قراءة في المشهد الإنتخابي للمرحلة الثانية من الإنتخابات المحلّية في الضفة المحتلّة

التصنيفات : |
مارس 18, 2022 9:33 ص

*أحمد الطناني – غزة:

إنطلقت منذ أيام الدعاية الإنتخابية للقوائم المشاركة في إنتخابات الهيئات والمجالس المحلية بمرحلتها الثانية في محافظات الضفة المحتلة، ما يميز هذه المرحلة أنّها تتضمن المجالس البلدية للمدن الكبرى ذات الثقل والوزن السياسي والجماهيري مثل رام الله ونابلس والخليل وبيت لحم.

تأتي هذه الإنتخابات والساحة السياسية فلسطينياً على صفيح ساخن لم يبرد منذ إلغاء الإنتخابات العامة أواخر نيسان/أبريل 2021 مروراً بسلسلة من الأحداث التي لم يكن آخرها انعقاد دورة المجلس المركزي لمنظمة التحرير وسط مقاطعة فصائلية واسعة، وهو ما يعطي الإنتخابات البلدية التي تحمل الطابع الخدماتي والمحلي بالوضع الطبيعي أهمية إستثنائية، لأنّ في فلسطين لا شيء يخلو من السياسة، ولا معركة إنتخابية محلية أو نقابية أو حتى لمجلس الطلبة في جامعة إلا يكون لنتائجها إرتداد وأبعاد سياسية.

صحيح أنّ حركة حماس بالمعنى الرسمي أعلنت رفضها للإنتخابات البلدية بمراحلها المجزّأة ودعت إلى تنظيم إنتخابات شاملة، إلا أنّ هذا لا يعني بالضرورة عدم مشاركة كوادرها بالعملية الإنتخابية بصيغٍ أخرى، والأمر ذاته انعكس على شكل وطبيعة ترشيح كوادر محسوبة على فصائل المقاومة الفلسطينية وشكل مشاركتهم بالإنتخابات، وهو ما تؤشّر عليه القوائم وطبيعة تشكيلها وبشكل خاص في المدن الكبرى، وهو ما يعكس تنافساً محموماً ستحمله العملية الإنتخابية.

حقائق وأرقام حول العملية الإنتخابية:

وفق لجنة الإنتخابات المركزية بعد حصر القوائم المشاركة، فإنّ 50 هيئة محلية سيجري فيها التنافس بين القوائم المترشحة، بينما هناك 23 هيئة محلية لم يترشح منها سوى قائمة واحدة فقط وبالتالي تنجح بالتزكية، في ما لن تجريَ الإنتخابات أو التزكية في 29 هيئة لم يترشح بها أحد سوى في هيئة واحدة بقائمة غير مكتملة لم تقبلها اللجنة.

أضافت لجنة الإنتخابات أنّ 81 قائمة من القوائم المقبولة سُجّلت على أنّها قائمة حزبية، في ما سُجّلت باقي القوائم والبالغ عددها 178 كقوائم مستقلة، وتوزّعت القوائم الحزبية بين كلاً من حركة فتح، الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين، الجبهة الديمقراطية لتحرير فلسطين، المبادرة الوطنية الفلسطينية، حزب الشعب الفلسطيني، جبهة النضال الشعبي الفلسطيني، الإتحاد الديمقراطي (فدا) والجبهة العربية الفلسطينية، مع الإشارة أنّ الغالبية في القوائم الحزبية هي قوائم حركة فتح.

حول التوزيع في النوع الإجتماعي والفئات العمرية، أوضحت اللجنة في تقريرها أنّ نسبة الإناث المرشحات في جميع القوائم المقبولة بلغ 26.7% من إجمالي المرشحين، مضيفة أنّ 8 من قوائم تترأسها مرشحة أنثى، أما عن الفئات العُمرية فقد بيّنت لجنة الإنتخابات المركزية أنّ الفئة العمرية أقل من (45 عام) يُشكّلون 59% من إجمالي المرشحين، والفئة العمرية من (46 -55 عام) بنسبة 23%، والذين تزيد أعمارهم عن (55 عام) يُشكّلون 18% من إجمالي عدد المرشحين.

