فلسطين درّة شرق المتوسط وقضيته النهائية

التصنيفات : |
أبريل 19, 2022 11:52 ص

*وسام عبد الله

تتنوّع القضايا السياسية في منطقة دول البحر المتوسط بتنوّع شعوبها ومصالحها، من المناخ والبيئة إلى التواصل بين المجتمعات وصولاً للغاز وأزمات المهاجرين، وكون جغرافية فلسطين تُشكّل قسماً من الساحل الشرقي للمتوسط، فهي بالتالي جزء أساسي من قضاياها، وتعقيداتها خاصة مع وجود الاحتلال الاسرائيلي.

الجدار العازل

يُشكّل الاحتلال حاجزاً بوجه التواصل بين فلسطين وأوروبا بشكل رئيسي، كون الجهة الشمالية لإفريقيا عربية بالكامل. الإشكالية تبدأ من إقامة “إسرائيل” علاقات مع دول أوروبية منذ النكبة، وسعيها الدائم للمشاركة في مؤتمرات ومنظمات متوسطية، وهو ما ترفضه منظمات فلسطينية كونها تُشكّل جزءاً من عملية التطبيع والإعتراف بحقّ الاحتلال في الوجود. والتمدد “الإسرائيلي” نحو دول عربية مثل المغرب، وإقامة علاقات دبلوماسية وثقافية، يزيد من تعقيد المسألة، لأنّ التعاون مع “تل أبيب” يحتلّ المكانة الأولى محل القضية الفلسطينية، التي باتت تأخذ حيّزاً أقل أهمية. يؤثّر الحضور الإسرائيلي في المنظمات المتوسطية على المساهمة في عمليات التمويل للجمعيات الفلسطينية في الداخل، والربط بين التمويل وشروط معينة تحددها المنظمات لقبول إرسال المساعدات، ومنها الدعوة للمساواة في الحقوق والإعتراف بحلّ الدولتين.

“عندما تذهب إلى فلسطين وترى مدى الظلم الواقع على تلك القطعة الصغيرة من الأرض، فلا يمكن أن تنسى ما رأيت”

(أنريكو بارتولوميه)

متوسطيون مع فلسطين

“عندما تذهب إلى فلسطين وترى مدى الظلم الواقع على تلك القطعة الصغيرة من الأرض، فلا يمكن أن تنسى ما رأيت”، كلمات للناشط الإيطالي أنريكو بارتولوميه، وهو كغيره من الناشطين في بلدان أورو- متوسطية، تبدّلت وجهات نظرهم بعد ملامستهم بشكل مباشر للقضية، إن كان عبر الفلسطينيين اللاجئين في أوروبا أو من خلال زياراتهم إلى الأراضي المحتلة. الإرث الأوروبي المرتبط بالتضامن مع “اليهود الإسرائيليين” أسّسه ما يسمى بـ”الهولوكوست” وما تعرّض له اليهود خلال الحرب العالمية الثانية، وهو ما استغلته آلة الدعاية الصهيونية للضغط على الحكومات الأوروبية لدعم الكيان بسياسته العدوانية، وهو ما انعكس على الشعوب الاوروبية، كون الكفة كانت تميل أكثر نحو “إسرائيل”، تحت ذريعة الإنسانية والتكفير عن الذنب!.

مع الوقت، ونتيجة النشاط الفلسطيني في أوروبا وصمود الشعب الفلسطيني، إضافة لدور الإعلام المتضامن والفاضح لجرائم الاحتلال، بدأت تتبدّل وجهات النظر تجاه القضية، وازداد توجّه الناشطين إلى داخل المدن والقرى الفلسطينية، حتى مرحلة سقوط شهداء منهم.

مجتمعات متنوعة

ثقافات مختلفة تُميز شعوب البحر المتوسط، مما يشكل التواصل معها، توسُّعاً في مروحة التضامن والتواصل مع مختلف الفئات، فإن كانت اللغة الانكليزية هي الأكثر إنتشاراً في العالم، فهنا لدينا الإيطالية واليونانية والفرنسية، وما تُمثّله من امتداد لها لدى شعوب العالم المتحدثة بذات اللغة. كون فلسطين، تاريخيا، شكّلت جزءاً من الحضارات المتوسطية، نتيجة جغرافيتها المتصلة بين أوروبا وافريقيا، لتمرَّ عبرها ومن خلالها وتستقرَّ ضمنها، إمبراطوريات عديدة، وهو ما تراكم مع الزمن ليُشكّل مشتركات في بعض الأحداث التاريخية والتراث الحضاري، والتي باتت منصة يمكن البناء عليها في الحوار مع الشعوب.

تُعدّ الإشكاليات الدينية إحدى المسائل الأساسية في منطقة حوض البحر المتوسط، نتيجة تراكم أحداث، بعيدة أو قريبة، ولم يتم معالجتها بشكل واضح ودقيق، مما انعكس على التصورات المتبادلة بين المجتمعات. ولعل فلسطين تحمل الموروث الديني الأوسع مسيحياً وإسلاميا، فهي تُعتبر ملتقى لأتباع هذه الديانات، لكن، تبقى الخطورة الدائمة في دخول “الإسرائيلي” بروايته التوراتية، من باب حوار الأديان وتلاقي المذاهب الدينية، فتصبح جلسات الحوار نافذة لتبرير الاحتلال وجرائمه، تحت حجة أنّ القدس ملتقى الأديان السماوية، فتكون “تل أبيب” هي الوجهة والهدف.

سحب الإستثمارات

يتمثّل التأثير المتوسطي على فلسطين، عبر الضغط على الحكومات لسحب الإستثمارات الإقتصادية من داخل المستوطنات، والإنطلاق من الوعي الفكري والثقافي إلى مقاطعة البضائع والمنتجات، القادمة أو الداعمة للاحتلال. قد تختلف رؤى الناشطين حول الحل العادل للقضية، فهم يعتبرون أنّ الوصول إلى إنهاء الوجود “الإسرائيلي” بشكل كامل أمر مستبعد، فيطرحون حلّ الدولتين مع ضمان حقوق الشعب الفلسطيني. هذه الرؤية تتطلب توضيحاً فلسطينياً أكبر ونشاطاً أوسع لتصحيحها، ولفتح حوار معهم في عدم جدوى هذا الحلّ كون الكيان في جوهره لا يستطيع التعايش مع أي كيان مختلف عنه فكيف إذا كان هو محتلّ هذا الكيان ومزوّر للتاريخ.

وهنا، يأتي دور الحملات المناهضة للتطبيع، من النواحي الثقافية والفنية، من خلال حملات المقاطعة للحفلات الموسيقية التي تدعو فرقاً إسرائيلية مثلا، أو من خلال الإقتصاد والطاقة مثل الصراع على إستخراج الغاز من سواحل شرقي المتوسط.

*كاتب لبناني


وسوم :
, , , , , , , , , , , , , ,