حارة المغاربة في مخيم اليرموك … تاريخ ينبض

التصنيفات : |
أغسطس 4, 2021 12:13 م
جميع الحقوق محفوظة لشبكة صمود – 2021

*علي بدوان

حارة المغاربة، من الحارات القديمة في مخيم اليرموك مع أنها تقع نهاية حدود المخيم لجهة الجنوب الشرقي، ملاصقة لبلدة (يلدا). ومعظم سكانها من القرى الفلسطينية التي كان سكانها يعودون بأصولهم إلى الجزائر والمغرب العربي، وهم الذين قدموا لبلاد الشام مع الأمير عبد القادر الجزائري، وتحديداً إلى سوريا وفلسطين، فأقاموا في بعض قرى فلسطين، وأقاموا في سوريا بالعاصمة دمشق، في حي باب سريجة، وحي قبر عاتكة وسط دمشق، فيما أقامت أعداد منهم في قرية عابدين من أعمال حوران.

أما القرى الفلسطينية التي أقاموا بها ولجأوا منها إلى لبنان، وسوريا عام النكبة، فهي القرى التالية: (كفر سبت + معذر) قضاء طبريا، وقرية (شعارا +عولم) قضاء الناصرة، وقرية (هوشة) قضاء حيفا، وقرية (ديشوم + الحسينية + ماروس+ عموقة) قضاء صفد.

إضافة لإستقرار عددٍ منهم في حي المغاربة المقدسي الى جانب إخوتهم من الحجاج المغاربة الذين استقروا في فلسطين وأسسوا حي المغاربة. وهناك مغاربة سكنوا في مدينة صفد من عائلات الخالدي والخضراء.

عرف عن رجال قرى المغاربة في فلسطين، الشجاعة والبأس، وتصدوا للعصابات الصهيونية قبل النكبة. صيف 1948 ارتكبت العصابات الصهيونية مجزرة في معظم قرى المغاربة ودمرت جميع بيوتها. كما عرف عن جميع قرى المغاربة رفضهم كافة إغراءات الحركة الصهيونية للبقاء في قراهم لقاء تعاونهم.

في لبنان، أقام المغاربة بشكل رئيسي في مخيمي البرج الشمالي ونهر البارد. وكان للمغاربة من أهل المخيمات شرف المساهمة الفعالة في انطلاقة حركة فتح أثناء العمل السري وتأسيس ما كان عرف لاحقاً في جنوب لبنان: قاعدة المغاربة.

أبطال مغاربة اليرموك

حارة المغاربة في مخيم اليرموك، أنجبت أبطالاً في مسيرة الثورة الفلسطينية المعاصرة، أسماؤهم معروفة، علامات فارقة في مسيرة الكفاح الفلسطيني المعاصر، وعلى رأسهم الشهيد أبو علي الأخضر من الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين (القيادة العامة) بطل معركة (عين يهيف) عام 1968 داخل فلسطين. وهي أيضاً حارة الشهيد محمد عباس زيدان (أبو العباس) الأمين العام لجبهة التحرير الفلسطينية وعضو اللجنة التنفيذية لمنظمة التحرير وهو من (طيرة حيفا). والشهيد محمود خليفاوي شهيد معركة مغدوشة في لبنان عام 1986، وشهداء موقع الصرفند بين صور وصيدا، والشهيد زياد أبو زيد، وعبد الله أبو زيد، والشهيد عبد القادر رغيس وهو من أوائل شهداء القيادة العامة بعد العام 1967، والشهيد كامل عيسى ناصر من أبطال معركة الهجوم على مطار اللد نهاية عام 1967، والشهيد سعيد محاد، والراحل أحمد كوجيل (أبوعلي الدعبول) مسؤول الأمن المركزي سابقاً في القيادة العامة، وهناك شهداء من حارة المغاربة ممن استشهدوا في لبنان من الفصائل ومن جيش التحرير الفلسطيني وفي مقدمتهم العقيد الركن عبد الناصر موقاري الذي استشهد غيلة وغدراً بداية الأزمة السورية بالقرب من حارة المغاربة.

بعد النكبة عام 1948، اضطرت غالبية مغاربة فلسطين للجوء الى سوريا ولبنان، وبقي منهم العديد القليل داخل أرض فلسطين المحتلة عام 1948. فباتوا ككل أبناء شعبهم لاجئين في ديار المعمورة. حيث أقاموا في مخيمات لبنان (تل الزعتر +البرج الشمالي + نهر البارد). بينما أقامت غالبية من لجأ منهم الى سوريا في مخيم اليرموك بشكلٍ رئيسي، حيث حي المغاربة الواقع في أقصى الجنوب الشرقي لمخيم اليرموك بالقرب من معسكر أشبال حركة فتح والمدينة الرياضية.