دلالات نسبة المرأة والشباب بالقوائم المترشحة:

  • نسبة مشاركة المرأة لا تعكس ميل وقناعة حقيقية لأهمية شراكة المرأة في مواقع صنع القرار، إذ أّنها تُمثّل الحد الأدنى الذي يشترطه قانون الإنتخابات (الكوتا النسوية)، وهو ما يطرح تساؤل في حال لم تكن (الكوتا) ضامناً لهذه النسبة، ما نسبة حضور المرأة الذي كنّا سنشهده في القوائم!، وهو ما يستحقّ التوقّف أمامه بالتقييم والمعالجة مستقبلا.
  • يُسجّل إيجاباً لصالح المرأة وجود 8 قوائم على رأسها نساء، وهو مؤشّر يحتاج إلى المراكمة عليه في تعزيز حضور المرأة بشكلٍ حقيقي بعيداً عن النِسب التمثيلية فقط.
  • تعكس نسبة الشباب المرشحين (59%) نسبة لافتة تؤكد أهمية دور الشباب وتنامي الإيمان بمركزية حضورهم في المجتمع الفلسطيني الذي يُعدّ مجتمع شاب، وتحتاج هذه النسبة للمراكمة عليها في كل مستويات صنع القرار الفلسطينية.

دلالة عدد القوائم المستقلة ومُسمّيات القوائم

بالمتابعة للمُسمّيات التي اختارتها القوائم، سواءً المسجلة حزبياً أو المستقلة فإنّها بالغالب تذهب باتّجاه المُسمّيات الخدماتية والمهنية بعيداً عن الطابع الحزبي أو السياسي كما جرت العادة في العمليات الإنتخابية في الساحة الفلسطينية، مما يدلل على وجود نوع من الإجماع حول الحاجة للعملية الإنتخابية والمشاركة فيها على قاعدة أنّ المجالس المحلية هي هيئات ذات طابع خدماتي بالغالب، وحاجة محلية للسكان، وتنسجم القوائم مع هذا التوجّه في مُسمّياتها وفي برامجها أيضاً حيث أخذ حيّز القضايا المحلية المساحة الأوسع فيها.

أما في عدد القوائم المستقلة، فيُطرح تساؤل واضح، هل تعكس هذه القوائم إستقلالية أعضائها واستقلاليتها؟ أم هناك أسباب أخرى لهذا العدد الكبير جداً مقارنةً بمجتمعٍ يُعتبر مُسيّسٌ ومُحزّبٌ بالغالب؟

بالنظر إلى طبيعة الأسماء المُرشحة والأسباب الموضوعية الموجودة في الضفة المحتلة التي أدّت إلى ترشح عدد من ذوي الخلفيات الحزبية أو التوجهات السياسية المعروفة كمستقلين، وأبرزها التالي:

  • الملاحقة الأمنية وحملات الإعتقال الواسعة التي ينفذها الاحتلال لكوادر بعض تنظيمات المقاومة، بشكل خاص حركتي حماس والجبهة الشعبية، دفعت كوادرهم للترشّح بصفة مستقلة في العديد من الهيئات المحلية.
  • عدم مشاركة حركة حماس بالمعنى الرسمي في الإنتخابات البلدية لا تعني منعها لكوادرها من الترشّح بصفتهم الفردية، وهو ما دفعهم للترشّح ضمن قوائم مستقلة.
  • وجود خلافات داخلية لدى بعض الأحزاب الأخرى حول الأسماء في القوائم الحزبية دفع الكادر المعارِض إلى الترشح ضمن قوائم مستقلة كمظهر اعتراضي.
  • الائتلافات التي يمكن أن تنشأ بين كوادر التنظيمات والعائلات والعشائر في المناطق التي تشكل العشيرة والعائلة المكوّن الأساسي فيها، ينتج عنها قائمة مستقلة تجمع البعد العشائري والخلفية السياسية للمرشحين.

هذه الأسباب تنفي الفرضية التي تقول إنّ هذا العدد من القوائم المستقلة يعكس انحصاراً للفعل الحزبي ودور الأحزاب السياسية في الضفة المحتلة لصالح تشكيلات إجتماعية جديدة طابعها إجتماعي أو خدماتي أو عائلي وعشائري، لأنّ عدد القوائم المستقلة لا يعكس إستقلالية حقيقية لمرشحيها بعيداً عن الأحزاب والخلفيات السياسية بل هو نِتاج الأسباب المذكورة وغيرها، وهذا ما عكسته أيضاً بعض الهيئات المحلية التي لم تترشح فيها أي قائمة حزبية، مثل هيئات نابلس المحلية، البيرة، بيت لحم، بير زيت، طوباس، أما هيئة رام الله المحلية فلم يُسجّل فيها إلا قائمة حزبية واحدة وهي قائمة حركة فتح و4 قوائم مستقلة، وتُعتبر الهيئات المذكورة في مراكز المدن الرئيسية الوازنة، فهل غابت الأحزاب عن هذه المدن، أم شاركت بصيغٍ مختلفة إرتباطاً بالأسباب المذكورة سابقا؟.

