بوادر اندلاع الإنتفاضة الثالثة تشكّل رعباً للصهاينة

التصنيفات : |
مارس 3, 2022 10:11 ص

* محمد نادر العمري

في مشهد بات يتكرر بصورة دائمة ومستمرة مؤخراً في تداولات المسؤولين الإسرائيليين ضمن ما يُسرّب من اجتماعاتهم المغلقة حول المخاوف المتنامية من اندلاع إنتفاضة ثالثة، إستناداً إلى تطورات طرأت على المتغيرات والبيئة الداخلية والخارجية. تتمثّل بالدرجة الأولى، في تمكّن حركات المقاومة داخل الأراضي المحتلة من خلق نوع من توازن الردع وقلب الطاولة على جيش الاحتلال وحكومته بشكل خاص، في ما ترمي إليه الأخيرة من تصفية القضية الفلسطينية وحقوق الشعب الفلسطيني على مدى عقود سابقة من خلال الدعم الغربي المتمثّل بدعم عسكري بريطاني ومن ثم أمريكي لامتلاك الجيش الإسرائيلي قوة تكنولوجية وعسكرية تُبقيه متفوقاً في المنطقة، إلى جانب التفوق السياسي المتمثّل باستخدام التفوق في المجال الأول، بهدف التوصل لإتفاقات سلام منفردة لا يكون فيها للطرف العربي عموماً والفلسطيني خصوصا، الفرصة لفرض شروط على الصهاينة والمطالبة بالحقوق، ناهيك عن تضييق إقتصادي وحصار مُطبق لدفع الفلسطينيين للتخلي عن ممتلكاتهم ليصبحوا لاجئين في بلاد الشتات.

هذا الوضع الذي ساد خلال العقود السابقة، تمكنت خلاله حركات المقاومة من إسقاط معظم جوانبه، مستندة لوجود إرادة شعبية تبحث عن كل الوسائل لتحرير الأرض واستعادة الحقوق، وكان أبرز هذه التحركات الشعبية الفلسطينية منذ ثورة البراق 1929، مروراً بالإنتفاضة الأولى عام 1987، والثانية التي شهدتها فلسطين المحتلة عام 2000، وصولاً لما عبّرت عنه هذه الإرادة الشعبية مؤخراً في التصدي بالصدور العارية لغطرسة الاحتلال وتفوقه العسكري ودعمه الغربي لحماية حي الشيخ جرّاح، والتي شكّلت نواة المواجهة الأخيرة بين الكيان الصهيوني وفصائل المقاومة الفلسطينية، مطلع عام 2021 وفي تكرار مماثل في شباط /فبراير من العام الحالي.

إنّ تردّي الأوضاع الإقتصادية للعرب والفلسطينيين وصعوبة حياتهم المعيشية في ظل انقسام سياسي فلسطيني حاد وتمسّك السلطة الفلسطينية بإتفاقية أوسلو للحفاظ على سيطرتها على المشهد الفلسطيني.. كل هذا يشكّل بيئة ناضجة لاندلاع إنتفاضة ثالثة.

يتّضح مما سبق، أنّ الإرادة الشعبية الفلسطينية المواجهة للإجراءات الإسرائيلية المتعسّفة والتعبير عنها بمختلف أشكال الرفض، شكّلت وبدون جدل العامل الأساسي والمحرك لنشاط ونمو حركات المقاومة، وهو عامل مؤثر وضاغط إنعكس سلباً على الرأي العام الإسرائيلي والغربي على حدا سواء، حيث سجّلت التقديرات الأخيرة بناء على استطلاعات الرأي لمجلة “فورين بوليسي الأمريكية” وللتقرير الإستراتيجي لمعهد الأمن القومي الإسرائيلي، بأنّ 40% من الإسرائيليين لا يشعرون بالثقة في قدرة الجيش الإسرائيلي على حمايتهم.

لذلك تخشى حكومة الاحتلال من أن يشكّل عامل النصر العسكري لفصائل المقاومة في معركة “سيف القدس”، ومحاولة الكيان والولايات المتحدة الأمريكية وبعض الأنظمة العربية تمرير ما عُرف بـ”صفقة القرن” عبر إتفاقيات التطبيع، وفشل المشاريع التدميرية في المنطقة والتي استهدفت سوريا ولبنان وإيران، التي باتت في المرحلة النهائية لتوقيع الإتفاق النووي، فضلا عن وعي الرأي العام الغربي واطّلاعه على ما يجري داخل الأراضي المحتلة، وتردّي الأوضاع الإقتصادية للعرب والفلسطينيين وصعوبة حياتهم المعيشية في ظل انقسام سياسي فلسطيني حاد وتمسّك السلطة الفلسطينية بإتفاقية أوسلو للحفاظ على سيطرتها على المشهد الفلسطيني.. كل هذا يشكّل بيئة ناضجة لاندلاع إنتفاضة ثالثة.

