مُسيّرات وصواريخ دقيقة، صفعة كبيرة لسياسة “المعركة بين الحروب”

التصنيفات : |
فبراير 25, 2022 10:40 ص

*أحمد الطناني – غزة:

دوت صفارات الإنذار ظهر يوم الجمعة الفائت، الموافق 18 من شباط/فبراير، في أرجاء شمال فلسطين المحتلة، وانطلقت بطاريات القبة والطائرات الحربية التابعة لجيش الاحتلال تمشّط سماء الأراضي المحتلة، حيث أعلن المتحدث بإسم جيش الاحتلال أنّهم قد رصدوا طائرة مُسيّرة إنطلقت من داخل لبنان، وحلّقت فوق مدن ومواقع شمال فلسطين المحتلة، وعلى أثر رصدها دوت صفارات الإنذار والطائرات الحربية والمروحيات، وتمّ تفعيل منظومة “القبة الحديدية”، إلا أنّ كل هذه المحاولات باءت بالفشل في اعتراض الطائرة التي عادت إلى قواعدها بسلام.

أعلنت المقاومة الإسلامية في لبنان مسؤوليتها عن إطلاق الطائرة المُسيّرة “حسّان” داخل الأراضي الفلسطينية المحتلة، حيث جالت في المنطقة المستهدفة لمدة 40 دقيقة في مهمة إستطلاعية إمتدت على طول 70 كم في عمق الأراضي الفلسطيني المحتلة. مؤكدةً أنّ الطائرة المُسيّرة عادت سالمةً رغم محاولات الاحتلال إسقاطَها.

دلالة التوقيت ونجاح الطائرة بالإنسحاب

لم تأتِ حادثة إطلاق المُسيّرة أو توقيتُها بشكل عبثي، بل هي رسالة تقرن الأفعال بالأقوال بعد تصريحات الأمين العام لحزب الله اللبناني السيد حسن نصر الله ، والتي أكد فيها أنّه “باتت لدى المقاومة في لبنان قدرة على تحويل الصواريخ الموجودة بالآلاف إلى صواريخ دقيقة، وبدأنا منذ سنوات بتصنيع المُسيّرات”، مشيراً إلى أنّ “كل الحملات ضد المقاومة هي مجرد هباء منثور ومقاومتنا في حالة مواجهة مستمرة مع العدو”، ومضيفاً أنّ “العدو يحاول أن يقوم بمعركة بين الحروب لضرب المقاومة كما يفعل في سوريا”.

مؤكداً نصر الله على أنّ الحزب يقوم منذ سنوات بتحويل الصواريخ إلى صواريخ دقيقة، مخاطباً الاحتلال الذي يبحث عن الصواريخ الدقيقة: “أبحث قدر ما تريد ونحن ننتظركم”. مضيفاً أنّ لدى الحزب القدرة على مواكبة كل تطور في التصنيع العسكري، إضافةً لاتخاذه قرار تفعيل الدفاع الجوي “الموجود منذ سنوات” لمواجهة خطر المُسيّرات “الإسرائيلية”.

لم يمر على كلمة أمين عام الحزب اللبناني أكثر من 48 ساعة حتى كانت المُسيّرة “حسّان” تستطلع الأراضي المحتلة وتُتمّ مهمتها بنجاح، في ما حمل إعلان حزب الله ونجاح عمليته الإستطلاعية تداعيات ورسائل واضحة على سياسات جيش الاحتلال في التعامل مع قوى محور المقاومة، وبشكل خاص سياساته المُتبعة “المعركة بين الحروب”.

“المعركة بين الحروب” كسياسة إحتلالية في مواجهة المقاومة

شكّل أداء وإنتصار المقاومة في تموز 2006، صدمة في أرجاء مستويات صنع القرار في الكيان الصهيوني، حيث أدرك تماماً أنّ عهد التفوق المطلق لجيش الاحتلال قد انتهى، وأنّ تكلفة شن أي عدوان لن تكون صفرية، أو شبه صفرية، على الكيان وأركانه وجبهته الداخلية وهيبة جيشه، مما حذا به إلى إدخال تغييرٍ جوهريٍّ في نمط العمليات الأمنية ضد المقاومة، يبتعد عن المقاربة الثنائية المتمثلة في الإستعداد للحرب أو شنّها علنا، ويقوم على اتخاذ إجراءات هجومية إستباقية تستند إلى معلومات إستخبارية عالية الجودة وجهودٍ سرية.

