الناصر، محمد حسنين هيكل، والذي أعطاه الموساد الإسم الحركي “عوزي”.

الصحافي محمد حسنين هيكل (إلى اليسار) برفقة الرئيس جمال عبد الناصر وابنته هدى: قام الاستخبارات السرية الإسرائيلية بتوظيف شبكة دولية في محاولة منها للوصول إلى هيكل.

على الرغم من كونه أمراً غير مألوف، إلا أنّ الثقافة “الإسرائيلية” الشعبية أعادت مؤخراً إحياء ذكرى صحافي مصري كان من أشد خصوم “إسرائيل”. محمد حسنين هيكل أكثر الصحافيين شهرة في الشرق الأوسط في منتصف الخمسينات وحتى منتصف السبعينات، بات بطل فيلم جديد بعنوان “صورة النصر” والذي تدور أحداثه خلال حرب العام 1948.

لم يكن صناع الفيلم من أطلقوا على هيكل هذا الإسم لكنّها الشخصية التي تسرد أحداثه وهي على ملاك القوات المصرية، وتتشابه بما لا يدع مجالاً للشك مع هيكل. الأمر شبيه بأن يتحول جنرال إسرائيلي أعور إلى سياسي كان يُدعى موشيه ديان دون ذكر إسم ديان بشكل صريح.

ربما يكون إسم هيكل قد عفى عليه الزمن حاله حال ديان، رغم أنّ ثمة صلة مبهمة بين الصحفي والحاضر.

في آب/أغسطس 1973، قبل ستة أسابيع من اندلاع حرب “يوم كيبور”(1)، إلتقى هيكل بأحد أعضاء مجلس الشيوخ خلال زيارته الأولى إلى الشرق الأوسط. بعدها غادر جو بايدن القاهرة متجهاً إلى القدس حيث التقى بجولدا مائير ليناشدها أن تتبنى سياسة أكثر اعتدالا، رغم أنّ هيكل والمصريين لم يقدموا أي تنازلات.

يبدو أنّ أجهزة الإستخبارات الإسرائيلية، حالها حال صناع الأفلام، إنغمست أيضاً في بعض المؤثرات الفنية في فهمهم لهيكل. ولحسن الحظ فإنّه وكما أنّ الفيلم قد أبصر النور، كذلك كان الأمر مع العديد من الملفات الإستخباراتية والدبلوماسية السرية من الأرشيف الوطني الإسرائيلي. فقد كشفت الوثائق التي تمّ رفع السرية عنها قبل أسابيع فقط، عن قيامهم بوضع عملية مُفصّلة إستهدفت هيكل لإقناعه بلقاء مسؤولين إسرائيليين بل وبزيارة “إسرائيل”.

لم يأتِ ملف هيكل الذي يغطي الفترة الممتدة ما بين العامين 1959-1960 على ذكر الهدف النهائي من العملية. قد يكون الهدف تجنيده كعميل أو استخدامه للتأثير على سياسة القاهرة تجاه “إسرائيل”، أو على الأقل لتغيير المناخ الشعبي المعادي في فترة كان المصريون بحلول ذلك الوقت قد دخلوا في حربين مع “إسرائيل”، رغم أنّها لم تكن خصمهم الطبيعي التاريخي الصلب، كما سيثبت في ما بعد من خلال مبادرة السلام بيغن – السادات.

لدى الخوض في مقالات هيكل ومحاضراته، يصعب تصديق أنّ تجنيده من قبل المخابرات الإسرائيلية كعميل في خدمة “إسرائيل” كان أمراً وارداً بأي حال من الأحوال. كان هيكل وطنياً شرسا، مستاءً من تنامي قوة “إسرائيل”، ولم يكن من النوع الذي يمكن إغراؤه بالمال. لم يكن في حياته ثمة ما يمكن إبتزازه به للتعاون مع الموساد.

في أواخر الستينات، بادر أشرف مروان، صهر جمال عبد الناصر وفي ما بعد أحد أعضاء دائرة المقربين من السادات، بالإتصال بالسفارة الإسرائيلية في لندن عارضاً خدماته في مهمات التجسس. ولدى معرفة هوية المتصل، هتف شموليك غورين، مدير محطة تسوميت المحلية التابعة لقسم التجسس في الموساد متعجبا: “هذا لا يصدق! كنّا نتساءل عن كيفية الإقتراب من هدف كهذا، وها هو يبادر بطرق بابنا؟”

جمال عبد الناصر، رئيس الجمهورية العربية المتحدة، مع حفيده جمال مروان ابن ابنته منى وزوجها أشرف مروان في القاهرة 1967. كان مروان جاسوساً للموساد لعقود.

