إسرائيل ترمّم خيبتها في الشيخ جرّاح باقتحام الأقصى

التصنيفات :
يوليو 19, 2021 2:06 م
جميع الحقوق محفوظة لشبكة صمود – 2021

صمود – رامي سلّوم

تحاول الإدارة الإسرائيلية اللعب بالنار مجددا وتجاوز الصفعة الأخيرة في حي الشيخ جراح المقدسي، والإيحاء لمتطرفيها بأنها مازالت قادرة على الإمساك بزمام الأمور، والدوس على الخطوط الحمراء، بعد ما يمكن وصفه بالصدمة من ردة الفعل الخارجية والداخلية على قضية الشيخ جراح، فأوعزت لمجموعات متطرفة باقتحام المسجد الأقصى، في حادثة جديدة تؤكد عنصرية الكيان الصهيوني، وغريزته العدوانية، وعنصريته، وضربه للقوانين والأعراف الدولية.

وكانت ردود الأفعال العالمية والعربية من جهة، فضلا عن رد الفعل الفلسطيني الداخلي، على حادثة الشيخ جراح، قد محت الحبر الذي وقّعت به صكوك التطبيع، وكالعادة أوقعت العدو الأحمق في وحول رعونته، بعد أن كان قد استخدم أدواته الدعائية وعززها “بالبروباغندا” الإعلامية التي يتقنها، للإيحاء لمتطرفيه بأن قضية القدس قاب قوسين من نهايتها، بعد الجهود الكبيرة التي بذلتها أدواته العسكرية والدعائية وأموال شراء الضمائر والذمم لفصل المقدسيين عن غلافهم الحقيقي.

وحاول كيان الاحتلال طرد آلاف الفلسطينيين من مساكنهم في منطقة الشيخ جراج الاستراتيجية، من أجل إنشاء تواصل جغرافي استيطاني والحد من الترابط الجغرافي الفلسطيني مع أسوار القدس القديمة، المتلاصقة مع الحي، في استمرار لعمليات الإحلال التي تنتهجها إسرائيل على الرغم من الرفض الدولي، ومخالفة الاتفاقيات والأعراف الدولية، والتي أسفرت عن توطين أكثر من 750 ألف مستوطن في الضفة الغربية والقدس الشرقية وفقا لمجلة “أوريان 21” الفرنسية بهدف القضاء على حل الدولتين.

ويبدو أن إسرائيل تنتقم أيضا من عجزها على اقتحام المسجد الأقصى خلال عملية سيف القدس الأخيرة، وتحاول أن تؤكد قدرتها على العدوان متى تشاء، حيث صمد الأهالي المعتصمون في المسجد وقتها بوجه الهجوم المنظم، كما أنها كالعادة تنسف الاتفاقات والعهود التي كان آخرها اتفاقها مع الفصائل برعاية مصرية على وقف العدوان، وتخفيف همجيتها ضد الأهالي إن صح التعبير.

وأعادت الحادثة الأخيرة القضية الفلسطينية عموما، والقدس خصوصا إلى الواجهة العربية، والعالمية، لتعود إلى مركز البديهيات الغير قابلة للجدل، حول أحقية المحتل أم صاحب الأرض بها، بعد تراجعها عن الظهور في الصدارة، نتيجة الإنهاك الذي أصاب الشعوب العربية جراء أحداث السنوات الاخيرة، وإلهائها بلقمة عيشها ومشكلاتها الداخلية، ليصحو الوجدان الشعبي مجددا رافضا الظلم والهمجية الإسرائيلية، كما نسفت محاولات التشويه المتعمّد للقضية الفلسطينية في المجتمع الأوروبي من قبل الإسرائيليين، الذي استفاق نصرة للانسانية بدوره.

 ووقف آلاف المستوطنين الإسرائيليين ومن ضمنهم حكومتهم مصدومين، من ردود الأفعال الغير معتادين عليها، فضلا عن أن وسائل الدعاية أوهمت المستوطنين بأنهم حملان العالم، ويمتلكون كامل الحقوق في قتل وتهجير وإذلال الناس الآمنين، حيث تصدرت أخبار الشيخ جراح وسائل التواصل الاجتماعي، ليقف الجميع مع صواريخ المقاومة هذه المرة، وينسف مؤامرة إسرائيلية عمرها عشرات السنين حاولت خلالها قلب المفاهيم، واللعب بضمائر الإنسانية، لتعود بها إلى نقطة البداية، خصوصا أنها كانت بمثابة صورة مصغرة شهدها العالم والأجيال الجديدة عن النكبة الكبرى، والتي حاولت إسرائيل إعادتها مرة أخرى بنكبة الشيخ جراح وتشريد المواطنين الآمنين من منازلهم.

وفي أبرز الردود السريعة على اقتحام المستوطنين للمسجد الأقصى، اعتبر سياسيون ومحللون، أن التحرش بالمسجد الأقصى، واقتحامه من قبل نحو 1200 متطرف اسرائيلي الأحد، هو استمرار للرعونة الاسرائيلية، ومحاولاتها المستمرة عبر عقود لتفريغ القدس وتثبيت أمر واقع لا قانوني هناك، أسوة بالاستيطان، وعمليات التهجير المستمرة التي لحقت بالقدس على مرأى العالم.

ووصف سياسيون اقتحام المسجد الأقصى اليوم، بأنه ضمن الروتين الإسرائيلي في مناقضة الأعراف الإنسانية والدولية كالعادة، لافتين إلى أنه يعطي مؤشرا خطيرا على توجهات الحكومة الإسرائيلية الجديدة برئاسة نفتالي بينيت المعروف بخلفيته المتطرفة.

ويرى محللون، بأنه كعادتها، تجنح الحكومة الإسرائيلية إلى (الوقاحة) وفقا لهم، بعد كل صفعة تتلقاها، فانهيار أوهام العدو التي زرعها من خلال “بروباغندا” إعلامية طويلة، عملت خلال عقود من الزمن على تفريغ القضية الفلسطينية من بديهياتها الأساسية وأولها القدس.

ومن أبرز انتصارات الشيخ جراح أنها كشفت للعالم، زيف إدعاءات الديموقراطية “الإسرائيلية” وأبرزت المشكلات الداخلية للكيان بصورة واضحة، والذي كان يسوق لها بنقل صورة دعائية عن العرب الفلسطينيين في القدس واندماجهم الوهمي في المجتمع الإسرائيلي، عبر آلته الدعائية، والذين في الحقيقة يعانون أسوأ أساليب التمييز العنصري في الأمور المعيشية والتعليم والوظائف والمناصب وغيرها، مكتفين بمنحهم جنسية الكيان الوهمية، والتي استثني منها سكان القدس الشرقية حتى اليوم، فيما عدا المراقبة الأمنية، والتمثيل الوهمي في الكنيست الإسرائيلي الذي يمكِّن اللوبي اليهودي من طرد أي نائب عربي وفقا لقانون الإقصاء الذي أقرته الحكومة الإسرائيلية منذ العام 2016، ويمثل اسمه أكبر دلالة عليه.

*كاتب سوري


وسوم :
, , , ,