دلالات القوائم الحزبية وتوزيعها وتحالفاتها:

بالمتابعة للقوائم الحزبية المُرشحة بالإنتخابات المحلية فإنّ هناك العديد من الملاحظات التي من المهم الإشارة إليها:

  • غالبية الهيئات المحلية التي حُسمت بالتزكية كانت القوائم المقدمة فيها هي قوائم حزبية لحركة فتح، وهو ما يمنحها رصد مُسبق بحسم هذا العدد من الهيئات بالتزكية.
  • لا زالت حركة فتح تُنافس بعضها في العديد من الهيئات المحلية وهو ما يعكس استمرار معاناة الحركة من أزمات القيادة والضبط لكوادرها، حيث تشارك قائمتان لحركة فتح في كلاً من دورا، يطا، سلفيت، وثلاث قوائم في كلاً من الظاهرية والعيزرية وبيت ساحور، بينما تنافس قائمة مُسجلة بإسم حركة فتح، قائمة ائتلافية أخرى مُسجلة بإسم كلاً من فتح والجبهة الشعبية والجبهة الديمقراطية في هيئة بيت جالا المحلية!.
  • صحيح أنّ حركة حماس لم تشارك بالإنتخابات المحلية بشكل رسمي، إلا أنّ العديد من القوائم المستقلة تعكس تحالفات حزبية واضحة بين كوادر محسوبة على حركة حماس مع تنظيمات أخرى في العديد من المواقع والبلديات، ولكن يُسجل أيضاً ترشُّح كوادر من حركة حماس في قائمتين متنافستين في هيئة الخليل المحلية.
  • لا يوحد ناظم واضح لتشكيل القوائم الحزبية وبشكل خاص الائتلافية، إذ يبدو أنّ حسابات الربح والخسارة هي المحدد الأبرز لتشكيل التحالفات، حيث هناك تحالفات لتنظيمات متناقضة سياسياً ومختلفة من هيئة إلى أخرى، إذ يتحالف اليسار في هيئة ويختلف في هيئات أخرى، وتتحالف فصائل المنظمة في هيئة وتختلف في هيئات أخرى، وتتحالف شخصيات مختلفة الإنتماءات في العديد من القوائم المستقلة في هيئات أخرى!

تؤشّر هذه الملاحظات أنّ غالبية الأحزاب والتنظيمات قد أعطت مساحة لكوادرها لترتيب تحالفاتهم وترشحاتهم إرتباطاً بتقديراتهم لبيئتهم المحلية وتحقيق أفضل نتائج ممكنة بغض النظر عن المحدد السياسي.

كما تؤشّر أنّ أزمة حركة فتح الداخلية لا زالت متفاقمة بحيث لم تستطع حركة فتح توحيد شكل مشاركتها ولا حتى إسم قائمتها في العديد من الهيئات، ولربما تنعكس نتائج الإنتخابات على انعقاد المؤتمر الثامن لحركة فتح، إذ أنّ معركة خلافة رئيس السلطة محمود عباس تطفو على السطح وبكل قوة.

خلاصة:

لن تكون المعركة الإنتخابية الحالية سهلة على أي طرف كان، وسيكون لنتائجها بكل تأكيد إرتدادات سياسية مهمة ومؤثرة لمن سينجح في التقدم بالنتائج بشكل خاص في المدن الكبرى ذات الوزن السياسي والجماهيري المهم، ومن الواضح أنّ كل الأطراف السياسية قد وضعت ثقلها في إطار تحقيق مكاسب إنتخابية وتعزيز مواقعها وشرعيتها في مشهد يفتقد لكل الشرعيات الإنتخابية، والمُتتبّع لشكل وحجم الدعاية الإنتخابية في المدن الكبرى سيلمس هذا الثقل في إدارة ومتابعة العملية الإنتخابية.

*كاتب فلسطيني


وسوم :
, , , , , , , , , , , ,