لكنّ هيكل لم يكن مروان. إذ لم يكن ليقدّم لـ”إسرائيل” أية خدمة يمكن لها الإستفادة منها. ومن ناحية أخرى، لم يكن على علم بأنّ اسمه كان على مكاتب ضباط الموساد ووزارة الخارجية كهدف لعملية معقدة بأسماء رمزية. لا بد وأنّه كان سيشعر بشيء من القشعريرة لو علم بالإسم الذي أُطلق عليه: “عوزي”.

إلا أنّ السؤال كان: كيف يمكن الوصول إليه؟ ثمة عدة طرق تمّ أخذها بعين الإعتبار من خلال صحفيين أمريكيين وفرنسيين، أكاديميين أو حتى أحد ضباط الشرطة المصريين.

ويبدو أنّ مسار العملية قد أخذ منحىً أبعد مع الكاتب والصحفي الأمريكي روبرت إس.تي جون، وكان شأنه شأن هيكل مؤلفاً غزير الإنتاج، نجا في شبابه كصحفي شجاع من عصابة آل كابوني وكان أول من غطى القصف الأمريكي لهيروشيما وناجازاكي بالأسلحة الذرية خلال الحرب العالمية الثانية. وقد عاش كلا الرجلين عمراً مديداً حيث عاش هيكل 92 عاما، في ما عاش جون 101 عاماً إلا شهرا. وكان اسمه الحركي “سامبا” كناية عن الموسيقى المعروفة بسحرها.

كان الإثنان زميلين قبل أن يصبحا صديقين، وكان جون يعتبر خياراً موفقاً في لعبة التسلل خلف ظهر هيكل -أو حتى أمامه- وتسليم “إسرائيل” مفتاح الوصول إليه.

الكاتب والصحفي الأمريكي روبرت إس.تي جون يقدم كتابه الجديد، “بن غوريون، سيرة حياة رجل استثنائي” إلى رئيس وزراء “إسرائيل”، مطلع العام 1959. إهداء إلى باولا بن غوريون.       المصدر: الأسوشييتد برس

بنى هيكل، الذي وُلد في العام 1923 وعاصر كلاً من هنري كسنجر وشيمون بيريز، شهرته بصورة أساسية على علاقته بعبد الناصر، الشخصية الأساسية في التخطيط داخل حركة الضباط الأحرار التي أطاحت بالملك فاروق وحكمت مصر بصورة أو بأخرى طيلة العقود السبعة الماضية. وقد برز الكولونيل ناصر، حين كان في منتصف الثلاثينات من عمره، كزعيم للمجموعة وتولى منصب رئيس الوزراء ثم رئيس أو ريّس وهو اللقب الذي اتخذه إس.تي جون عنواناً لكتاب له عن السيرة الذاتية لعبد الناصر.

إستطاع ناصر أن يأسر الجماهير، حيث طغت جاذبيته الكاريزماتية على إخفاقاته حتى قاد دولته المتخلفة إلى طريق مسدود، وحاول نائبه وخَلَفُه السادات، بجرأة، سحبها.

ظلّ ناصر حتى وفاته عن عمر ناهز الـ52 عاماً بالنسبة لـ”إسرائيل” عدواً لدوداً يُخشى منه، لكن يُنظر إليه باعتباره سلالة جديدة من القادة العرب. وكان الهدف الأساسي من الحملة البريطانية – الفرنسية – الإسرائيلية على السويس – سيناء عام 1956 هو التخلص منه. إلا أنّه نجا، قبل أن يشعل فتيل حرب العام 1967 ويخسرها ويقضي سنواته الثلاث الأخيرة ما بين المرض والهزيمة.

الرئيس المصري جمال عبد الناصر ملوحاً للجماهير في بور سعيد، مصر خلال احتفالية على إثر استعادة مصر رسمياً السيطرة على قناة السويس من بريطانيا في 18 حزيران/يونيو 1956.                المصدر: الأسوشييتد برس

كان هيكل أكثر المقربين من ناصر إثارة للإعجاب. ولم يكن يسعى وراء منصب رسمي. لكنّه بعد ذلك بوقت طويل وافق على العمل لفترة وجيزة كوزير للإرشاد الوطني(2)، وكان له تأثير كبير على طريقة تفكير عبد الناصر.