يلخص الرئيس السابق لأركان جيش الاحتلال (غادي إيزنكوت) الأهداف الرئيسية لاستراتيجية “المعركة بين الحروب” بالنقاط التالية:

  • تأخير نشوب الحرب وردع “الأعداء” عبر المثابرة على إضعاف آليات تعزيز قوتهم وإلحاق الضرر بأصولهم وقدراتهم.
  • ترسيخ شرعية “إسرائيل” لممارسة القوة مع الإضرار في الوقت نفسه بشرعية “العدو”، وذلك جزئياً من خلال فضح الأنشطة العسكرية السرية التي تنتهك القانون الدولي.
  • تأمين الظروف المثلى لـ “الجيش الإسرائيلي” إذا نشبت الحرب في النهاية.

عمل الاحتلال على تطوير مفهوم “المعركة بين الحروب” وصولاً إلى اعتمادها كعقيدة عسكرية جديدة لدى جيشه، وهو ما حوّلها إلى نشاط رئيسي ضمن الأنشطة العملياتية لجيش الاحتلال ومأسستها، وصولاً لتحديد كيفية دمجها في استراتيجية مختلف المؤسسات الأمنية وأهدافها وإدارتها من خلال تعاونها مع بعضها البعض ومع نظيراتها في الخارج. كما أنّ مفهوم “المعركة بين الحروب” جمع المكونات السرية والحرب المعرفية مع الجهود الأمنية والإقتصادية والسياسية الدولية، كل ذلك بهدف ممارسة الأنشطة اللازمة للدفاع عن مصالح الاحتلال الأمنية دون تصعيد الموقف والوصول إلى الحرب.

على مدار سنوات، إدّعى الاحتلال وقادة حكوماته وأجهزته الأمنية أنّ سياسة “المعركة بين الحروب” ناجحة في إطار مواجهة قوى المقاومة وسعيها الدائم لتطوير ترسانتها العسكرية وتعزيز تواجدها على الحدود مع فلسطين المحتلة، وبشكل خاص في لبنان وسوريا، معلنين أن هذه السياسة نجحت في منع تحويل الحدود اللبنانية والسورية إلى قاعدة لشن عمليات ضد الكيان الصهيوني.

الإقرار بالفشل

لم تدم كثيراً خطابات الإستعراض وادعاء التفوق المطلق لقادة الاحتلال وأجهزته الأمنية، حيث بات الاحتلال يعي تماماً أنّه لم يتمكن بشكل مؤثر من الإضرار ببرامج المقاومة التطويرية وبشكل خاص برنامج تطوير الصواريخ الدقيقة لدى حزب الله، وإجهاض تعزيز ترسانته العسكرية ومخزونه الصاروخي، إضافة للخطر المستجد المتمثل في الطائرات المُسيّرة وتطويرها.

نشر معهد أبحاث الأمن القومي الصهيوني في أواخر يناير من العام الحالي، مقالاً  لرئيس قسم الأبحاث في شعبة المخابرات السابقة العميد في الإحتياط “درور شالوم” الذي يشغل الآن منصب رئيس القسم السياسي والأمني في وزارة الجيش بالكيان، أكد فيه أنّه على الرغم من جهود الإحباط “الإسرائيلية” ضمن “المعركة التي بين الحروب” إلا أنّ التقدم في هذا المجال في لبنان والنجاح السهل والمحتمل في تحويل مئات الصواريخ إلى صواريخ دقيقة التوجيه في المستقبل، أصبح يشكل تهديداً إستراتيجياً خطيراً على “إسرائيل” وسيوضح المعضلة في العمليات الوقائية أو الإستباقية. مضيفاً أنّه من نواحٍ عديدة أصبحت “الدقة” موجودة بالفعل.

وعن الدفاع الجوي والطيران المُسيّر كتب “شالوم” في مقاله، أنّه قد لوحظ هناك جهد لتقويض تفوق “إسرائيل” في البعد الجوي من خلال محاولة إدخال أنظمة دفاع جوي متطورة في المنطقة لتقليل حرية عمل القوات الجوية في أجواء لبنان، ولوحظ أيضاً محاولة لتكثيف المعركة على الساحة الجوية من خلال جهود التشويش أو التعطيل ضمن القتال الجوي في المنطقة السورية.