إنّ الخشية في هذا الوقت لا تكمن في حصول الإنتفاضة من عدمه، بل ألا تكون ساحتها الجغرافية محصورة في قطاع غزة بل تمتد لتشمل الضفة الغربية

في المقلب الآخر، وبالرغم من توقع اندلاع هذه الإنتفاضة من قِبل العديد من النخب السياسية والعسكرية الصهيونية، إلا أنّ الخشية في هذا الوقت لا تكمن في حصول الإنتفاضة من عدمه، بل ألا تكون ساحتها الجغرافية محصورة في قطاع غزة بل تمتد لتشمل الضفة الغربية التي وصفها تقرير حديث لمركز بيغن للدراسات بأنّها: “تقف على جمرات بركانية وفوقها طبقة رقيقة من الرماد “، وهو ما عبّر عنه بوضوح، الجنرال المتقاعد من جيش الاحتلال “آفي يسسخاروف” في مقال نشره في صحيفة معاريف بقوله: “إنّ المشاهد الميدانية القادمة من الضفة الغربية تذكر الإسرائيليين بأيام الإنتفاضة الثانية، فبينما تتجه كل الأنظار بخوف إلى قطاع غزة في محاولة لضبط إيقاعها، فإنّ هناك أحداثاً ما تتحرك في الضفة الغربية وقد تكون مستوحاة من حرب أيار في غزة، وربما بسبب تطورات أخرى، لكن يبدو أنّ بوابات الضفة لم تعد هادئة كما كانت في السنوات الأخيرة”.

يعتبر هذ التصريح في غاية الأهمية ولا يمكن اعتباره مجرد كلمات لن تكون لها إرتدادات في ظل النقاط التالية:

أولا، إنّ “آفي يسسخاروف” من الشخصيات المقربة من الدوائر الأمنية والعسكرية وشغل لعقدٍ من زمن حتى نهاية عام 2020، منصب مستشار الشؤون الأمنية للكابينت أو ما يُعرف بالحكومة المصغّرة.

إنّ الشعب الفلسطيني ضاق ذرعاً من الوعود الغربية والحصار الكبير عليه، وتخاذل العرب والسلطة وتزايد المستوطنات في ظل عجز الأمم المتحدة عن تطبيق القرارات الدولية، لذلك فقد يتجه هذا الشعب نحو إنتفاضة جديدة

ثانيا، إنّ الظروف التي أشار إليها “آفي” هي جادة وموضوعية وقد تناولها الكثير من الدراسات الأمنية ومنها الأمريكية وفي مقدمتها معهد “كارنيغي لدراسات الشرق الأوسط” نهاية العام الماضي، حيث ألمح المركز في دراساته بأنّ الرأي العام الفلسطيني يزداد تمسّكاً بخيار الكفاح المسلح، وأنّ الشعب الفلسطيني ضاق ذرعاً من الوعود الغربية والحصار الكبير عليه، وتخاذل العرب والسلطة وتزايد المستوطنات في ظل عجز الأمم المتحدة عن تطبيق القرارات الدولية، لذلك فقد يتجه هذا الشعب نحو إنتفاضة جديدة تُفرض بالأمر الواقع، خاصة وأنّها تستند في هذا التوقيت بالذات لوجود أجنحة عسكرية قوية ومتمكنة.

ومما يرجّح سيناريو اقتراب إندلاع هذه الإنتفاضة، توافر العديد من الظروف الموضوعية والذاتية التي تُمهّد لانتفاضة مغايرة لسابقاتها، وتتمثّل بازدياد حدة الإنقسام السياسي الفلسطيني وعدم التوافق حتى اليوم على صيغة المشاركة السياسية لمواجهة الاحتلال، إرتفاع معنويات الشعب الفلسطيني بعد إنجازات “سيف القدس”، كما تعتبر القيادات الأمنية الفلسطينية بأنّ الربيع القادم سيشهد إنتشاراً أكثر لاستخدام الزجاجات الحارقة في الضفة أثناء المظاهرات المتوقعة. وهو ما استنزف الإقتصاد الإسرائيلي بشكل مرهق في الصيف الماضي في قطاع غزة، وتُبدي الأوساط الصهيونية مخاوف من أن يؤدي ذلك لسقوط إتفاقية أوسلو بين الكيان والسلطة الفلسطينية وأن تتحول الضفة إلى ساحة لانتشار المقاومة الشعبية المسلحة، ما يشكّل خطراً على جيش الاحتلال وقادته.

*متخصص في الشؤون الإسرائيلية


وسوم :
, , , , , , , , , ,