أدّت أفكار هيكل وبلاغته إلى إثارة موجة من الصخب من خلال مقالاته المتكررة في صحيفة الأهرام التي كان رئيساً لتحريرها. كما قدّمت هذه المقالات منظوراً فريداً من الداخل لصانعي السياسة الفضوليين في القدس ومحللي المخابرات في تل أبيب. وفي الستينات، كان العديد من نشرات أخبار “كول إسرائيل” تبدأ إفتتاحيتها بمذيع أخبار يقول: “في عموده الأسبوعي، قال محرر الأهرم والناطق بلسان عبد الناصر…”.

حشود تتجه نحو صورة ضخمة لرئيس الجمهورية العربية المتحدة جمال عبد الناصر خلال مرور موكبه الجنائزي الذي بلغ طوله ستة أميال عبر القاهرة، مصر العام 1970.    المصدر: الأسوشييتد برس/راؤول فوريزا

كان هيكل مراسلاً جريئاً يتجوّل في عواصم بلاد الشام وساحات المعارك ويغطي أخبار الحرب ويكسب سمعة من خلال التقارير الجريئة والدقيقة التي يقوم بنشرها وكانت آراؤه بخصوص “إسرائيل” مزيجاً من خيبة الأمل والإعجاب.

في مقابلة له مع مجلة الدراسات الفلسطينية عام 1988، بعد فترة طويلة من خروجه من مركز السلطة إثر صدامه مع السادات وبقائه على مسافة من حسني مبارك، قدّم هيكل رواية مذهلة غير مؤكدة عن إجتماعين مع ديفيد بن غوريون (في القاهرة 1946 والقدس مطلع العام 1948) وعلاقات دافئة مع الجناح الأكثر إعتدالاً في الجالية اليهودية المصرية، وزيارات إلى فلسطين تحت الإنتداب البريطاني حيث راهن على مبلغ 10 دولارات مع مبعوث الوكالة اليهودية إيليا ساسون حول إذا ما كانت هناك حرب قادمة.. فقال ساسون: “نعم”، وقال هيكل: “لا”.

لا يوجد ما يؤكد على دفع هيكل للرهان، حيث أنّه بعد انضمامه إلى القوات المصرية كمراسل لنسخة مصرية من مجلة “لايف” لم يُعرف عنه أنّه كان له أية اتصالات بإسرائيليين.

جدران الحواجز الرملية لم تحل دون اجتياح المصريين لنيتسانيم في النقب قبل استعادتها من قبل القوات الإسرائيلية. قام محمد حسنين هيكل بتغطية هذه المنطقة كصحفي عام 1948. المصدر: الأسوشييتد برس/جيم برينغل

خاب أمل هيكل في الولايات المتحدة التي كان يأمل أن تحل محل البريطانيين المهزومين بعد حرب السويس وتقف إلى جانب العرب ضد “إسرائيل”. في إحدى المرات أخبر زميلاً له أنّه في رحلة إلى أمريكا في أوائل الخمسينات. وصل إلى نيو أورلينز في حافلة ليُطلب منه النزول بسبب بشرته الداكنة. الإذلال والنفاق المتمثلان في إدعاء النضال من أجل الحقوق المدنية قلّل من إيمانه بالدور الأمريكي المبدئي في الشرق الأوسط.

قبل حرب السويس – سيناء، كانت هناك عدة إتصالات بين مسؤولين مصريين وإسرائيليين من مستوى متوسط، تمّت معظمها في دول أوروبية، لكنّ التوترات الحدودية تصاعدت نحو الحرب ولم يكن من الوارد الإعداد لإجتماع على أعلى المستويات بين بن غوريون وعبد الناصر. ولم تسجل الوثائق محاولات لتجديد هذه الجهود بعد عام 1956 على الرغم من أنّه بعد إستقالة بن غوريون من رئاسة الوزراء، أراد رئيس الموساد مئير عاميت قبول دعوة من ضابط مصري رفيع مقرب من عبد الناصر لزيارة مصر لإجراء محادثات سرية، إلا أنّ رئيس الوزراء ليفي أشكول لم يوافق على المهمة.

