بعد الحرب الأوكرانية.. هل عادت روسيا إلى لعب دور ما في المنطقة؟

التصنيفات : |
يونيو 8, 2022 6:20 ص

*سنان حسن

في الوقت الذي رأى فيه البعض أنّ التصريحات الروسية التي أعقبت عملياتها العسكرية في أوكرانيا، والتي تدين “إسرائيل” وتستنكر أفعالها العدوانية في فلسطين، بداية من رفضها قراراتها المتعلقة بفلسطين والجولان السوري، ووصفها بأنّها غير شرعية، مروراً باستقبال وفد من حركة حماس في موسكو، وانتهاءً بكلام وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف التي قال فيها إنّ لهتلر “جذورا يهودية” وما تلاها من توتر كبير بين الجانبين، على أنّها تحوّل كبير وإيجابي في السياسة الروسية تجاه المنطقة وبالتحديد نحو فلسطين، لا سيما وأنّ موسكو من خلال تصريحات مسؤوليها تؤكد بأنّ عمليتها العسكرية في أوكرانيا ستعيد هندسة النظام العالمي نحو عالم متعدد الأقطاب ينهي الأحادية القطبية الأمريكية، وهذا بحد ذاته فرصة لأن تسترد القضية الفلسطينية زخمها العالمي وأن تكسب ظهيراً دولياً قادراً على تطبيق القرارات الدولية وإحقاق العدالة بعد تعطيل الولايات المتحدة الأمريكية -الداعم الأول لـ”إسرائيل”- كل القرارات التي تدين الكيان وتنصف أصحاب الأرض. ولكنّ السؤال المطروح: هل بالفعل موسكو قادرة على قيادة هذا التغيير وإنصاف القضية الفلسطينية وغيرها من القضايا العادلة حول العالم؟، أم أنّ كل ما تقوم به هو من باب إشغال العالم عن حربها في أوكرانيا؟، والأهم كيف ستتعامل مع اللوبي اليهودي الكبير في روسيا والعالم؟.

يكفي أن يسجّل التاريخ أنّ أول دولة اعترفت بهذا الكيان الغاصب هي الإتحاد السوفياتي حتى قبل بريطانيا والولايات المتحدة الأمريكية، ولكن مع تقدّم السنوات بدأت الأمور تتحسن نحو الإعتراف السوفياتي بالقضية الفلسطينية وعدالتها

لم تكن العلاقة بين الإتحاد السوفياتي والقضية الفلسطينية في مجملها علاقة ود وتلاقي، بل شابها في البدايات الكثير من الشك والإرتياب كما كشفت الوثائق والمراسلات بين القيادة السوفياتية وكيان الاحتلال والتي أظهرت في الأربعينيات بقيادة جوزيف ستالين دعماً كبيراً لقيام دولة الاحتلال، ويكفي أن يسجّل التاريخ أنّ أول دولة اعترفت بهذا الكيان الغاصب هي الإتحاد السوفياتي حتى قبل بريطانيا والولايات المتحدة الأمريكية، ولكن مع تقدّم السنوات وتحديداً في الخمسينيات من القرن الماضي بدأت الأمور تتحسن نحو الإعتراف السوفياتي بالقضية الفلسطينية وعدالتها، طبعا، بعد الخلافات الكبيرة مع الاحتلال في أعقاب حرب عام 1956 ومن ثم الخلافات بين السوفيات ومصر بعد حرب تشرين/أكتوبر 1973، وصولاً حتى عام 1976 حيث افتتح السوفيات مكاتب دبلوماسية لمنظمة التحرير الفلسطينية في موسكو، ومن ثم شاركوا في مؤتمر مدريد 1991 كراعي لعملية السلام بين العرب والإسرائيليين، وبعد تفكك الإتحاد ووراثة روسيا لدوره في العالم بدأت مرحلة جديدة بين الطرفين، وقد سعت موسكو ولاسيما في عهد الرئيس فلاديمير بوتين إلى لعب دور أكبر في حل القضية الفلسطينية كون روسيا عضواً في الرباعية الدولية للسلام، من خلال الجمع بين القيادتين الإسرائيلية والفلسطينية، ولكن كل هذه المحاولات فشلت في ظل تعنّت الإسرائيلي ورفض أي حديث عن حل قائم على أساس الدولتين، وصولاً إلى صفقة القرن، حيث لم تعلن موسكو موقفاً حاسماً منها بل اكتفت بالتأكيد أنّها تدرسها بانتظار موقف العرب والفلسطينيين منها.

لاحت بوادر أمل في تحرك روسي كبير يمكن من خلاله تحريك المياه الراكدة في القضية الفلسطينية والدفع نحو إيجاد حل يستند إلى الشرعية الدولية وقرارات مجلس الأمن الدولي ذات الصلة

وعليه، وفي ظل الموقف المستجد لموسكو من القضية الفلسطينية ولا سيما بعد انخراط “إسرائيل” بالحرب في أوكرانيا وتقديمها دعماً لوجستياً وسياسياً وعسكرياً للقوات الأوكرانية ومشاركة مرتزقة إسرائيليين في الحرب ضد القوات الروسية، لاحت بوادر أمل في تحرك روسي كبير يمكن من خلاله تحريك المياه الراكدة في القضية الفلسطينية والدفع نحو إيجاد حل يستند إلى الشرعية الدولية وقرارات مجلس الأمن الدولي ذات الصلة، ولكنّ هذا الموقف دونه الكثير من العوائق وقد برز ذلك، من خلال التبريرات التي أطلقتها الصحافة الروسية نقلاً عن دبلوماسيين روس في أعقاب زيارة وفد حماس إلى موسكو ولقائه نائب وزير الخارجية ميخائيل بوغدانوف والتي قالت إنّ الزيارة ليست بهدف الضغط على “إسرائيل” بسبب موقفها من الحرب الأوكرانية، على الرغم أنّ حركة حماس أوضحت أنّ موعد الزيارة كان بعد أسبوع من اللقاء ولكن الجانب الروسي استعجل بها، والأمر الثاني بعد تصريحات الوزير لافروف عن يهودية هتلر حيث كشف نفتالي بينيت أنّ بوتين اعتذر عن ما قاله وزير خارجيته في اتصاله معه، وأنّه -أي بينيت- قبل الإعتذار، في ما أحجم الكرملين عن تأكيد ذلك.

والحال فإنّه من المبكر الحديث عن تغيرات جذرية في الموقف الروسي تجاه قضايا الشرق الأوسط وبالتحديد القضية الفلسطينية، فالوقائع والدلائل حتى الآن تعطي انطباعاً أولياً بأنّ موسكو مهما صعّدت من مواقفها تجاه “إسرائيل” إلا أنّها لن تتخذ موقفاً حاداً منها، ولن تكون في الضفة المقابلة لها مهما كان موقف القادة الإسرائيليين من الحرب الروسية – الأوكرانية، فحساب التوازنات والمصالح لدى الدب الروسي تخضع لمعايير لا ترتبط فقط بفلسطين و”إسرائيل” وإنّما ما يحدث في المنطقة برمّته، وما يجري في سوريا أكبر دليل على ذلك،  ولكن من الممكن أن تكون لتطورات الأيام القادمة كلمة أخرى، لننتظر ونرى.

*كاتب سوري


وسوم :
, , , , , , , , , , ,