“خطة إسرائيل الحاسمة” و”الخيمتان” و”الضعف الدولي”
يوليو 18, 2023 6:09 ص*أحمد حسن
حتى اللحظة، لم تستقر بعد صورة النظام الدولي القادم على شكلها الأخير ويبدو أنّها لن تستقر في المدى المنظور في ظل مشهد دولي غير مسبوق بسيولته السياسية وغموضه الاستراتيجي الناجمين عن ضعف عام لأطرافه الرئيسية والثانوية، منفردة ومجتمعة، ففي ما يمكن الحديث عن أهداف كبرى لدى كل طرف، إلا أنّ وسائله لتحقيق ذلك تبدو ضعيفة وغير ناجعة، وذلك ما تبرزه حرب أوكرانيا بأفضل وأنصع صوره.
بيد أنّ ما يعنينا في هذه المنطقة أنّ هذا “المشهد” الغائم للنظام الدولي أتاح الفرصة في منطقتنا لإطلاق بعض قوتها من مكمنها خاصة في ظل انكشاف للضعف الاستراتيجي الإسرائيلي غير المسبوق في مواجهة مخيّم للنازحين كـ”مخيّم جنين” في فلسطين، أو “خيمتين” لحزب الله في الجنوب اللبناني تراجع الإسرائيليون بصورة مخزية عن وعيدهم وتهديداتهم بشأنهما، وربما كان أبرز من عبّر عن هذا الضعف المخزي هو رئيس الاستخبارات العسكرية الذي “عمد إلى الترويج لمفهوم يهدف إلى تبرير ارتداع الجيش أمام حزب الله وتقديم ذلك أمام الرأي العام الإسرائيلي على أنّه تفويت فرصة على حزب الله”، وبالطبع لا حاجة لسؤال من قبيل: متى كانت “إسرائيل” تفعل ذلك؟.
بهذا السياق، سياق الضعف لا القوة، يمكن إدراج منع “إسرائيل” النشاط السياسي للطلاب العرب في الجامعات، كما يمكن إدراج “خطة إسرائيل الحاسمة” التي عبّر عنها وزير المالية الإسرائيلي، بتسلئيل سموتريتس، لمجلة “هاشيولوش”، والتي اعتبر فيها أنّ “حل الدولتين وصل إلى طريق مسدود وحان الوقت لكسر النموذج وإيجاد الطريقة المناسبة للخروج من هذه الحلقة التي لا تنتهي”.
والحال، أنّ الطريقة التي قال سموتريتش إنّها تحقّق هذا الهدف تفضح “الضعف”، لأنّ “إنهاء النزاع بالاستيطان على شكل إنشاء مدن ومستوطنات جديدة في عمق المنطقة وجلب مئات الآلاف من المستوطنين الإضافيين للعيش فيها”، وتخيير الفلسطينيين بين “التخلي عن تطلعاتهم القومية والعيش كأفراد في الدولة اليهودية”، أو الهجرة، أو “قتل من يحتاج إلى القتل”، بحسب سموتريتش، هي “طريقة” جربتها “إسرائيل” منذ النكبة ولم تفلح في إطفاء جذوة إرادة الحياة الحرة والاستقلال في أفئدة الفلسطينيين.
هنا تحديداً يمكن فهم انتقاد الرئيس الأمريكي، جو بايدن، للحكومة الإسرائيلية واعتبارها “الأكثر تطرفا” التي يذكرها، باعتباره ليس فكاً للحلف التاريخي والاستراتيجي بين الطرفين فهو، أي بايدن، القائل: “لو لم تكن إسرائيل موجودة لكان يجب إيجادها”، بقدر ما يؤشّر إلى هدف واحد و”خشية” من أمر واحد أيضا.
وبالطبع، فإنّ الهدف هو “المشروع الإسرائيلي” وبقاؤه ولكن كجزء من المشروع الغربي، وبالتالي، محاولة إنقاذه من نفسه وإنقاذ المصالح والأولويات الأمريكية في المنطقة من التداعيات التي قد تترتب على جنوح قادته نحو سياسات منفلتة لم يعد من الممكن تغطيتها في عالم اليوم المنشغل بصراع أكثر وجودية، أما “الخشية” الأمريكية فهي تنبثق من وعيها لتزايد “قوة المقاومة” واتساع مساحتها والأهم تزايد الترابط الاستراتيجي بين مكوناتها، وذلك هو تحديدا، أي “الهدف” و”الخشية” ما يشكّل طرفي المعادلة البسيطة والواضحة التي حكمت تقريع بايدن لـ”إسرائيل” نتنياهو وبن غفير، وتحكم أيضاً أغلب تحركات القوى المنضوية في المشروع الغربي بغض النظر عن أسمائها وصفاتها “الوطنية” المزعومة، ومنه على سبيل المثال لا الحصر ما تقوم به “سلطة أوسلو” من اعتقالات بحقّ المقاومين في الضفة.
والحال، فإنّ “جنين” وعبرتها، تلازمت مع “الخيمتين” وعبرتهما، في وضع معادلات القوة في كفة، والمطالب الحدودية اللبنانية والتحررية الفلسطينية في كفة موازية، وذلك أيضاً ما قرأه بدقة بعض المعلقين في قنوات التلفزة الإسرائيلية وضيوفها.
وهنا أيضا، في هذه السيولة السياسية والضعف الاستراتيجي، تبرز خطورة الأوضاع التي تبدو كحقل قمح في صيف قائظ ينتظر قشة واحدة ليشتعل، خاصة وأنّ الشرخ الداخلي الخطير في المجتمع الإسرائيلي، الذي أدخل الجيش الإسرائيلي أيضاً إلى الدوامة، يتزايد يوماً بعد آخر، وقد لا تجد “إسرائيل” حلاً للخروج منه سوى الحرب، وهذا ما تنتظره المقاومة الجدية بفارغ الصبر.
*كاتب سوري
وسوم :
أحمد حسن, استيطان, الاعتقال السياسي, الحدود اللبنانية, الكيان الصهيوني, المشروع الإسرائيلي, بتسلئيل سموتريتش, جو بايدن, حكومة نتنياهو, خطة إسرائيل الحاسمة, خيمتا حزب الله, سلطة أوسلو, صمود, فسطين المحتلة, مخيّم جنين, مقاومة, نكبة فلسطين