كان بن غوريون، الذي يكبر عبد الناصر بأكثر من 30 عاما، قادراً على رؤية الصفات القيادية لخصمه مع ما يمتلكه من قدرات كامنه يمكن أن تؤدي إلى تطورات بنّاءة أو مدمرة. أما مرؤوسيه فلم يستسلموا، ففي أواخر الخمسينات حين أخبرهم روبرت إس.تي جون أنّ بمقدوره التحدث مع هيكل، الناصري الكبير، للقاء مبعوث إسرائيلي، هرعوا إلى العمل، حيث كان ملف هيكل موجوداً بالفعل على مكاتبهم.

بطاقة فائقة السرية لمحمد حسنين هيكل أعدتها أجهزة المخابرات الإسرائيلية: تحمل اسمه الحقيقي والحركي، معارفه من إسرائيليين وأجانب، تواريخ، تفاصيل، أمور مالية.       المصدر: الأرشيف الوطني الإسرائيلي

تمّ الإعتماد على شبكة واسعة من أفراد الموساد في وزارة الخارجية/ في عملية عوزي – سامبا، في أثينا وجنيف ونيويورك وواشنطن ولوس أنجلوس وباريس وروما، مع التنسيق بين مكاتب الدعم في القدس وتل أبيب. كان الكاتب المصري هدفاً للموساد قبل وقت طويل من قيام أس.تي جون بإخبار أصدقائه الإسرائيليين (الذين ساعدوه في كتاباته عن بلدهم وتصحيح مسودات كتبه)، أنّ بمقدوره الإقتراب من صديقه هيكل.

في عصر ما قبل الكومبيوتر، كان للأهداف بطاقات تحمل أسماءهم، أسماء حقيقية وأخرى مشفّرة؛ معارفهم من إسرائيليين وأجانب. تواريخ مفصلة وأمور مالية.  

بطاقة فائقة السرية لمحمد حسنين هيكل أعدتها أجهزة المخابرات الإسرائيلية: تحمل اسمه الحقيقي والحركي، معارفه من إسرائيليين وأجانب، تواريخ، تفاصيل، أمور مالية.       المصدر: الأرشيف الوطني الإسرائيلي

إلى جانب إس.تي جون، ورد في بطاقة هيكل ثلاثة أسماء. كان أحدهم مصرياً يُدعى ممدوح سالم، ضابط شرطة كبير ورئيس وزراء السادات لاحقا. هل لسالم علاقة بـ “إسرائيل”؟ الأرشيف لا يذكر شيئا.

ثم هناك كاتب إيطالي يهودي كان يكتب في صحيفة لوموند، وقد عرض مساعيه الحميدة للوصول إلى صديقه هيكل، وكان يُعتبر شخصاً جديراً بالثقة لكنّه كان يتّصف بوقوفه المبالغ فيه مع قضايا اليهود.

كان هناك أيضاً أستاذ جامعي في كاليفورنيا إعتاد أن يلتقي بهيكل. في ذلك العصر الحجري ما قبل الرقمي، يمكن للمراسلات أن تكون عملية مرهقة. وحين اقترح الأستاذ إيصال رسائله إلى هيكل في القاهرة عن طريق الحقيبة الدبلوماسية الأمريكية إختصاراً للوقت، تبدّد حماس الإسرائيليين إذ أنّ ذلك كان يعني إشراف وزارة الخارجية الأمريكية والـ(سي. آي. إيه). 

بالعودة إلى سامبا، كاتب السيرة المرموق الذي كان يفاخر بأنّه حين حضر في بداية حياته المهنية درساً في الكتابة كان يُعتبر واحداً من إثنين من المؤلفين الطموحين الأقل إحتمالية للنجاح، إلى جانب إرنست همنغواي.

جرى حثّ جون على ترتيب لقاء في نيويورك، إذ كان هيكل برفقة عبد الناصر في زيارته إلى الأمم المتحدة. كانت تلك فرصة مواتية، حيث لن يُضطر هيكل إلى القيام برحلة مشبوهة إلى الخارج. فقد كان هذا الأمر في بداية السبعينات إعتباراً رئيسياً في تنظيم اللقاءات بين الموساد ومصدره المصري الثمين أشرف مروان.

