العلاقات الإسرائيلية – الإفريقية: تطبيع مع آخر أنظمة الفصل العنصري

التصنيفات : |
فبراير 10, 2023 8:42 ص

*وسام عبد الله

قبل فلسطين، كانت كينيا أحد الدول المقترحة لإقامة الكيان الصهيوني من قِبل تيودور هرتزل سنة 1903، فكل ما حدث بحقّ الشعب الفلسطيني كان من الممكن أن يحدث لشعب إفريقي، هل يعرف قادة بعض الدول أنّهم كانوا ليُهّجرون ويُقتلون وتُمارس بحقّهم أبشع الممارسات العنصرية، التي اختبروها أيضا من نفس الدول الداعمة لكيان الاحتلال؟.

العلاقات التاريخية

بدأ كيان الاحتلال بناء العلاقات مع الدول الإفريقية ما بعد النكبة، فأول سفارة لـ”إسرائيل” في إفريقيا افتُتحت في العاصمة الغانية أكرا سنة 1957 وأُعلنت البعثة الدبلوماسية الإسرائيلية في كينيا سنة 1963. ومع اندلاع حرب حزيران/يونيو 1967 اتخذت أربع دول قراراً قطع علاقاتها مع “إسرائيل” وهي غينيا وأوغندا وتشاد والكونغو، ثم وفي حرب 1973 اتخذ المجلس الوزاري لمنظمة الدول الإفريقية القرار بقطع العلاقات الدبلوماسية مع الكيان الصهيوني، ومطالبتها بالانسحاب من الأراضي المحتلة ومنح الشعب الفلسطيني حقّ تقرير المصير. وقد استجابت لهذا القرار كافة الدول الإفريقية باستثناء جنوب أفريقيا.

وعلى الرغم من انقطاع العلاقات الدبلوماسية، إلا أنّ حكومات الاحتلال المتعاقبة حاولت المحافظة على علاقتها التجارية مع الدول، فسنة 1989 بلغت قيمة الواردات إلى خزينة الاحتلال 240,9 مليون دولار في مقابل 164 مليون دولار قيمة الصادرات. وشكّلت اتفاقية كامب ديفيد بين مصر و”إسرائيل” البوابة التي بدأ الاحتلال من خلالها استعادة علاقته مع دول إفريقية، كون بعض الحكومات الإفريقية كانت تقف ضد “إسرائيل” لاحتلالها أراضٍ مصرية في سيناء، والآن لم يعد هناك حجة لمعارضتها.

في سنة 1981، تمّ توقيع اتفاقية التعاون الاستراتيجي مع الولايات المتحدة التي أُطلقت بموجبها يد “إسرائيل” في إفريقيا

كما استفادت “إسرائيل” كعادتها من الصراعات لتدخل وتدعم جهة ضد أخرى، وهو ما تحاول استغلاله في التوترات بين الدول الإفريقية. وكان للولايات المتحدة دور في تنسيق العلاقات الإفريقية – الإسرائيلية،  ففي سنة 1981، تمّ توقيع اتفاقية التعاون الاستراتيجي مع الولايات المتحدة التي أُطلقت بموجبها يد “إسرائيل” في إفريقيا، حيث تشير المادة الثالثة من هذه الاتفاقية إلى قيام واشنطن بوضع الأرصدة في تصرف حكومة الاحتلال لتمويل البرامج العسكرية في إفريقيا. وحاليا، تُقيم “إسرائيل” علاقات دبلوماسية مع أكثر من 40 دولة إفريقية، تجمعها معها علاقات اقتصادية وتجارية وعسكرية.

الهدف من إفريقيا

يشير وزير الخارجية الإسرائيلي الأسبق أبا إيبان في كلية الدفاع الوطني عام 1964، أنّ مستقبل الكيان الاقتصادي سيعتمد، إلى حد كبير، على نشاطه الاقتصادي في الدول النامية في آسيا وإفريقيا وأمريكا اللاتينية، كما دعا إيبان للتقارب مع الدول الإفريقية للحصول على تأييدها في المحافل الدولية. وما شهدناه خلال الأسابيع الماضية من أحد نتائجه، بافتتاح سفارة تشاد بعد زيارة رئيسها إلى “تل أبيب”، وزيارة وزير الخارجية الإسرائيلي إلى السودان.

وكما هي “إسرائيل” شرطي أمريكا في شرق المتوسط، فهي تنفّذ دورها في إفريقيا، من خلال حراسة مصالحها في ظل المنافسة مع أوروبا وخاصة فرنسا

أمن “إسرائيل” من الناحية الجنوبية يبدأ من خليج العقبة وسعيها للسيطرة على البحر الأحمر من خلال إقامة العلاقات مع الدول المطلة عليها، فهي دعمت إثيوبيا في حربها مع إريتريا عام 1952، وهو ما عبّر عنه الجنزال موشيه دايان أنّ أمن إثيوبيا وسلامتها يشكّلان ضمانة لـ”إسرائيل”. وللمفارقة، وبهدف سيطرته على باب المندب، دعم الاحتلال في وقت لاحق إريتريا ودرّب جيشها وقدّم له أسلحة متنوعة. وحدد بن غوريون الهدف من السيطرة على البحر الأحمر، بجعله بوابة إسرائيلية إلى القارة الإفريقية وشرق آسيا، واستخدامها ممراً عوضاً عن قناة السويس، وتفكيك الروابط العربية بقطع التواصل البري والبحري بينها. وإذا نظرنا إلى حوض النيل، نجد أنّ الاحتلال يملك القدرة على التواجد بنسب متفاوتة في الدول التي يمر بها نهر النيل، من مصر واتفاقية السلام مع الرئيس الأسبق أنور السادات، إلى السودان ومحاولة دخوله في “اتفاقيات أبراهام”، وصولاً إلى إثيوبيا، فهو يصل بأمنه القومي إلى أهم مورد مائي في الجزء الشمالي من القارة الإفريقية.  وكما هي “إسرائيل” شرطي أمريكا في شرق المتوسط، فهي تنفّذ دورها في إفريقيا، من خلال حراسة مصالحها في ظل المنافسة مع أوروبا وخاصة فرنسا.

حين نتحدث عن الفصل العنصري وإفريقيا والنضال من أجل التحرر، يطل اسم نيلسون مانديلا كأول النماذج، لما تحمل سيرته الذاتية من مثال للنضال ضد كل نظام يشبه “إسرائيل”، وهو ما قاله حفيده زويليفليل مانديلا، بتوصيفه أنّ “إسرائيل” تستخدم الأسلحة والبرامج التجسسية وتكنولوجيا الزراعة لدعم الأنظمة الدكتاتورية بإفريقيا للحصول على نفوذ لها في القارة. فمن سياسة القتل والتهجير بشكل مباشر في فلسطين، إلى دعم الانقلابات العسكرية والحروب في إفريقيا. فعلى ماذا تراهن بعض الدول الإفريقية في تطبيعها مع الاحتلال؟.

*كاتب لبناني


وسوم :
, , , , , , , , , , , , , , , ,