مقابر الشهداء

تقع مقبرة الشهداء القديمة، ملاصقة لحارة المغاربة، حيث تضم رفات المئات من الشهداء، خاصة منها القوافل الأولى من شهداء الثورة الفلسطينية، وقد أقيمت عام 1964 عندما تم دفن أول شهيدين تحت ترابها من الكتيبة الفدائية الفلسطينية (الكتيبة 68) وهما: الشهيد علي الخربوش من عرابة البطوف قضاء عكا، والشهيد مفلح السالم من صفورية قضاء النصرة. وقد استشهدا أثناء تنفيذ عملية فدائية ضد الاحتلال على أرض فلسطين.

وتبعتهما القوافل التالية من شهداء الثورة والمقاومة، ومنهم الشهيد محمد حشمة، إضافة لقيادات وشخصيات تاريخية استشهدت، ومنها :الشهداء زهير محسن، خليل الوزير، سعد صايل، طلعت يعقوب، محمد عباس (أبوالعباس)، عبد الكريم الكرمي (أبو سلمى)، يعقوب أبو غزالة، عبد العزيز الوجيه، ممدوح صيدم، وائل زعيتر، حفظي قاسم، كايد سليماني …

أما مقبرة الشهداء الجديدة، فقد أقيمت عام 1984، وضم ترابها المئات أيضاً من الشهداء، ومنهم: أحمد جبريل، الدكتور فتحي الشقاقي، نمر صالح (أبو صالح)، جهاد جبريل، الدكتور رمضان شلح، السفير محمود الخالدي، محمود المبحوح …

ومن المؤسف، أن مقبرتي الشهداء استُهدفتا في اليرموك، وقد أدى ذلك لوقوع دمار وجرف مئات القبور العائدة للشهداء. في مشهد، يثير الأسى، ويسيء للشهداء، ولتضحياتهم، ودمائهم التي نزفت في الطريق إلى فلسطين.

على كل حال، مغاربة فلسطين ومخيم اليرموك، تكوين وطني أصيل من نسيج الشعب العربي الفلسطيني، لعبوا دوراً متصاعداً في مسار العمل الوطني الفلسطيني قبل النكبة وبعد النكبة. وتميزوا بعنادهم الوطني والكفاحي وإخلاصهم المنقطع النظير لقضية شعبهم الفلسطيني، وسقط المئات منهم شهداء في مسار العمل الفلسطيني، وكان منهم أيضاً القوافل الأولى من كتيبة الاستطلاع الخارجي في الجيش العربي السوري (الكتيبة 68) في خمسينيات وستينيات القرن الماضي.

ويلحظ في هذا السياق، أن أبناء حي المغاربة توزعوا على مختلف الفصائل، لكن غالبيتهم توزعت بين حركة فتح، والجبهة الشعبية لتحرير فلسطين (القيادة العامة). وصعد منهم الى اللجنة المركزية لحركة فتح في مؤتمرها الذي تم عقده في بيت لحم عام 2008 (محمد المدني) ابن بلدة كفر سبت قضاء طبريا.

المغاربة طعّموا الفلسطينيين بالثقافة

أغنى مغاربة فلسطين حياة الفلسطينيين قبل النكبة وبعد النكبة، كما وأغنوا التراث الفلسطيني، عندما ساهم العديد منهم بتأسيس الفرق الغنائية الوطنية، ومنها فرقة العاشقين التي كانت نواتها الأساسية من شبان وفتيات حارة المغاربة ممن امتلكوا الموهبة المتعلقة بالغناء السياسي من عائلة (الهباش). إضافة لفرقة الوعد بقيادة يوسف الطيب والفنان خالد مقاري عازف اليرغول المحترف وجلهم من أبناء حي المغاربة في مخيم اليرموك.

كما ظهر منهم العشرات من الكتاب والصحفيين والشعراء، وفي مقدمتهم الكاتب محمد أبو عزة من بلدة (معذر) قضاء طبريا…

ومن تلك الإغناءات أيضا، كانت الأكله الشعبيه المشهوره ذائعة الصيت بين كل الفلسطينيين في اليرموك وغيره، والتي يطلق عليها الفلسطينيون مُسمى (المُغربية) أو (المفتول)، وهي أكلة شعبية طيبة جدا، ومحبّذة أيام الشتاء، ومعروفة في المغرب والجزائر وتونس تحت مسمى (كُسكسي)، وهي عبارة عن عجين مفتول بالطحين، يتم تحويله إلى ما يشبه حبات الأرز، ويُطهى بطريقة فنية على قدور، ويُضاف إلى مرق الدجاح مع الحمص والبصل أو لحم الخروف.

*عضو اتحاد الكتّاب العرب


وسوم :
, , , , ,