الصحفي المصري والشخصية المقربة من عبد الناصر، محمد حسنين هيكل.              المصدر: الأسوشييتد برس

سرعان ما تحوّلت الحماسة إلى مرارة، غادر هيكل نيويورك قبل أن يتسنى لأي من جون أو الأستاذ الجامعي المقيم في الساحل الغربي إعتراضه. لم يستطع الإسرائيليون إخفاء خيبة أملهم، لقد طار العصفور من القفص قبل لحظات من الإمساك به. تأذّت مشاعر إس.تي جون، كما ورد في رسالة محفوظة في ملف هيكل، من ردة الفعل العصبية من جانب أحد أفراد المجموعة الإسرائيلية.

مع هدف محتمل مثل هيكل، لم يكن لدى الدبلوماسيين الإسرائيليين وضباط المخابرات نية في الإندفاع كالحمقى، حيث كانت تحركاتهم محسوبة ومدروسة.

أولا، يقوم أمريكي بالإجتماع مع مستشار عبد الناصر يليه أحد مبعوثي “إسرائيل” لدى الأمم المتحدة، وبعد ذلك أحد المسؤولين الكبار في حكومة بن غوريون. والسؤال هو: في حال سارت الأمور على ما يرام، ماذا بعد؟ الإبقاء على هذه الشخصية المصرية الرئيسية على جدول رواتب “إسرائيل”؟ زيارة سرية للبلاد؟.

كان المسؤول الإسرائيلي الكبير الذي بادر لاقتراح الإجتماع: ديان. كان ديان الذي تقاعد مؤخراً من الجيش عضو كنيست ووزير في حكومة بن غوريون الأخيرة، وقد سطع نجمه بعد الأداء المبهر للجيش الإسرائيلي في حملة سيناء عام 1956. كان يكبر عبد الناصر بثلاث سنوات فقط، والإثنان هما من نتاج حرب العام 1948، وكان مواطناً إسرائيلياً بالولادة ويتمتع بكاريزما تضاهي تلك التي يتمتع بها الزعيم المصري. وقد ظهر هذا في معارك ناحالال والإسكندرية.

جنود إسرائيليون يحتشدون حول قائدهم العام اللواء موشيه ديان، في الوسط، في شرم الشيخ 6 تشرين أول/أكتوبر 1956.                     المصدر:  الأسوشييتد برس

عكف هيكل من خلال مقالاته إلى التقليل من شأن ديان زاعماً أنّه لم يهزم الجيش المصري خلال 100 ساعة، بل إنّ الجنود المصريين امتثلوا لأوامر عبد الناصر الحكيمة بالإنسحاب من أجل القتال في يوم آخر وتجنب إنهيار النظام. رغم ذلك فليس ثمة خلاف على صيت ديان.

لم يجرِ الترتيب لعقد أي اجتماع أسطوري بين الفرعون والعملاق، لكن حين قرر السادات أنّ الوقت قد حان وأرسل نائبه إلى المغرب في أيلول/سبتمبر 1977 للتحدث مع مبعوث مناحيم بيغن، كان هناك رجل واحد فقط لهذه المهمة: وزير الخارجية ديان، المصمم على المساعدة في ترتيب السلام بين القدس والقاهرة.

إذا ما أخذنا بعين الإعتبار معارضة هيكل الشديدة لسياسة السادات للسلام، والتي دفعت الرئيس إلى سجنه، فإنّ عملية عوزي لم تكن مثمرة، حتى لو التقى بديان في أوائل الستينات.

ومرة أخرى، من يدري، لربما كان بإمكان ديان إستدراج هيكل إلى موقف أكثر براغماتية تجاه “إسرائيل”، فمن الممكن أن تتغلب الشخصية على السياسة وعلى المشاعر الخاصة العميقة. وكما ثبت أنّ رحلة الحافلة في نيو أورليانز كانت مصيرية للغاية، كان من الممكن أن تؤدي رحلة عبر الطرق الوعرة في “إسرائيل” مع ديان إلى قلب “عوزي”.

(نُشر في هآراتس بتاريخ 21/2/2022)

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

*كاتب مخضرم في الشؤون العسكرية والسياسية لـ”إسرائيل” والولايات المتحدة وحلف شمال الأطلسي، كتب لصحيفة هآرتس عن شؤون الدفاع والحكومة لأكثر من عقدين.

(1) حرب يوم كيبور أو يوم الغفران: حرب تشرين أول/أكتوبر عام 1973 وتسمى كذلك حرب العاشر من رمضان.

(2) على الأرجح المقصود هنا منصب وزير الإعلام الذي تولاه هيكل في العام 1970


وسوم :
, , , , , , , , , , ,