في ذات السياق، نشرت صحيفة (هآرتس) العبرية مقالأ بُعيد حدث الطائرة المُسيّرة شمال فلسطين المحتلة، حول جدوى سياسة “المعركة بين الحروب”، خَلُصَ كاتبه إلى نتيجة نهائية وهي أنّه “في لبنان، لا يوجد حقاً معركة بين الحروب لأسباب مختلفة، ولكن يبدو أيضاً أنّه لا يوجد نقاش حول كيفية المُضي قدما، ولا أحد يعرف حقيقة ما يجري في لبنان، ولا أحد يعرف كم سنتفاجأ، وأهم فشل هو فشل “إسرائيل” في العمل في لبنان، لم تتمكن “إسرائيل” من إيجاد الصيغة الناجحة التي تجعل من الممكن إضعاف حزب الله في المجال العام في لبنان دون خوض الحرب”.

مصدر أمني رفيع كان قد صرّح لذات الصحيفة أنّ “نصر الله على حق، مخزونه من الصواريخ اليوم لا يمكن أن يتضرر بعمليات جزئية، ولكن بالحرب فقط”، وبحسب المسؤول الكبير: “إذا كان أحد أسباب خوض الحرب هو أنّ حزب الله بنى مصفوفة لا تستطيع “إسرائيل” تحملها على حدودها، اليوم بالفعل حزب الله موجود في هذا المكان”.

“المعركة بين الحروب المضادة”

لم تقف المقاومة مكتوفة الأيدي في مواجهة استراتيجية الاحتلال المتبعة في التعامل مع سعي المقاومة لتطوير قدراتها وتعزيز ترسانتها ومواقعها في مواجهة الكيان، بل على العكس عملت على تطوير استراتيجية مواجهة للتعامل مع سياسة “المعركة بين الحروب” التي يتبعها الاحتلال وأذرعه الأمنية والعسكرية.

رئيس القسم السياسي والأمني في وزارة الحرب الصهيونية أورد في مقاله أنّ المقاومة درست سياسات الاحتلال واستراتيجياته وطورت عملية الرد دون عتبة الحرب (نوع من المعركة التي بين الحروب المضادة) على افتراض أنّ الردع المتبادل سيؤدي إلى تبادل محدود للضربات تستمر لأيام قتال قليلة.

مضيفاً أنّ استراتيجية الاحتلال خلُصت إلى نتائج عكسية في العديد من الحالات حيث عملت على تسريع “منافسة التعلم” لدى المقاومة أمام الاحتلال، وهو ما أدى إلى تحسين قوة التشويش ومحاولات الرد سواء من داخل المنطقة السورية أو من العراق، أو في البحر وفي السايبر.

تعتقد المؤسسة العسكرية الصهيونية أنّه على إثر العمليات العسكرية الكثيفة التي تستهدف نقل الصواريخ الدقيقة الإيرانية إلى لبنان، فقد نجح حزب الله في إنشاء نظام إنتاج للصواريخ الدقيقة في لبنان، وهو ينوي إطلاقه أثناء الحرب على مواقع استراتيجية في “إسرائيل”.

خلاصة

لم تختلف كثيراً تحليلات الخبراء الأمنيين لدى الاحتلال ولا ما ورد في تقارير معهد الأمن القومي الصهيوني حول المخاطر الاستراتيجية للكيان عن ما ورد في كلمة السيد حسن نصر الله من حيث قدرة المقاومة على التعامل مع تغيير الاحتلال لاستراتيجياته، وتطوير استراتيجيات مقابلة وتعزيز مخزونها، بل والوصول لقدرات الإكتفاء الذاتي باعتماد المقاومة على نقل تبادل الخبرات الفنية مع حلفائها والإعتماد على تطوير قدراتها التصنيعية الذاتية.

لكنّ اللافت هو الحديث شبه العلني حول جدوى سياسة “المعركة بين الحروب” في ضوء عدم تحقيقها لأي نتائج جوهرية، حيث أنّ المقاومة نجحت في تحقيق أهدافها وتستمر في تطوير قدراتها وتعزيز مواقعها، لا بل إنّها وصلت لمرحلة حولت التحدي إلى فرصة عززت عبرها قدراتها الذاتية وطورت أداءها التصنيعي وتكتيكاتها الميدانية والأمنية بحيث أصبح الإحتلال الذي لطالما تغنّى بتفوقه العملياتي والأمني يُقرّ بأنّه لا يعلم ما يجري فعلا، ولا حجم ومدى وتطور قدرات المقاومة.

*كاتب فلسطيني


وسوم :
, , , , , , , , , , ,